تشديد الحصارين الإسرائيلي والمصري، وانهيار المشروع الديمقراطي في الوطن العربي، وتوتر العلاقات مع سوريا وإيران وغياب دعمهما، هي أبرز ملامح الأزمة السياسية التي تعاني منها حركة حماس التي تدير شؤون الحكم في قطاع غزة، كما يرى محللون سياسيون.
ورأى هؤلاء المحللون السياسيون في أحاديثهم المنفصلة مع وكالة الأناضول، أن المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، هي أفضل الخيارات المتاحة أمام "حماس" لتجاوز ما تمرّ به من أزمة.
وتوقع المحللون أن تلجأ حماس للمواجهة العسكرية مع "إسرائيل"، كخيار أخير لتجاوز أزمتها السياسية، فيما اعتبر آخرون أن خيار "القوة الخشنة" من شأنه أن يفاقم أزمة الحركة.
ويعاني قطاع غزة وحكومته من اشتداد للحصار الإسرائيلي، ورَهن معبر كرم أبو سالم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية والمنفذ التجاري الوحيد لغزة لمزاجية الاحتلال، مما فاقم الأزمة الإنسانية لدى أهالي القطاع، إضافة إلى هدم الأنفاق واستمرار إغلاق مصر لمعبر رفح البري، المنفذ الوحيد لقرابة مليوني مواطن.
وفرضت "إسرائيل" حصارًا على قطاع غزة عقب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في يناير/كانون الثاني 2006، وشددته بعد اختطاف أحد جنودها على يد فصائل فلسطينية في العام نفسه.
ومما يزيد من أزمات حركة حماس، ما يصفه مراقبون بـ"العداء الكبير" للسلطات المصرية الحالية تجاهها، وتلويحهم بإعلان الحركة، جماعة إرهابية، لارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي اعتبرتها القاهرة جماعة "إرهابية" الأربعاء الماضي.
وتغلق السلطات المصرية معبر رفح، جزئيا، بالتزامن مع تشديد الخناق على أنفاق التهريب الحدودية مع القطاع والذي كان يشكل شريان الحياة للمدينة المحاصرة، عقب عزل الرئيس المصري محمد مرسي، يوم 3 يوليو/تموز الماضي.
وقال محمود الحرثاني، الكاتب السياسي، والمحاضر بقسم الدراسات الشرقية والترجمة في جامعة الأقصى بغزة، إن أهم ملامح الأزمة السياسية التي تواجه "حماس" في الوقت الراهن، هي اشتداد الحصار الإسرائيلي عليها بسبب توتر الوضع الدولي، وتفكك النظام العربي.
وأوضح أن "حماس كانت تعول كثيرًا على المشروع الديمقراطي في الوطن العربي، ولكن مع انهياره وخاصة في مصر من شأنه أن يضاعف من أزمتها".
وبيّن الحرثاني أن "الشعوب العربية هبت لتخفيف الحصار عن غزة منذ بدايته، ولكن اشتداد الأزمات وتواليها في الوطن العربي وخاصة سوريا أثر بشكل كبير على الدعم لحركة حماس".
واستطرد قائلاً: "موقف حماس من الأحداث في سوريا أدى إلى فتور في العلاقات معها، وبالتالي تسبب بضائقة مالية لها فتأخرت عن دفع رواتب موظفيها، إضافة لتوتر علاقاتها مع إيران، نتيجة لموقفها المعارض لما يحدث في سوريا".
وكانت العلاقات الوثيقة بين حماس وإيران وحليفها حزب الله اللبناني، قد شهدت تراجعا، على خلفية موقف حماس المؤيد للثورة السورية، ورفض الضغوط الإيرانية والسورية لمعارضتها، إلا أن علاقتها مع إيران وحزب الله، شهدت تحسنًا عقب عزل الرئيس المصري محمد مرسي.
