لعل أبرز ما يلفت الانتباه في شوارع غزة هذه الأيام وخصوصاً فصل الصيف، هو عمل أجهزة الشرطة خاصة جهاز الشرطة البحرية والذي يتركز في مهمة واحدة فقط لا غيـر "مراقبة الشاطئ". مهمة غريبة من نوعها تكاد لا تسمع عنها إلا في واقعنا الفلسطيني الغزّي بالدرجة الأولى، تفاصيل الروايات والأقاويل التي يرويها عليك أصدقائك من مواقف حصلت معهم أو من أصحاب الكافتيريات الموجودة على الشاطئ تتراوح بين مؤيد ومعارض لما تقوم به الشرطة، لكن بإجماع الكل لا أحد يشكك بأن أسلوبهم هو أسلوب ضعيف وركيك قائم على الاستفزاز فقط لا غير.
وفي بداية الحديث أردت أن أؤكد على أنني ممن يؤيدون فكرة منع التجاوزات من حيث المبدأ قلباً وقالباً . لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون حول موظفي أجهزة الشرطة بشكل عام هو: ما هي المعايير التي يتم توظيفهم وفقها؟ أعتقد بأن الجواب يعلمه الكل ولا يحتاج لإجابة مفصلة، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية في الموضوع كله. أريد أن أرجع للتأكيد على أنني لا أخفي أبداً دور أجهزة الشرطة في تطبيق القانون وحفظ الأمن والأمان والقضاء على فوضى العائلات اللي كانت سائدة في مجتمعنا ... إلخ.
لكن الشرطي ليس فقط شخصاً قمت أنت بتدريبه 3 شهور ليقوم بعمل واحد لا غير في الدورة التدريبية، وهي قص الشعر كلّه والركض لمسافات طويلة ثم الزحف على التراب! أين التدريب الذهني والعقلي والفني واكتساب المهارات اللازمة للعمل والاختبارات النفسية من هذا كله؟ ليس من المنطق أبداً أن تطلق أفراد غير مدربين تحت بند "امشوا في الشوارع وإذا شفتم أي شاب وبنت مع بعض وشكيت إنهم مش تمام هاتوهم وحققوا معاهم"، وهو لا يعلم كيف يشك أصلاً أو حتى هذا الشك سيكون مبنياً على أي أسس. وتصل ركاكة التطبيق والكارثة أحيانا إلى إسناد المهمة لمدنيين مثل المنقذين أو عاملي الكافتيريات أو حتى الباعة، والذي في أحسن الأحوال معظمهم لم يكمل تعليمه الأساسي.
لكن في نهاية الأمر الشرطي أخذ المهمة والتكليف وذهب ليقوم بأداء وظيفته، فلا تستغرب أبداً عندما تكون أنت وزوجتك جالسين في مكان ما وتجد هناك شخص يدور بجواركم لمدة لا تقل عن النصف ساعة محدقا بكم طوال هذه المدة، فهو للأسف لا يعلم عن أو على ماذا يبحث، إنما بالتأكيد هو يبحث عن ذاك الشك الذي سيمكنه من أخذك لقسم الشرطة، لكنه يعجز عن إيجاده بتلك السهولة.
فجأة وبتصرف منطقي جدا أنت ستقوم بردة فعل طبيعية تجاه الموقف تنتهي باشتباك مع هذا الشخص لأنه بمعنى أو بآخر هو تعدى على خصوصيتك أنت وعائلتك، (ملاحظة / المكلفون بهكذا نوع من المهمات يرتدون الزيّ المدني في الغالب). الآن نستطيع أن نبارك للشرطي لأنه أخيرا وجد السبب الذي سيأخذك لمركز الشرطة، لأنه ببساطة شديدة أنت رسمياً قمت بالتعدي على ضابط شرطة سواء لفظا أو فعلا .
الشاهد من الموضوع وحقيقة الأمر أن القصص من هذا النوع الكل يعلم بها ولا تحتاج لإعادة أو تذكير وإنما الأغلب قد مر بها شخصياً أو أنه رآها أمام عينه في موقف معين في أحد المرات سواء كانت الشرطة أصابت أو أخطأت في "الغارات" التي يداهمون بها الناس.
لذلك رجائي الخاص من وزارة الداخلية التركيز والاهتمام بموضوع التدريب الفني والأساليب العلمية الحديثة مثل قراءة الجسد وتحليل الحركات والتدريبات النفسية وأساليب المراوغة ...وإلخ من التدريبات التي يقوم بممارستها أغلب دول العالم، في النهاية أنت كمحقق في مركز شرطة لا تنتظر من المشتبه به قول الحقيقة، لأنك أنت من سيقوم بمعرفة إذا ما كان يقوله هو حقيقة أم كذب، وهذه الأمور لها مناهج علمية تدرّس للمحققين، ومن منطلق الحفاظ على سمعة أجهزة الشرطة والبعد عن التشكيك في جودة عملها، وعدم ترك مساحة للبعض بخلق روايات سينمائية لقصص لم تحدث، نحن هنا بحاجة ماسة لتطبيق هذه الأسس العلمية بين أفراد الشرطة.