عاطف دغلس/ الجزيرة نت: بينما كان الأسير المحرر إبراهيم الطقطوق من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية يُحمل على الأكتاف وتزغرد النساء فرحا بحريته بعد ربع قرن من الاعتقال في سجون الاحتلال، كان الحزن يُخيّم على عائلة الأسير رائد السعدي من مدينة جنين، إذ كان اسمه الأول من بين الأسماء المتوقع الإفراج عنها.
وبينما تشير الساعة للخامسة فجرا، كانت المركبات التي تقل إبراهيم وذويه القادمين من رام الله تطلق العنان لأبواقها احتفاء بعودة "بطل عملية الساقوف" كما يعرّفه أهالي مدينته نابلس، وأطلق الشبان المحتفلون الألعاب النارية، وصدحت مآذن المساجد مرحبة به ومذكرة بمقاومته للاحتلال.
أما هو فلم يكد يشعر بأنه حر طليق مثل غيره حتى إن شقيقته أم أحمد لم تصدق فعلا أنها تحتضنه بيديها وتراه عيانا، وهي التي ظلت ترفض أية "مزايدات سياسية" بالإفراج عن الأسرى القدامى يستعرضها المسؤولون كلما التقوا أهاليهم.
وفي بيت أم أحمد، المأوى المؤقت لإبراهيم -حيث كان الاحتلال قد هدم منزل عائلته في اليوم التالي لاعتقاله في مارس/آذار 1989- روى تجربته النضالية وحكايته مع "الساقوف" (الحجر الكبير) الذي ألقى به على أحد الجنود فقتله.
[caption id="attachment_35795" align="aligncenter" width="549"] المحرر الطقطوق لدى استقباله الأهالي المهنئين بتحرره[/caption]حجر المقاومة
ولم يكن متاحا للفلسطينيين آنذاك غير الحجر لمنازلة إسرائيل، حتى إن الانتفاضة سميت نسبة له "انتفاضة الحجارة"، كما يقول إبراهيم (42 عاما) متحدثا للجزيرة نت.
ويضيف الطقطوق -الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة- أنه نجح ورفاق له أبرزهم الأسير المحرر سمير النعنيش، الذي أطلق سراحه في الدفعة الأولى قبل أربعة أشهر، في استهداف أحد الجنود الإسرائيليين بعدما استدرجوهم لحي الياسمينة داخل البلدة القديمة، وهناك اعتلى إبراهيم وصديقه سمير أحد المنازل "قرب بوابة البيك"، وأخذ على عاتقه مهمة حمل الحجر الذي يزن 30 كيلوغراما وإلقائه على الجنود المارين وقتل أحدهم، ولاذوا بالفرار جميعا.
ويضيف "جنّ جنون إسرائيل، فداهمت المدينة وفرضت عليها حصارا مشددا لأيام عديدة"، واعتقله الاحتلال بعد 13 يوما من المطاردة والتفتيش.
ويرى إبراهيم أن عمله لم يكن بدافع الانتقام والثأر "الشخصي" بعدما فقأ جيش الاحتلال عينه بإطلاق النار عليها قبيل اعتقاله بأشهر قليلة، "وإنما نضال من أجل الوطن".
ويشير الأسير المحرر إلى أن الانقسام كان أكثر ما أثر فيه وفي الأسرى، وقال إن انتفاضة الحجارة عام 1987 ولّدت ثقافة الوحدة.
ولا يغفر الطقطوق وغيره من الأسرى مرور القيادة الفلسطينية والأحزاب والفصائل على قضيتهم مرور الكرام، وعدم الاكتراث بهم منذ أكثر من عشرين عاما، بصفقات أو غيرها، فهم "أساس وليس استثناء"، وفق قوله.
[caption id="attachment_35796" align="aligncenter" width="549"] الحاج محمد السعدي رغم الألم والشوق يبقي أمله معلقا بالله لينعم برؤية نجله[/caption]مأساة ولوعة
وهذا الاستثناء لم يكن بعيدا عن عائلة الأسير رائد السعدي، إذ لا يزال يتجرع مرارة الاعتقال داخل سجون الاحتلال بعدما أُجل الإفراج عنه للدفعة الرابعة في مارس/آذار القادم.
ويبدو أن الاحتلال يُدرك أن والدة الأسير السعدي باتت أقرب للموت بعد تردي حالتها الصحية بعد إصابتها بجلطات عدة قبل أشهر، ويريد تلويعها أكثر، ووالده تدهورت صحته وبات العكاز الرباعي رفيقا له في تنقلاته داخل منزله.
لكن أمل والدته، كما يقول زوجها محمد السعدي والد رائد، معلق بربها ليمد في عمرها وترى نجلها محررا.
ويضيف الحاج السعدي (79 عاما) للجزيرة نت أن الفرحة انتابتهم عندما سمعوا أن اسم ابنهم مدرج على قوائم الإفراج، لكن فرحتهم لم تدم بعدما تأجل الإفراج، وعاشت العائلة حالة من الإحباط "تهد جبلا بأكمله".
واعتقل رائد السعدي (46 عاما) سنة 1989 بعد اتهام الاحتلال له بتنفيذ عمليات وقتل إسرائيليين، وحكم بالسجن المؤبد مرتين.
المصدر: الجزيرة