يظن الناظر لأول وهلة، أن ما يشاهده من برامج توك شو وتقارير إخبارية ومسلسلات وأفلام هابطة غير هادفة علي الفضائيات هي قنوات غربية، لكن الأدهى والأمر أنها قنوات عربية وتبث من بلدان تسمي إسلامية؛ لذلك سأعقد مقارنة بين الإعلام الغربي والإعلام العربي !
فالإعلاميّون الغربيون هم السبّاقون في دقّ نواقيس الخطر والكشف عن مكامن الدّاء في سياسات حكوماتهم ، سعيا منهم لاستمرار قوّة بلدانهم وسيطرتها على المجتمعات ؛ لذا يُفتَح المجال للإعلام الغربي في نقد السياسييّن وبيان فشل ساستهم والوقوف على جوهر مشاكلهم والبحث عن حلول (نقد بناء) ، وذلك تقديرا منهم لأهميّة الإعلام في صيانة مجتمعاتهم والمحافظة علي تفوقهم.
بالمقابل نجد الإعلام العربي أو الإسلامي موجّها لتحطيم الأمّة وإحباطها وإشغال أبنائها بتوافه الأمور، عوضاً عن توجيههم للقضايا المصيريّة ، فالإعلام العربي إن كشف عن قضية وهذا نادراً ما يحصل ، فلا يرتقي لمعالجتها وإنّما يتحول ليكون بوقاً من أبواق النظام الحاكم وببّغاء بيد عملائه.
أمّا الإعلام العربي المتواطئ ، فهو ما يترك فرصة إلا ويصوّر لنا أميركا" بالقوّة الجبّارة" وهي نهاية التاريخ ، ولن تجد أمّتنا ملجأ منها إلاّ إليها.
فأميركا وحضارتها هي القدر المحتوم لهذه الأمة وهي " الجيش الذي لا يقهر" وهي سيّدة العالم إلى ما لا نهاية .
فلا يقف إعلامنا على إظهار الوجه البشع لهذه الحضارة وبيان زيفها وعجزها عن إنقاذ العالم، بل يعمل على تكريس المبدأ الرأسمالي في العالم الإسلامي مبيناً أن غيابه هو الذي جعلنا في ذيل الأمم.
وحقيقة إعلامهم وإعلامنا؛ إعلام هادف يحمل على عاتقه مسؤوليّة أمته وإعلام متواطئ لا يحمل إلاّ الخيبة والهزيمة للنفوس ، أما آن للشعوب أن تقف على حقيقة إعلامها إذن؟
إعلام الغرب منسجم تماما مع مبدأ دولتهم الرأسمالية، فمصالحهم مرتبطة صعوداً وهبوطاً وإنهم وإن كانوا يحرصون على مصالح شعوبهم، لكنّ إعلامهم لا يتردد إذا حصل تضارب بين مصلحة الشعب وبين مصالحهم الرأسمالية في ترجيح "المبدأ". مبدأ بشع هالك سيأخذ بأهله إلى الدمار.
أما إعلامنا ... والأدق أن أقول إعلام الأنظمة فهو من جنس هذه الأنظمة وامتداد لها، أما الأنظمة فقريباً إلى اندثار بكل وزاراتها بما فيها الإعلام.
إنه لا فرق بين إعلامنا وإعلامهم كلاهما يسيران لقتلنا فكرياً وكلاهما يحاولان تلميع مبدأ الرأسمالية ، لكن إعلامنا أشدُّ خطراً لأنه يكون أقرب للمتلقي فيوقعه بشرٍّ يفوق فيه إعلام الغرب
يتبع الإعلام الأنظمة الحاكمة ، فهي التي تُسيِره وهي التي تتحكم به ، وإن كان الإعلام الغربي يتغنى بالحريات ، فهو يكذب ، وذلك لأن الإعلام الغربي مسيس تماماً وضعت له أسس وأجندة تخدم مصالح النظام العلماني الحاكم حتى يتحكم في آراء الناس في الغرب وفي كل العالم وذلك بسبب أن الإعلام العربي مجرد تابع ومقلد للإعلام الغربي.
فربما الإعلام الغربي يخدم مصلحة ولكنها ليست مصالح الناس ، بل هو يحمي سياسات النظام الرأسمالي أولاً وأخيراً . فالإعلام الغربي يكذب على الغربيين بالنسبة للإسلام وهو يكذب عليهم بالنسبة للأزمة الاقتصادية وهو يكذب عليهم عندما يروج للحريات والديمقراطية ثم يأخذ أولادهم لأفغانستان والعراق ليقتلوا هناك بأيدي المقاومين، ويخدعهم بأن ذلك من أجل الحرية وهو فعلياً من أجل النفط وجلب الثروات للنظام الحاكم!
فالإعلام الغربي يتلاعب بالناس في الغرب مثله كمثل الإعلام العربي المقلد له والنتيجة كلاهما يضلل كل منهم جمهوره بحسب مصالحه ويتبع في ذلك الحكام العلمانيين في بلاد الغرب والحكام الصهاينة الموالين للغرب في البلاد العربية.
بقي لي أن أوضح أن حضارتهم ليست بحضارة وإنما الأدق تمدنهم "البناء والعمران ؛ لأن حضارتنا الإسلامية الرائدة ؛ كانت القوة عندنا مقرونة بالرحمة ، والمقدرة بالعفو، والحرية والعلم بالخلق، فسادت حضارتنا لقرون عديدة، أما عندهم فالقوة مجردة من الرحمة ، والقدرة معزولة عن العفو، والعلم مبتور عن الأخلاق ، فأوصلوا العالم إلي الجحيم الذي نعيشه الآن .