شبكة قدس الإخبارية

عاشت الازدواجية.. عاش الانفصام

٢١٣

 

عبير قبطي

وبقدرة قادر تحول النقاش حول مظاهرة يوم الأربعاء وفاء للشهداء وضد نهج المفاوضات وأوسلو لقضية “أهم بكثير”: شتائم البنات! “الشرف” و”النخوة” فزّت فجأة بالشعب! وأصبح الشغل الشاغل لصفحات الفيسبوك المقربة من السلطة ووسائل الإعلام والمتحدثين الكثر: شتائم البنات في المظاهرات.

وصلت بهذه الحملة أن تنشر صور البنات مع عبارات مهينة وهابطة (تستعمل نفس الالفاظ التي تستنكرها)، هي حملة تحريض دنيئة واستباحة للقتل والقذف والتشهير. ولا أفهم كيف يرى “حماة الشرف” الذين هبوا، بأنه من الشرف أن تستخدم صور النساء وتشوه سمعتهم هكذا.

لقد نظمت مظاهرة يوم الأربعاء بشكل سريع وقام بالدعوة لها اسم مجهول على الفيسبوك لأنكم إن كنتم لا تعرفون بعد فإن “دولة أيلول” هي دولة بوليسية، وعادة ما يتورط منظمي مظاهرات ضد القيادة، مع الأجهزة الأمنية. وبالتالي لم يكن للمظاهرة كوادر لضبطها وتنظيمها. كل من شارك، قام بذلك لأنه يؤمن بعنوانها العريض.

إن افتراض أن كل المتظاهرين هم مجموعة متجانسة وإسقاط أي تصرف من أي شخص منهم على الجميع هو أسلوب رخيص ومتهرئ لنزع الشرعية عن المظاهرة ككل.

ليس فقط هذا بل يذهب البعض ليطالب منظمات نسوية فلسطينية بإصدار بياناً لإدانة “تصرفات” المتظاهرات.(يعني صارت كل الحركة النسوية على المحك! الله واكبر!)

آمل أن لا تنجر هذه المنظمات للعب دور ورقة التوت للذكورية المقيتة، وان فعلت تكون قد جلبت العار للحركة النسوية.

وان كنتُ شخصيا ضد الشتائم في المظاهرات أو شعارات التخوين، ليس من منطلق انه “عيب البنات تشتم”، بل لأنه احنا جايين نوصل رسالة سياسية وبالتالي الشتائم تشتت المضمون. لكني سأدافع عن حق أي متظاهرة (أو متظاهر) بان تقول ما تشاء. وخاصة إذا كانت متظاهرة تم استفزازها وضربها وإهانتها.

طبعا أحدا لم يسأل عما جرى للفتاة التي ظهرت تشتم في الفيديو. لم تسأل أي وسيلة إعلام عما حصل دقيقة قبل او دقيقة بعد هذا الشريط الذي وُزع وعُمم وسُوق له بكثافة. أحدا لم يسال هذه الفتاة عما دفعها للتصرف بهذا الشكل.

لكن هذا لا يهم. فلو كانت شابا، لن تكون هناك حملة أصلا. فكروا جيدا: لو سمعتم المسبة نفسها من شاب، هل كان الأمر سيستفزكم؟ طبعا لا، لإنه أصلا هذا هو التصرف الطبيعي المتوقع من الرجل عندما يغضب!

نحن شعب غارق بالازدواجية….

أصبحت كرامة الشرطي مهمة فجأة، لا وكمان نلعب على وتر الشهداء، أخت ذاك الشرطي شهيدة ووالد ذاك شهيد أيضا، والمفروض بس الناس تسمع كلمة شهيد، وبعدين يقولون لها انه شتموا اخو الشهيدة او ابن الشهيد، يلعنوا اللي شتم.

