شبكة قدس الإخبارية

فصائلنا.. احذروا بركان الغضب

٢١٣

 

محمد يوسف حسنة

انقطاعٌ للكهرباء غير مسبوق، ونقصٌ في الوقود، وأمان دوائي مفقود، وفقرٌ وبطالة تعدّت الحدود، واقتصاد شبه معدوم، وفصائلٌ علاقاتها ووضعها مأزوم، رغم اللقاءات الودية والتصريحات الدبلوماسية، والشعب صابر محتسب، فلا ضير في ضنك العيش وقلة المورد، طالما تتولى الفصائل الدفاع عن قبلة المسلمين الأولى، ولا ضير في دفع الضريبة المترتبة عن طيب خاطر، أما والمقام قد تغيّر والقدس تُدنس دون أن يحرك أي من الفصائل ساكن، سوى بعبارات الاستنكار الممجوجة، والاستجداءات لمجتمع دولي لا يحترم إلاّ القوي وحقوق الضعفاء فيه مفقودة، فالمقال والخطاب لابد أن يتغير ولتسمع الفصائل بمختلف انتمائاتها ما لا يسرها ولا يقر عينها فبركان الغضب يعتمل في الصدور وبات الانفجار وشيكا.

ضريبة وجودنا على أرض المواجهة، وأن نكون رأس حربة تتصدر الدفاع عن حقوق الأمة العربية والإسلامية هو ما يجعلنا كشعب صابر يتحمل الأذى ويذود عن فصائله بالدماء، فالفصائل تعني لنا السد المنيع لقلعة كرامتنا وهيبتنا ويدنا الضاربة لمن يتجرأ على المساس بثوابتنا ومبادئنا ومعتقداتنا.

والحق أن شعوراً بالغضب ممزوجاً بالدهشة والاستغراب من موقف الفصائل الفلسطينية تُجاه ما يحدث في الأقصى من انتهاكات، قديماً كنا نفر مستضعف في الأرض يحيط بنا أنظمة جُل همها حماية وخدمة أمن اسرائيل وكنا نرد الصاع صاعين، ولأجل الأقصى سالت الدماء عزيزة في هبّة النفق عام 1996، وانتفض الشعب ومن خلفه الأمة العربية والإسلامية نُصرة للأقصى حين دنس شارون المجرم باحاته، أما اليوم وربيع عربي يلف عواصمنا العربية وباتت لدينا عواصم ممانعة وعادت القضية لعمقها العربي والإسلامي، ولدينا عدة وعتاد يسبقها إيمان بحقنا المقدس في هذه الأرض وجنود مقبلة على الاستشهاد كإقبال يهود على الحياة ونتأخر عن نُصرة الأقصى حين يدنسه يهود؟! ونكتفي بالوقفات التضامنية والبيانات النارية التي لا تُخيف يهود ولا تردع فعلهم بل يستمرون في غيهم حتى فاقت اقتحاماتهم وتجاوزاتهم كل الحدود.

ما تفسير الفصائل لحالة الصمت وعدم الرد على خروقات الاحتلال تُجاه المسجد الأقصى وتدنيسه؟ إن كان ميزان الرعب ومعادلات القوى تغيرت فهى بكل تأكيد لم ولن تكون في صالح العدو بقدر ما هى بصالحنا، وإن كانت الفصائل تخشى على الشعب في الضفة وغزة من بطش الاحتلال نتيجة عودة عمليات الثأر المقدس وإطلاق الصواريخ فالشعب لديه المساس بالقدس كالمساس بشرفه وعرضه وكرامته ودون ذلك الدماء.

لقد فوض الشعب الفلسطيني فصائله بخوض معركة التحرير، ودفع منذ زمن طويل أثمان باهظة وما زال يدفع الدماء دون أن يكل أو يمل أو يفقد الأمل في نصر الله، وعلى الفصائل أن تكون على مستوى الحدث ومقام تضحيات الشعب وثباته ونصرته لها، وعلى الفصائل أن تُحقق رغبات الشعب في الثأر لكرامته ودرة التاج مدينة القدس، ولن يقبل الشعب الفلسطيني المساس في مسرى رسوله وقبلة المسلمين الأولى برد باهت لا يليق بعظمة القدس وحرمة ما فعله جنود الاحتلال ومستوطنيه.

وعلى فصائلنا أن تُدرك أن شرط التعاقد بينها وبين الشعب مبني على قيامها بالمهام المناطة بها وأهمها الدفاع عنه وعن مقدساته والدفع بقضيته في واجهة وصدارة الأحداث، والعمل على رفعة الوطن وتنمية المعرفة بالقضية وإعادتها لعمقها العربي والإسلامي، أما وإن استمر التدهور الحاصل في القضية واستمر انتهاك كرامة الشعب وتدنيس مقدساته دون أن ترد فصائله بالقوة الرادعة ودون أن تُعيد توازن الرعب فالعقد مرشح للإنهاء.

فصائلنا حالة التململ في أوساط شبابكم كبيرة وباتت أطركم لا تلبي طموحاتهم ورغباتهم، لقد ربيتم شبابكم على الكفاح المسلح والمبادئ والثوابت ورفعتم سقفهم حتى عانق سُحب السماء ارتفاعاً، فهوت أحلامهم مع كل إخفاق لكم وضعف مواقفكم، فبات جزء منهم يبحث عن حاضنة أخرى وإطار يلبي رغباته، فاحذروا انسحاب أعضائكم فتنهار الصفوف وينخر السوس ونُصبح في بدائل مجهولة ذات واجهات براقة وجوهر عفن.

حافظوا على تماسك صفوفكم وثبات عناصركم والتفاف الشعب حولكم بالعودة لما ربيتم الأجيال عليه، أعيدوا لنا هيبة فُقدت، ومقاومة بدأ يخفت بريقها، أعيدوا لنا مجد العمليات الاستشهادية، وعز الصواريخ النارية، عودوا لحقبة الأفعال التي تسبق الأقوال.

لا ينقصكم المال ولا العدة ولا العتاد ولا الرجال فما الذي يؤخركم يا أهل الضفة عن نُصرة أقصاكم؟ ما اعتاد منكم الأقصى هذا السكون، وما اعتاد منكم الركون فقد كنتم عنوان الفداء وأسود الاقتحام، أين جنود قلقيلية ونابلس والخليل أين خلفاء مقاتلي جنين؟

مابال غزة تسكت على تدنيس القدس وقد كانت على الدوام عروس الفداء وعنوان الجهاد وقبلة المجاهدين، ما بال صواريخها صامتة لا تزمجر ولا تعانق الريح في طريقها لضرب معاقل العدو انتقاماً لشرفنا المدنس في القدس؟

فصائلنا قد يصبر الشعب على سوء الحال ونقص الأموال والأنفس، وقد يصبر على غياب العدالة الاجتماعية، ونقص الخدمات، ولكنه أبداً لن يصبر أو يمرر صمت مخزي تُجاه ما يحدث في المسجد الأقصى فالشعب لا يقبل الخذلان.