وعلى مدار سنوات عديدة، أقامت حماس علاقات قوية مع النظامين الإيراني، والسوري، ضمن ما كان يعرف قبيل اندلاع ثورات الربيع العربي، بـ"محور الممانعة" ضد الغرب، في مقابل تيار "الاعتدال" الذي كان يضم مصر (في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك)، والسعودية والإمارات، والأردن.
واعتبر الحرثاني أن "دولة قطر هي الخيار المتاح أمام حركة حماس، وهذا ما تجلى واضحًا في مساعدة الأولى للأخيرة خلال المنخفض الجوي الذي ضرب المنطقة قبل نحو ثلاثة أسابيع".
وأرسلت حكومة قطر 10 ملايين دولار للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ثمنًا لضريبة الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، وأرسلت أيضًا باخرة وقود تكفي المحطة لأربعة أشهر.
وحولت 5 مليون دولار كإغاثة عاجلة للعائلات المتضررة من المنخفض الجوي.
وفيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية كخيار أمام حماس لتجاوز أزمتها قال الحرثاني: "ربما تكون المصالحة هي الحل، ولكن حركة فتح تسعى لعرقلتها من خلال رفع سقف مطالبها لأنها ترى أن أزمة حماس السياسية تشتد عليها".
وأضاف: "ربما تلجأ حماس للخيار العسكري تجاه الاحتلال الإسرائيلي كخيار أخير، كما يرى الحرثاني، بهدف أن تقول للعالم نحن هنا، وأيضًا ربما لتعرقل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي وصلت لطريق مسدود".
وأعلن عن استئناف المفاوضات بين الاسرائيلين والفلسطينيين في أواخر يوليو/ تموز الماضي، برعاية أمريكية في واشنطن بعد انقطاع دام ثلاثة أعوام، جراء تمسك الحكومة الإسرائيلية بالاستيطان.
بدوره قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية بالضفة الغربية، عبد الستار قاسم إن "الحصار الإسرائيلي من أهم الأزمات التي تواجه حكومة حماس في الوقت الراهن، وتشديده يهدف إلى تأليب الفلسطينيين على الحركة".
ولفت إلى أنه "قد تلوح حماس بالخيار العسكري ضد "إسرائيل"، بهدف وضع الفلسطينيين والعالم العربي والدولي تحت المجهر"، وفق قاسم.
ولا يتفق المحلل السياسي مشير عامر، مع سابقيه بأن يكون اللجوء للمواجهة العسكرية هو أحد الخيارات المتاحة أمام حماس للخروج من أزمتها.
وقال في حديثه لوكالة الأناضول إنه: "ليس من الحكمة أنت تستخدم حماس الخيار العسكري في الوقت الراهن وتفتعل أزمة مع "إسرائيل"، إلا في حال شنت الأخيرة عدوانًا على غزة وهذا وارد، لأن الظروف الإقليمية والدولية لا تساعد في الوقف بجوار الفلسطينيين إن أقدم الاحتلال على أي تصعيد".
وأضاف: "يجب الآن على حركة حماس وفتح السعي لإنهاء الانقسام، ولكن دون أن تقدم أي تنازلات، كما تسعى اللعبة السياسية الإقليمية التي تحدث في المنطقة"، مشيرًا إلى ضرورة أن يكون خطاب الحركة أكثر براغماتية ويتفاعل مع المنطقة المضطربة.
وذكر عامر أن "التعويل على انتفاضة ثالثة من شأنه أن يربك مخططات "إسرائيل" ومشروع التسوية وخطة كيري، وهذا الخيار هو المتاح الآن أمام حماس لتتجاوز أزمتها التي فرضتها عليها الظروف الإقليمية والدولية".
"وعلى حماس أن تحاول إيجاد لاعبين آخرين غير مصر وإيران، كأن تعول على الدور التركي لتخفيف الحصار عن غزة، وتكون أكثر انفتاحًا على جميع فئات الشعب"، حسب عامر.
وأشار إلى أنه من الصعب الآن توقع ما ستؤول إليه الأوضاع في غزة وحكومة حماس، لأن المنطقة العربية غير مستقرة وهذا له تبعات على القطاع.
المصدر، وكالة الأناضول