تناول الكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل خطاب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بني غنتس في جامعة "بار إيلان"، مشيرا إلى أنه الخطاب الأهم له خلال ولايته في منصبه والذي ألقاه أمام قاعة نصفها فارغ، بعد يومين من خطاب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو في المؤتمر العشرين لـ"مركز بيغين – السادات" والذي أظهر فيه تصلبا تجاه القضايا المركزية: البرنامج النووي الإيراني وحتى الساحة الفلسطينية.
وقال الكاتب إن غنتس حاول أن يرسم صورة الجيش الإسرائيلي والحرب القادمة بعد 10 سنوات أو أكثر، متسائلا عن المغزى من ذلك، ومتوقعا أن ذلك دفع كثيرين من الحاضرين إلى التساؤل واعتبار الخطاب جزءا من حملة تخويف.
وأشار الكاتب إلى قادة أركان الجيش يكثرون من إلقاء خطاباتهم علانية، وخاصة عند اقتراب نهاية ولايتهم في المنصب. وأنه في الغالب يمكن تقسيم الخطابات إلى قسمين: أمور في مناسبات رسمية مثل تخليد ذكر أو إحياء ذكرى أو مناسبة وطنية، أو خطابات إستراتيجية يستعرض فيها رئيس الأركان بلهجة قاسية المخاطر المحدقة حول "إسرائيل"، ويحذر فيها من المس بميزانية الجيش بما قد يضعف قوته.
وبحسب الكاتب فإن غنتس اختار طريقا آخر فقد اكتفي بتلخيص عدة أهداف إستراتيجية، حيث وصف الشرق الأوسط بأنه "يقع في حالة عدم استقرار شديدة جدا شوشت النظام الإقليمي تماما". وقال إن "القطيعة بين قطاع غزة ومصر بعد الانقلاب العسكري في القاهرة عزلت قيادة حركة حماس في القطاع، وتصاعد التهديدات الإرهابية في سيناء، هي أمثلة عما يحصل في الجبهة الجنوبية"، مضيفا إنه بإمكانه أن يشير إلى تغييرات في كل المناطق، بما يعني أن نتيجة التغييرات لا يمكن توقع نهايتها مسبقا.
وأشار غنتس إلى عدة تطورات مفاجئة معتبرا أنها قد "تتطور إلى إيجابية"، وبضمنها اتفاق إخراج الأسلحة الكيماوية من سورية، وإمكانية المفاوضات الدبلوماسية مع إيران بشأن البرنامج النووي، والتسوية المحتملة مع السلطة الفلسطينية. وبحسبه فإن هذه التطورات قد تقود إلى "شرق أوسط جديد".
وقال غنتس إن "إسرائيل" تعيش حالة تحاول أنظمة قائمة حولها مواجهة سياسة التفكك إلى مركبات مختلفة "دويلات ولكنها ذات قدرات عملانية ملموسة". وأنه في هذا الحيز ستضطر إلى الحكم على جيرانها وخصومها بموجب الأعمال والنتائج، وليس التصريحات والنوايا. مضيفا أن الحرب كظاهرة ستبقى كما هي، ولكن سيحصل تغير تدريجي في طابع القتال، وأن الجيش سيواجه "عدو لديه قدرات متطورة، وموزع ومموه، ويعمل من خلف السكان المدنيين".
وبحسب عاموس هرئيل فإن غنتس اختار أن يتركز بما وصفه "لقاء الإستراتيجية بالواقع"، حيث اختار أن يتحدث عن صبيحة اليوم الأول للحرب القادمة، بعد 10 سنوات وربما بعد سنتين أو ثلاث، مشيرا إلى أنها قد تبدأ بإطلاق صاروخ دقيق على مبنى قيادة الأركان في "الكرياه" في تل أبيب، وهجوم إلكترونية (سايبر) يشل الخدمات اليومية للمواطنين الإسرائيليين، بدءا من الشارات الضوئية وحتى المصارف، وأنفاق مفخخة، أو اندفاع جموع عربية غفيرة على بلدة إسرائيلية حدودية.
وتحدث غنتس عن سيناريو حرب في جبهة محددة، في الجولان السوري المحتل، باعتبارها جبهة تتحول بعد 40 عاما من الهدوء المطلق إلى جبهة غير مستقرة ومقلقة. وبحسب سيناريو غنتس سيتم تفعيل عبوة جانبية ناسفة وإطلاق صاروخ مضاد للدبابات باتجاه دورية إسرائيلية، وهو ما يذكر بهجوم عناصر حزب الله قبيل اندلاع الحرب العدوانية الأخيرة على لبنان في تموز/ يوليو 2006، وقد يتم اختطاف ثلاثة جنود من قبل "منظمة جهادية" تعمل بروح تنظيم "القاعدة".
