شبكة قدس الإخبارية

تمرد على التمرد

أحمد البيقاوي

اقترب موعد تحرك "تمرد على الظلم في غزة"، والذي يهدف بظاهره إلى الانقلاب على "حكم حماس الظلامي"، والتخلص من حكومتها، ولكن ذلك الظاهر يخالف نواياهم التي باتت تظهر لنا في تصريحاتهم، وبرامج الجهات التي تباركهم، وتدعم هذا التحرك، صار واضحاً أن ذلك التحرك يهدف إلى الانقلاب على القطاع المتمرد، نعم القطاع المتمرد، فقد سبق وتمرد على من رفض خيار المقاومة، وعلى من قرر معاقبته على عدم اعترافه بشروط الرباعية الدولية، فتمرد القطاع، ورفض الاعتراف بالاحتلال والتوقف عن المقاومة، وعوقب على تمرده بالحصار المستمر على القطاع وأهله منذ سنين. تحرك "تمرد على الظلم في غزة" لا يهدف إلا للتمرد على التمرد.

انطلقت تمرد غزة بمباركة أغلب الجهات التي حاربت غزة وأهلها طويلاً، فمن الأجهزة الأمنية المصرية التي تتعاون مع شقيقتها الفلسطينية لانجاح هذا التحرك، إلى قيادات حركة فتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي تحاول جاهدة استعادة مجدها في غزة، وتطبيق النموذج الأمني المحارب للمقاومة، والذي نجحت في تطبيقه في الضفة الغربية، وكسر العقبة الواقفة امام مفاوضاتهم الجارية حاليا برعاية أمريكيةً، والتي تعرقل أيضاً جهود بناء الدولة الفلسطينية الوهمية، والتنازل عن معظم أراضينا.

وطبعاً لن ننسى عسكر السيسي في مصر، الذين سيفرحون بحصاد ثمار حصارهم، وقطع خطوط إمداد سلاح المقاومة، وتدمير الأنفاق الموجودة على الشريط الحدودي المصري الفلسطيني، واقامة منطقة عازلة تمت بعد هدم العشرات من البيوت، وبالتأكيد سيفرح كثيراً بسقوط معقل اخر من معاقل الاخوان المسلمين. هذا غير حركة تمرد المصرية التي جلبت لمصر الحكم العسكري، وعودة النظام المصري السابق وقياداته، "تمرد على الظلم في غزة" تتلمذت على أياديهم، وعقدت الكثير من اللقاءات والاجتماعات التنسيقية المشتركة لتحقيق أهدافهم.

وبالتأكيد سيكون الاحتلال الاسرائيلي المستفيد الاكبر من هذا التحرك، الذي سيصب في صالحه، وسيحقق مجموعة كبيرة من الأهداف التي عجز الاحتلال وكل أعوانه عن تحقيقها.

لقد أخطأت حماس في ادارة القطاع في الكثير من النواحي، واتخذت الكثير من القرارات الغبية غير المفهومة طيلة السنوات القليلة الماضية، هذا غير المحسوبية التي انتشرت بين أعضاء الحركة والقريبين منهم، وبعض مؤسساتها ومشاريعها التي تصب فائدتها داخل الحركة ولأعضائها فقط، ولكنها في ذات الوقت التزمت في ممارسة ورعاية حركات المقاومة ودعمها من خلال "غرفة العمليات المشتركة"، وتغطية ظهرها، والذي كان واضحاً خلال الحرب الأخيرة، من خلال الأجهزة الامنية الخاصة بالحكومة، والأهم من ذلك العمل المستمر على خلق مجتمع مقاوم، وفي منهاج التربية الوطنية الجديد أكبر مثال.

