شبكة قدس الإخبارية

معركة الامعاء الخاوية.. سلاح ذو حدين

٢١٣

 

أنس الرنتيسي
تتردد في الأخبار عبارة "الإضراب عن الطعام"، ولكن قلة منا مطلعة على تفاصيل الإضراب عن قرب. هنا نُسلط الضّوء على بعض مما يتعرض له الأسرى المضربون عن الطعام؛ خطوات الإضراب ومعاناتهم فيه، ونتطرق للآثار التي يتركها الإضراب في تلك الأجسام المقاومة وكيفية استعادتها لعافيتها قدر الإمكان. نحاور من أجل ذلك الأسير المحرر ثائر حلاحلة، الذي خاض إضراباً عن الطعام 76 يوماً بشكل متواصل وانتصر في معركته وخرج من السجن. كما نتحدث مع الدكتور أسامة صلاح اختصاصي التغذية العلاجية والصحة العامة. شبكة قدس: اشرح لنا عن الخطوات الأولى للإضراب في تجربتك الشخصية معه؟ ثائر حلاحلة: الإضراب ليس قراراً سهلاً، فنحن قبل أن نقدم على خوض الإضراب امتنعنا لأسبوع أو أكثر عن الطعام؛ كنا فقط نشرب الحليب والعسل والتمر والبيض لتنظيف المعدة ولتهيئتها لتكون قادرة على التحمل. الخطوة الثانية وأنا أتكلم عن تجربتي أنا والأخ بلال ذياب في رفض الاعتقال الإداري؛ قمنا بتبليغ التنظيم ومن ثم ممثل الأسير الذي بدوره أبلغ الإدارة والصليب ووزارة الأسرى وكل ذلك تم برسائل خطية بعثناها لكل الجهات المعنية ووسائل الإعلام. بعض الأهالي كانوا يرفضون فكرة الإضراب والبعض دعم وبقوة، لكننا توكلنا على الله وخضنا الإضراب بعد أن اقسمنا على كتاب الله أن لا نوقف إضرابنا حتى تحقيق مطالبنا وهذا تم بشهادة الأسرى، وبدأت إضرابي في 28-2-2012. شبكة قدس: كيف تعاملت إدارة مصلحة السجون مع الإضراب؟ ثائر حلاحلة: بداية، تحاول إدارة السجون التفاوض مع الأسير المضرب عن الطعام، ومع ممثل الأسير في محاولة لإقناع الأسير لفك إضرابه. بعد ذلك تبدأ محاولة ترغيب الأسير وطرح عروض بالوساطة مع المخابرات الإسرائيلية منها مثلا وعده بعدم تمديد سجنه الإداري. بعد فشل كل تلك الخطوات وإصرار الأسير على موقفه يترك الأسير لفترة مع الأسرى كوسيلة ضغط عليه حيث أن بقية الأسرى غير مضربين وهو وحده من يخوض الإضراب. وتتوالى خطوات الإدارة التصعيدية لثني الأسير عن إضرابه؛ فينقل إلى قسم آخر ويجبر على العيش وسط فصيل غير الذي ينتمي إليه، ومن ثم ينقل للعزل الانفرادي وينقطع عن العالم الخارجي تماما ويحرم من زيارة المحامين. شبكة قدس: صف لنا مراحل الإضراب من طبيعة التعامل الطبي معكم؟ ثائر حلاحلة: نبدأ بوصف لسجن الرملة الاحتلالي الذي يعتبر مجمع سجون ويضم أيلون ونتسان وميراج وهو المشفى، ويضم أكثر من 4000 أسير وسجين؛ فهو يضم سجناء جنائيين وأسرى أمنيين وقسم خاص بالنساء، في مستشفى سجن الرملة هناك أربعة عشر أسيرا فلسطينياً دائمي الإقامة بسبب وضعهم الصحي الصعب. كنا في قسم 16 من المشفى، وهو يضم سجناء جنائيين وكنا معزولين عنهم ونتعرض للإزعاج بشكل دائم وعلى مدار الساعة بسبب المشاكل الدائمة بينهم وبين شرطة الاحتلال فمعظمهم تجار مخدرات. العيادة التي تقدم الخدمة للمجمع كاملاً وضعها صعب للغاية لو قارنتها بعيادة في أصغر قرية فلسطينية لوجدت عيادة القرية أفضل منها بكثير، من حيث التجهيزات والتعامل الطبي والطاقم فجهاز الضغط معظم وقته معطل، وهناك دكتور واحد فقط يداوم في الليل للإشراف على أكثر من 4000 أسير، حتى الفرشة الموجودة في تلك العيادة مقرفة جداً. أما الطاقم الطبي فهم نفسهم من الشرطة الذين ينقلوننا فقط يبدلون لباس الشرطة باللباس الأبيض. وقد حدث مع الأسير المحرر بلال ذياب أن احتاج لفحص دم مر بخمس محاولات لوضع الإبرة ولم تنجح، صورة الأشعة تحتاج للانتظار لأكثر من أسبوعين. كانوا يدخلوننا للمستشفى مكبلي الأيدي والأرجل ويتعمدون الأكل والشرب أمامنا طوال الوقت. أنا كدت أستشهد مرتين؛ ونحن لم نضرب لنموت؛ بل بحثا عن الحرية والكرامة لنا ولبقية الأسرى. شبكة قدس: هل تلقيتم العناية الطبية اللازمة بعد خروجكم من السجن؟ ثائر حلاحلة: بعد فك الإضراب زادت الأوجاع، أجريت عمليتين وبقيت واحدة، فالجسم بشكل عام يضعف وتقل مقاومته، لم أعد أستطيع الأكل بشكل طبيعي كما كنت في السابق ومشاكلي الصحية زادت. شبكة قدس: بعد خروجك من الأسر، ماذا لديك لتقول لشعبك الفلسطيني؟ ثائر حلاحلة: الأسرى ضحوا بحرياتهم لأجل الشعب الفلسطيني، وعلى أبناء هذا الشعب الوقوف إلى جانبهم ونقل صوتهم للعالم أجمع. وأوجه رسالة للاعلام، الوطني والتجاري منه. كما يقاوم الأسرى المضربون بأمعائهم على الصحفيين أن يقاوموا بكاميراتهم وأقلامهم، والاحتلال لا يفرق بين صحفي ومواطن عادي، وخير مثال الفنان محمد سباعنة، والصحفي عامر أبو عرفة وغيرهم. كما أدعو الصحفيين لعدم نسيان الأسير بعد تحريره، ومتابعة أمورهم. كما أقول للشعب الذي ينتفض لنصرة الأسرى المضربين أن يستمر في تفاعله ولا تكون هباته استجابة لأحداث معينة يخمد بعدها، وعلى السلطة أن تتابع موضوع استشهاد الأسير عرفات جرادات كي لا تتكرر هذه الجريمة. وأخيراً للأسرى: وحدتكم هي سر انتصاركم، ترفعوا عن الخلاف وانسوا الانقسام، فالعدو الذي يفتش غرفة حماس يفتش غرفة فتح، فعليكم أن تتفقوا على برنامج وطني موحد يضع حداً لممارسات المحتل بحقكم. الوضع الصحي للمضربين عن الطعام  أما الدكتور أسامة صلاح، اختصاصي تغذية علاجية وصحة عامة، فقد أوضح أن تأثير الإضراب على الأسير يبدأ بشكل تدريجي منذ اليوم الأول، ويزيد بعد اليوم الثالث حيث يصاب المضرب بالجفاف وتبدأ الآلام تظهر في الجسم. بعد مرور شهر على الإضراب يزيد الجفاف في الجسم بشكل خطير وتبدأ مرحلة التلف لأعضاء رئيسية من الجسم كالكبد والكلى وعضلات القلب. ويدخل الأسير المضرب عن الطعام في مرحلة الخطر الشديد بعد تجاوزه الثمانية أسابيع وذلك لبداية مرحلة جديدة وهي التلف غير المرتجع للأعضاء؛ وخاصة الكبد والكلى، ويفقد الدهون وينقص وزنه بشكل كبير، ومن أهم أعراض هذه المرحلة الإرهاق والتعب وعدم القدرة على الحركة وقلة التركيز. ومن ناحية طبية فمصير المضرب عن الطعام لمدة تزيد عن سبعين يوماً هي الموت لكن الأعمار بيد الله.  الفقد الأعظم: المناعة  بحسب الطبيب أسامة صلاح فإن أخطر ما يتعرض له من يخوض اضراباً عن الطعام هو فقدانه للمناعة، وهو ما يؤدي إلى زيادة الالتهابات وعدم التوازن في الأملاح مما يحدث اختلال في نبضات القلب، كما يُسبب ذلك تقرحات في الأمعاء.ويقول الدكتور أسامة أنه بعد ثلاثة أيام يبدأ الجسم بالتآكل ويتغذى بشكل أولي على البروتينات الموجودة في عضلات الجسم والكبد كمادة جلايكوجين لتوفير السكر والطاقة للدماغ، وأكثر عضلة يكون الأثر عليها خطير هي عضلة القلب. بعد ذلك يبدأ الجسم يتغذى على السكر الموجود في الدم ومن ثم الدهون، وهذا يؤدي إلى نقصان الوزن بشكل كبير قد يصل إلى فقدان المضرب لنصف وزنه. ويتحدث صلاح عن نوعية الطعام الذي يتناوله الأسير طوال فترة الاضراب قائلا: "يعيش المضرب عن الطعام على السوائل والمكملات الغذائية على الأغلب، بالإضافة للمعادن والفيتامينات".  اشراف طبي 3 أشهر بعد فك الإضراب  ينصح الدكتور صلاح باشراف طبي متخصص على حالة الأسير بعد فك اضرابه لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر فعودته لتناول الطعام يجب أن تكون تدريجية لأن قدرته على تناول وجبة طبيعية تحتاج إلى فترة لا تقل عن نصف فترة الإضراب لأن عدم الإلتزام بذلك يؤدي إلى تهتك في الأمعاء. ويضيف أن الأسير يكون بحاجة إلى فحوصات كاملة ودورية يجريها أطباء مختصون في كل المجالات، وتبدأ مرحلة استعادة الوضع الصحي للمضرب إلى الشكل الطبيعي قبل الإضراب بتعزيز مناعة الجسم والقضاء على الالتهابات لأن أي عدوى قد تكون قاتلة، وعلينا متابعة عمل الكلى والكبد والقلب بشكل مستمر للتأكد من قيامها بوظائفها بشكل كامل.