شبكة قدس الإخبارية

هل أدركت اللص؟

سماح عنبوسي

من بين تكدسات يومه قبض بلحظة، أخذ يوضب أغراضه المتناثرة في كل زقاق بما يُعد إستعدادا للنوم .. حاول أن يثني نفسه عن التفكير الذي يشده باله على الدوام لا لشيء إلا للحياة ذاتها .. كرر فعلته واستعان بفاصل كتاب طوى صفحاته لتوه، ثم ثبتها حيث وصل، على اعتبار أن الكتب لم تكن بالنسبة له إلا تحريضا على التفكير قلّ أن يُقاومه.

أشياء روتينية قام بها دون كثير انتباه، مجرد ليلة من خط طويل من العمر لم يلبث أنّ سطى عليها أحدهم، هو أحد من علمني حرفي أن أكنيهم لصوص الدهر.. هؤلاء الذين إن أتوك لا يأتوك إلا بغتة تحت جنح الظلام، وكأن مفهوم الأدب لم يبلغ حدهم بعد، هؤلاء الذين لا تقّل أبخس هباتهم عن "كلبشات" تلائم رفعة ذوقك وعرض يديك .. ضيف خفيف لطيف هم.

تفاصيل الحدث واحدة وإن تبدلت عين الهدف، معشر السفاحين عموما لا يفهمون سوى لغة الحصاد، الكهل والشيخ والشباب والأطفال والنساء عند سيادتهم لا يتعدى كونه خانات رقمية لا إنسان بكرامة أو بحقوق .. ذل الإعتقال من قبل ومن بعد هو هو، رغم أنّ الأوقات القادمة بغموضها، بتمدد الوقت أو جموده، بغياب لا تدري سيطول أم سيحتم عليك .. مقومات الحياة حينئذ ستصب في بوتقة من الإعياء لاسعة.

في العمق الإسرائيلي أو فيما سميت في كان ياما كان بفلسطين، ما تعداده 9750 معتقلا فلسطينيا في سجون الإرهاب، بتهمة الإرهاب .. ناهيك عمّن قضوا داخل زنازينهم بعد أن تربصت بهم لوعة من العيار الثقيل، أحالتهم شهداء يوم وليلة، فتقطعت بين الاحبة الأسباب، وضاع ما تبقى من أمل في اللقاء...

ثلاثة أرباع مليون فلسطيني هو ما تضمره الإحصائيات عن عدد المعتقلين منذ مطلع الألف وتسعمائة وسبعة وستين، ترددت مدة اعتقالهم بين أيام معدودة وسنوات ومؤبدات لا شمس فيها، بين تهم وتهم أخرى، وبين شماعة "الإعتقال الإداري" – تهمة من لاتهمة له، ومن ثٌم كان أن أسقطت تبعات شماعتنا على ألف ومئة من الأنفار حتى أواخر العام 2008، ولربما كان ما تلاه "أجلّ وأعظم" ..

الحرائر لا تستثنى من أي شبهة قطعيا، لما عُرف عن المرأة الفلسطينية إذ زاحمت الرجال في ميادين الشهادة، ولا تزال .. هي إبنة الرجل، أخته، زوجته وأمه .. هي المناضلة قبل هذا والذي، إي وربي، زهاء المئة إمرأة غُيبت في ظلمات الأسر والسجّان، أي دهشة؟! أي جبروت؟!

أحكي عن واقع تقاعس عن نقله الإعلام بذرائع هي أوهن من بيت العنكبوت-إن هي وجدت بالاساس، في أحشاء الزنازين تولد أعتى صيحات الرجال، عراة أو أشباه عراة يتراقصون من أثر الصعق بالعصي الكهربائية ريثما يُساقون إلى جحيم أكثر فتنة كنوع من التجديد و"كسر المألوف"، يُدنس الشرف ويُسحق كلّما أمكن، مع أنّ حقوقا طولا بعرض تصطف في مواثيق حقوق الأسرى الدولية التي يبدو، أنها كلها أمام كلمة فرداء جرداء من "إسرائيل" لا تساوي مثقال ذرة ، مداد على ورق ليس إلا.

ثمة حقائق أقصيت في صحراء العقل فضلّت، ثمة أراجيح في السماء حجبها شُحّ الدعاء عن المنال، ثمة جروح لا تداوى إلا بالنكأ، ثمة تعتيم وجب أن يفضح، ثمة سلاح أمره بيدك ..نفسك استعن بها لتعرفهم.

على الهامش: المعلومات والأرقام المذكورة في التدوينة مأخوذة من كتاب "معاناة الأسير الفلسطيني في سجون الإحتلال الإسرائيلي"، وهو أحد كتب سلسلة "أولست إنسانا" لمركز الزيتونة للدراسات والإستشارات.