وبحسب غنتس فإن مثل هذه العملية ستشعل كافة حدود "إسرائيل" مع العالم العربي، أو "معركة معددة الجبهات تندلع بشكل فوري"، على حد وصفه. مضيفا أن حزب الله سيطلق رشقات صاروخية باتجاه الجليل، ومنظمات "جهادية" تواصل محاولات الدخول إلى الجولان (بحسب الكاتب هرئيل فإن غنتس لا يشير إلى كيف ولماذا يتعاون حزب الله مع المنظمات السنية). ويضيف غنتس أن مستوى دقة الصواريخ سيرتفع كثيرا، وأنه إذا اختار حزب الله ضرب أهداف موضعية في كل أنحاء "إسرائيل "فهو قادر على ذلك، حيث أن الصواريخ قادرة على الوصول إلى إيلات، في حين أن المئات من ناشطي حركة حماس سيحاولون شن هجمات على حواجز الجيش العسكري على طول الحدود مع قطاع غزة.
ويتابع الكاتب أنه إلى جانب المعركة على الحدود، والتي ستنعكس على الجبة الداخلية بشكل خطير، فإن غنتس يعتقد أن الحرب ستكون "شفافة" لأن وسائل الإعلام في الطرفين سوف تغطيها بشكل مكثف في الزمن الحقيقي. وأن "إسرائيل" لن تستطيع عدم التعرض بالمدنيين، وأن كل حدث من هذا القبيل سيدعم مساعي نزع شرعية "إسرائيل" في العالم، ويدعم المطالب الدولية بقف الحرب بشكل فوري.
وبحسبه فإن واقع الحرب التي ستواجهها "إسرائيل" لن يسمح لها أحيانا بالتمييز بين مواطن ومقاتل، وأن ذلك سيظهر في "النتائج غير المرغوبة"، والتي تشكل جزءا من الحرب. على حد قوله.
وقال أيضا إنه في لحظة ما في المستقبل سيكون هناك حاجة للبت في مسألة "شدة النار التي يفعلها الجيش ردا على هجوم، أو خطر التدهور إلى حرب شاملة".
وأضاف أنه بسبب الأضرار الشديدة التي ستحصل للجبهة الداخلية، والضغوط الدولية لوقف إطلاق النار، فإنه منذ لحظة اندلاع الحرب فإن الساعة الرملية تلزم الجيش بالعمل بسرعة. ويلفت الكاتب هرئيل في هذا الجيش إلى تأملات الجمهور الإسرائيلي، والتي صرح بها غنتس في مكان آخر، بشأن "الانتصار السريع والحاسم".
وعرض غنتس وثيقة مختصرة بلورها مؤخرا في مواجهة "التهديدات المحتملة"، ووزعت على ضباط الجيش تحت عنوان "الجيش الإسرائيلي عام 2025" وتتركز في "الروية واتجاهات العمل للعقد القادم". وتتضمن تلخيصا للإصلاح الذي يقوده غنتس في الجيش في ظل التغييرات الإقليمية وتقليص الميزانيات، باعتبار ذلك فرصة لإجراء تغييرات من خلال تقليص نظام القوات في بعض الوحدات العسكرية، وتغيير مبنى القوة، وتقليص التكاليف الجارية.
وبحسب الكاتب فإن غنتس أبرز، في الوثيقة والخطاب، أهمية الحفاظ على قدرات المناورة البرية للجيش، كما شدد على أفضلية وسائل أخرى نتيجة التطور التكنولوجي، وعلى رأس ذلك سلاح الطيران، إضافة إلى القدرات الاستخبارية المتطورة، مع التشديد على أهمية المعلومات الاستخبارية الدقيقة خلال القتال، والحرب الالكترونية، وإطلاق نيران دقيقة من البر والبحر.
كما تحدث عن ضوررة تعزيز الدفاعات، وليس فقط عن طريق الحرب الإلكترونية والأنظمة الدفاعية للمركبات مثل "معطف الريح" للدبابات، وإنما أيضا عن منظومات اعتراض الصواريخ، بدءا من صاروخ "حيتس" وحتى "القبة الحديدية".
واضاف أن الرد العملاني على التهديد يتعلق بتطوير الربط الشبكي، مثل نقل المعلومات من مختلف وسائل جمع المعلومات والمصادر الاستخبارية، والسيطرة والرقابة على عمل القوات والاتصال بينها، الطيار الذي يشخص الهدف، والطائرة بدون طيار والسفينة اللتين ستتقاسمان المعلومات الاستخبارية والمهمات. وأشار إلى أنه سينضاف مستقبلا إلى المنظومات القائمة "أدوات ذاتية، وآليون (روبوطات)، في الجو والبحر والبر".
وعقب الكاتب بالقول إن الحديث عن "رؤية مثيرة" ولكن تحقيقها يتعلق بطريقة اتخاذ القرار في القيادتين السياسية والعسكرية، وبالمشاكل التي ستقع بها "إسرائيل "في السنوات القادمة، سواء بمبادرتها أم نتيجة لـ"عمليات عدائية". كما أشار الكاتب إلى أن غنتس تركز في الحدود والصواريخ التي تطلق على الجبهة الداخلية، وليس بما أسماه "التهديد النووي الإيراني".
ترجمة،عرب 48