شبكة قدس الإخبارية

كيف قلنديا؟ القدس - رام الله "رايح جاي"

هنادي قواسمي

تخبرنا ويكيبيديا أن رام الله تبعد عن القدس ما يقارب 15 كم، قد تُصدِّق هذه المعلومة أحاديث الناس المتكررة "لولا الحواجز، لصرنا في رام الله بعشر دقائق". أما "جوجل مابس" فلديها جواب مختلف، لا تعترف خدمة الخرائط من "جوجل" بالطريق المارّ عبر قلنديا كواصل بين المدينتين. يبدو أن شهرة أزمة قلنديا قد بلغت الشركة العالمية فحيرتها وأعلنت عجزها عن حلّها، ناهيك عن الأسباب السياسية التي تختبىء وراء هكذا "اعتراف".

على ماذا تحصل إذن عندما تبحث في "جوجل مابس"عن الطريق الواصل بين القدس ورام الله؟ تخبرك الخدمة أن المسافة تقدر ب 25 كم وأنها تستغرق 35 دقيقة، وتعرض أمامك 3 طرق للوصول إلى رام الله، تختلف عن بعضها البعض في المقاطع الواقعة داخل مناطق القدس المحتلة، وتتشابه في المقطع الأخير وهو الطريق الاستيطاني الذي يسلك للوصول إلى مستوطنة "بسجوت"، إذن رام الله بالنسبة لجوجل هي "بسجوت" وما جاورها من مستوطنات.

ramalah

أما "جوجل" الفلسطيني فله خرائط من نوع آخر ترتبط بها مصطلحات لا يعرفها جوجل ومن يعوّل عليه في هذا الشأن. "سالكة" - "المعبر بكش الدبان" - "أزمة" - "زفت".. هي الكلمات التي يُحدِّث بها مشتركو مجموعة الفيسبوك "أحوال طريق قلنديا/حزما" زملاءهم حول وضع الطريق إلى رام الله أو من رام الله.

يزيد عمر المجموعة الفيسبوكية عن عامين، ويزيد عدد مشتركيها عن 8000 مشترك، أغلبهم فيما يبدو ممن يضطرون إلى التنقل بين رام الله والقدس بشكل شبه يومي لظروف العمل والمعيشة.ومع انتشار الهواتف الذكية أصبح تحديث المجموعة بآخر أخبار الطريق أسهل، ويقرن كثيرون تحديثاتهم بصورة إما للسيارات المتكومة وراء بعضها أو للطريق التي تخلو من المارّين.

لا تكف المجموعة عن إخبارنا عن وضع الطرق، صباحاً ومساء، وحتى بعد منتصف الليل، وكثف الأعضاء نشاطهم هذا خاصة في الأيام الأخيرة من رمضان وأيام العيد. يذكرنا هذا النشاط بالخدمة - التي يبدو أنها فشلت في الترويج لنفسها - والتي حاولت شركة "جوال" التكسب منها على حساب "قلق الفلسطينيين الوجودي" من حاجز قلنديا، إذ أعلنت ذات مرة عن خدمة رسائل sms لإخبار زبائنها بأوضاع الحاجز، وبالطبع كل رسالة يستقبلها الزبون تزيد من رصيد الشركة.

1012435_10151737356473119_1522561346_n

وقد نججت المجموعة في التحول إلى "جوجل مابس" فعلي، بل ربما أصدق وصفاً أن نقول Waze فلسطيني، فهي تخبرنا بأي حادث سير يقع على الطريق، وينبهنا بعض أعضائها بوجود سيارة شرطة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي تفحص الرخص وتحرر المخالفات. إضافة إلى ذلك، يدّعم المشاركون ما يملكون من أخبار بالصور والفيديوهات. على سبيل المثال، أحد المشتركين بالمجموعة شارك زملاءه فيديو صوّره في الطريق من القدس إلى رام الله عبر الطريق الاستيطاني المعروف 443، الذي يمر بالقرب من سجن عوفر العسكري، ومن ثم مستوطنة موديعين. تشاهده وتردد في نفسك "الحاجة أم المسافات الطويلة والطرق الخرافية!".

يمشي مصوّر الفيديو بسيارته ليشرح لمن يشاهده كيف يمكنهم تجاوز أزمة "قلنديا" الخانقة والدخول إلى رام الله من أحد الحواجز على يمين شارع 443، ليجد نفسه في إحدى القرى الفلسطينية  وهي بيت عور، ومن ثم يدخل من هناك إلى رام الله، في تطبيق حيّ للمثل القائل "وين دانك يا جحا" في دلالة على سلوك طريق "غير متوقع" للوصول إلى مكان قريب جداً. تتكرر الأسئلة في هذه المجموعة عن ذات الفيديو لمن يبحثون وقد خانهم الأمل عن أي وسيلة لدخول رام الله تغنيهم عن نكد الوقوف في أزمة الحاجز، حتى لو كانت هذه الطريق طويلة، وحتى لو كانت "تخرب السيارة" لعدم صلاحية شوارعها، كما عبر أحدهم.

حاجز .. وليس معبرأً

بعيداً عن الأخبار الفورية حول وضع الطريق، يفتح البعض نقاشات حول كيفية حلّ أزمة السير في قلنديا، ولا يتوانون عن انتقاد و"فضح" المتجاوزين للصفوف والسائقين بعكس السير بالصور، وشتمهم بما يستحقون، إذ يزيدون الطين بلة. على صعيد آخر، ينهمك أحد أعضاء المجموعة في التأكيد على استخدام تعبير "حاجز قلنديا" لا "معبر قلنديا"، على اعتبار أن كلمة "معبر" توحي بالعبور السهل وتوحي في إحدى دلالاتها السياسية على وجود حدود بين دولتين، بينما الواقع أنه حاجز عسكري احتلالي يقطع أوصال الأرض المحتلة الواحدة، و"ينكد" ويشتت أبناءها.

وفي الوقت الذي يحار فيه الفلسطينيون "كيف يديرون هذا الحيز الاستعماري الذي وجدوا أنفسهم فيه"، ويتشاورون فيما بينهم: أي الطرق يسلكون للوصول إلى عاصمة "أوسلو": حزما، قلنديا، أم بيت عور، وبينما يفكر البعض "بجدية" حول الحلّ الهندسي التكتيكي لهذه الأزمة الخانقة، لا بدّ أن هناك من يفكر بحل المشكلة من "جذورها"، والتخلص منها فعلياً بدلاً من التحايل عليها حتى "تمشي الحياة". أهذه "فلسفة" تشاؤمية سوداوية تقلل من جهد الناس؟ طبعاً لا، بل هي  تعبير عن جزء من حياتنا التي ندور بها حول أنفسنا بتكرار رهيب، نطفىء الحرائق الصغيرة، على أمل أن لا ننسى الحريق الأكبر، فنتفرغ له ذات يوم.