بس في حد يا ترى عم يسأل وين كرامة الشهداء باللي بصير اليوم؟

أعطوني شيء واحد القيادة عم بتساويه وفاء للشهداء، الشهداء هذول ماتوا عشان نبيع الوطن؟ عشان أبو مازن يطلع يقول إنا تنازلنا عن العودة لحيفا وعكا وصفد؟ عشان يقبلوا فتات من المحتلين؟ عشان أجهزتهم الأمنية تنسق مع الاحتلال وتحميه؟ شو التنسيق الأمني بعمل؟ أسالوا حالكم؟ هل نجح مرة وحدة، مرة وحدة بس يحمي مزارع من المستوطنين الذين يحرقون شجرات الزيتون في أرضه؟ هل تصدى مرة للجيش الذي يجتاح ويعتقل؟ بالعكس، لما الجيش يدخل على أي مكان، الأجهزة الأمنية الفلسطينية تختبئ.. لأنه هذا هو التنسيق الأمني. هذا بحفظ دماء الشهداء وكرامة الشرطي؟ كرامة الشرطي انه يوقف يمنعني أوصل على بيت ايل للتظاهر عند الحاجز (باسم الحفاظ على سلامتي)؟

عن أي كرامة عم نحكي؟

أنا بعرف شيء واحد: كرامته من كرامتي، وكرامتي وكرامته منتهكين!

كل الناس بتشتم، كل يوم انا وانت منشتم، كل واحد فينا لما يستفز ممكن يشتم. بالشارع وعالحاجز بنشتم. المتظاهر اللي بينضرب من جندي بيشتم واللي بينذل من جندي بيشتم. ويمكن اذا البنت شتمت الجندي تصير بطلة، بس تشتم لانها انضربت وانهانت من ابن بلدها، بتصير “جريمة”.

ملعونة هيك معايير مجتمعية.

شو افرقتوا عن المخابرات الاسرائيلية، اللي دايما كانت تستخدم خطاب الشرف والسمعة والاخلاق لاضعاف المقاومة والصمود؟ يبدو اننا صرنا تلاميذ المستعمِر الشاطرين وذوتنا العملية التأديبية التي يمارسها هو علينا وصرنا نمارسها على بعضنا، فنحدد شروط المظاهرة “المقبولة” من غير المقبولة.

هذه الأساليب أيضا لا تفرق عن أساليب الأنظمة العربية المستبدة، يحاولوا الترهيب البوليسي، بعدين خطاب الأجندات الأجنبية والمؤامرات، بعدين ولاد “البارات”… اذا هذا كله ما نجح بستعملوا كلمة السحر: الشرف. والشرف بفصلوه على مقاسهم. لانه طبعا الفساد والرشوات والسكوت على مسئولين مغتصبين ومتحرشين ليس له علاقة بالشرف. لقاءات تطبيع واستضافة قيادات عسكرية احتلالية عنا… والقائمة طويلة، هذا أبدا ما له علاقة بالشرف.

قيادة تفرط بالوطن وتبيعوا بالمفرق معلش.. تتنازل عن حق العودة معلش… اما شتيمة البنات عنجد “مصيبة كبرى” حلت على الوطن! أصلا احنا بعدنا مش متحررين من الاستعمار لانه في صبايا بتشتم!!

ملعون ابو هيك انفصام….

باختصار، هذه البروباغاندا القذرة هدفها:

1. تحريف النقاش من القضية الاساس: نهج اوسلو والمفاوضات، التنسيق الامني، سقوط شهداء برصاص الاحتلال (في مخيم قلنديا) ورصاص السلطة (في مخيم عسكر).

2. نزع الشرعية عن اي صوت معارضة، وخاصة اصوات الشباب وهي تقريبا الوحيدة التي تجرؤ على انتقاد القيادة بشكل مباشر وعلني وفي مسيرات تتجه للمقاطعة، المنطقة المحرمة “ديمقراطيا” على المتظاهرين.

3. إضعاف أي مظاهرات قادمة وبالتالي مواصلة مسلسل التنازلات في “العملية السلمية” بدون أي إزعاج.

اذا مفكرين انه هذه الحملة رح تنجح بالتخويف والترهيب، يبدو إنكم ما بتعرفوا أي شيء عن المتظاهرات، سواء اللي شتموا او ما شتموا.