كل هذه الأخطاء لا تبرر الانقلاب على ذلك الحكم في هذه المرحلة، لأن بديله واضح في الضفة الغربية وضوح الشمس، وقد سبق وجربه أهل غزة، وعانوا من آثاره طويلاً، مثلما نعاني منه اليوم في الضفة الغربية، فمن المحسوبية إلى الفساد بكل أنواعه، وبالطبع البلطجة المباحة لهم فقط، ولكن الأخطر من هذا اعتقال وملاحقة المقاومين واغتيال المقاومة، والتنسيق الامني الذي وصل حدّ محاكمة شباب على اعترافات أدلوا بها عند الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتفاخر بهذا كله والكثير غيره دون خجل. "نحن لا نخجل من التنسيق الأمني".

البديل الذي يسعى تحرك "تمرد على الظلم في غزة" لفرضه على غزة، هو من حارب تصنيع الصواريخ ووصفها بالعبثية، تلك الصواريخ التي صارت تصل اليوم ما بعد تل أبيب، وهو من شجب وشتم بعملية خطف الجندي جلعاد شاليط، وهو من كان على علم بموعد حرب 2008، وحمّل غزة مسؤولية اعتداء الاحتلال عليها وتشفى بها، وهم من كانوا أيّامها ينتظرون في العريش سقوط غزة ليستلموا الحكم من جديد، وهم من يصفون المقاومة الفلسطينية بالعبثية والحقيرة والارهاب، وهم من يتمنون اليوم دخول غزة على دبابة مصرية. هم من يتعاونون مع الاحتلال والأمريكان وحلفائهم لإسقاط آخر معاقل المقاومة الفلسطينية.

هذه المفارقة نجدها واضحة في بيانات حركة الجهاد الإسلامي، والتي تحدثت في أحد بياناتها الصادر في 7-11-2013 بعد ملاحقة عناصرها في مخيم جنين، واعتداء الأجهزة الأمنية على أبنائها، ومنعها من إلقاء كلمة في جنازة الشهيد الترابي في نابلس، هذا غير الاعتداء على الشيخ خضر عدنان وجعفر عز الدين وطارق قعدان "أبطال معركة الأمعاء الخاوية"، تحدثت عن ملاحقة عناصرها واقتحام بيوتهم في مدن الضفة الغربية، والذي شددت فيه على أن السلطة الفلسطينية "ذاهبة لطريق مسدود وخطير"، وتابعت: "كفاكم استهدافاً لأبناء حركتنا بدواع أمنية تخدم الاحتلال الإسرائيلي وأعوانه"، وأكدت أيضاً أنه على الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة "أن تعيد حساباتها وتوقف حملاتها الأمنية التي تحصل في جنين وغيرها والتي تستهدف المقاومة وتخدم الاحتلال".

وفي بيان آخر لها صدر في 16-9-2013 أكدت حركة الجهاد الاسلامي في حديثها عن حركة حماس أنّه "منذ سنوات طويلة تعقد الحركتان لقاءات وأنشطة مشتركة بينهما، كما تم تشكيل لجنة تنسيق مشتركة بين الحركتين في كافة الجوانب، وهذه اللجنة تعمل منذ 6 أعوام تقريباً. تأمل الحركة أن ترتقي هذه العلاقة لخدمة مشروع المقاومة ورعاية مصالح شعبنا وقضيتنا".

بعد التمعن في النموذجين لابد لنا من التصدي لتحرك "تمرد على الظلم في غزة" وكل من يرفع رأسه تحت رايتهم، الذي يهدف للنيل من خيار المقاومة الصامد حتى الان في غزة، وذلك من خلال الضغط على الحكومة في غزة للإصلاح، ودعم أي تحركٍ إصلاحي يمارس ويقرّ بثوابتنا الوطنية التي يعرّفها الفلسطيني لا قيادته، وإقامة جهة مشتركة "إدارية أو استشارية" من كل الأحزاب الفلسطينية لإدارة القطاع إدارةً تصب في خدمة الفلسطيني، ودعم "غرفة العمليات المشتركة" وتوفير كل احتياجاتها، لا بد من ذلك لقطع الطريق أمام هذا التحرك وغيره، وأمام من يسعى لإسقاط غزة ومقاومتها وضمّها الى البرامج السياسية والأمنية الاستسلامية، التي وأذلتنا وتذلنا يومياً، وأنهكت شعبنا طويلاً، "دون خجل".