شبكة قدس الإخبارية

حينما يُختصر الوطن بـ "رام الله"!

أحمد جمال

بنايات شاهقة، سيارات فارهة، فنادق فخمة، ومطاعم على شاكلة ليست بتقليدية .. كل هذه المعالم ستجدها كيفما اتجهت في أنحاء وضواحي مدينة رام الله المحتلة. يوحي لكَ ذلك المشهد بأنك خارج الحدود الجغرافية لفلسطين أو على الأقل، يوحي لكَ بأنكَ لستَ في بلد يعاني من نير الإحتلال ويرزح تحت حروب متلاحقة تثقل كاهل هذا البلد،، ولكن!!

سرعان ما تتجاوز الحدود الجغرافية لمدينة رام الله حتى تكتشف زيف ذلك الواقع وكذب تلك الفقاعة .. فليس بالبعيد من هناك تنتشر وتتبعثر قرى ومخيمات تعكس لك صورة الواقع كما هو – بدون أي مواد حافظة أو ملوّنة - .. بؤس ودمار، فقر مدقع، وبطالة تمزق طاقات الشباب الفلسطيني .. حينها فقط .. ستكشف لكَ الصورة بأنك تعيش في مكان ما يُسمى في بعض الأدبيات "دولة" تحوي في أرجائها "مواطنين" من الدرجة الأولى وآخرين من الدرجة الثانية وما يليها من درجات تعتمد بالضرورة على قربها أو بعدها الجغرافي عن مدينة رام الله!

تتداول وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى مصطلح "مواطنين من الدرجة الثانية" في إشارة إلى إخواننا الفلسطينيين المرابطين على أراضي عام 1948، حينما أسمع ذلك المصلح أشعر بحق بعظم المأساة التي نعيش،، فنحن أيضاً في الضفة الغربية "مواطنين" من درجات متفاوتة (هذا إن انطبق وصف "المواطنة" علينا أصلاً في ظل غياب سيادة فلسطينية حرةّ)، وإذ لربما ينعم الفلسطيني المرابط على أراضي عام 1948 – وهو  بالتعبير القانوني "مواطن" من الدرجة الثانية في دولة عدو غاشم-، ينعم بحقوق وامتيازات لا يحظى بها مواطنو الدرجة الأولى في "دولتنا الفلسطينية العتيدة".

في هذه الدولة الوهمية لا فرق في واجبات الفلسطينيين فجميعهم مطالبون بدفع فواتير المياه والكهرباء في مواعيد استحقاقها، وجميعهم مطالبون بدفع الجمارك وتحمل ضريبة القيمة المضافة، كما أن السيارة التي من الممكن أن تشتريها من جنين شمالاً أو الخليل جنوباً ستجدها بسعر مماثل للسيارة التي من الممكن أن تشتريها من رام الله إلا أن اولئك الفلسطينيين ليسوا متساوين بالحقوق – كما هو الحال بالنسبة للواجبات – وحتى على الصعيد الإجتماعي أيضاَ.

تراودني دوماً كثيرٌ من الأفكار وتعصف بذهني زوبعةٌ من التساؤلات، أتساؤل أحياناً لمَ أنا هنا؟ لمَ لا أجد فرصة مماثلة للعمل في أي مدينة أخرى طبقاً للفرصة التي أحظى بها فقط نظراً لتواجدي في رام الله ! أحياناً أخرى .. يتجاوز تفكيري حدوده فيجول في خاطري تساؤل عن سبب وجود وزارة الزراعة – على سبيل المثال لا الحصر – في مدينة تعاني أصلاً من شح الأراضي الزراعية أو لربما عن سبب تواجد وزارة التربية والتعليم في مدينة ليس لها من التفوق الثانوي نصيب! وإذ لربما وفي كثير من الأحيان وعلى نقيض من تلك التساؤلات اللا محدودة، تعصف بذهني أيضاً إجابات لا محدودة فإذ لربما أننا شعبٌ قد اعتاد اللجوء، نعم فيحنما أوصدت أبواب معظم الدول في وجوهنا اختارت لنا قيادتنا بأن نكون لاجئين في أوطاننا، نتسول لقمة العيش علنا نستدركها.. يا له من شعور وما أقساه من شعور، ذلك الشعور الذي يجعل من الإنسان إنساناً مغترباً في وطنه – وهذا ما أشعر به على وجه التحديد – فلا الأرض أرضي ولا السماء سمائي.

مقالتي هذه ليست دعوة للتحريض على أحد، وليست انتصاراً فكرياً لأحد الأحزاب الفلسطينية على حساب غيرها، هذه ليست أكثر من مجرد دعوة لأولئك المسؤولين الذين يعيشون في كوكب آخر بأن ينزلوا ولو قليلاً من قصورهم العاجية ليعيشوا الواقع كما هو .. بعيداً عن رام الله .. ليعلموا بأن الحدود الجغرافية لفلسطين تمتد من النهر إلى البحر أو – بأضعف الإيمان الذي في قلوبهم– فإن حدود الضفة الغربية من جنين شمالاً إلى الخليل جنوباً إضافة لقطاع غزة الحبيب، وليست من البالوع إلى كفر عقب.

هذه دعوة لهم بأن يكتشفوا بأن هنالك عالم آخر - غير مأهول لهم - سكانه فلسطينيون ليس لهم ذنب سوى أنهم يعيشون خارج الحدود الجغرافية لمدينة رام الله.

انتهت مقالتي.. التي وإن طالت فلن تغير من الواقع شيئاً.. وإلى أن ينفذ الله أمراً كان مقضياً بتغيير هذا الحال، سيبقى ينتابني –كأي مواطن فلسطيني آخر – شعورٌ بالإغتراب في وطني.