شبكة قدس الإخبارية

ثلاثة نسيتهم فتح والنقابة: عزمي والخليلي وأبوارميلة

محمد عبد ربه

قادتني مهنة المتاعب قبل أيام إلى منزل صديق وزميل قديم في حي الصوانة - شرق القدس القديمة - مرت سنوات طويلة لم أره بها .. عزمي أبو غربية (أبو ناصر). كنا زميلين في مهنة المتاعب حين شغل هو مدير تحرير الفجر المقدسية التي أغلقت في العام 1993 بسبب أزمة مالية عصفت بها. كانت الفجر آنذاك الناطق الرسمي باسم حركة فتح، وعموم الحركة الوطنية، وكانت الكف الذي واجهت مخرز الاحتلال وأدواته العميلة من روابط القرى وغيرها. قدمت الشهداء ومن بينهم: حسن عبد الحليم الصحفي المقدسي من قرية قطنة شمال غرب القدس.. قضى وارتقى شهيدا بعد أن فخخه سماسرة الأرض بعبوات ناسفة حولت جسده النحيل إلى أشلاء صغيرة .. وكل ذنبه أن وصل إلى خيوط الشبكة التي أوغلت في بيع الأرض للمغتصبين زورا وتزييفا.

 كان أبو غربية آنذاك واحدا من مدراء التحرير الذي قاد الصحيفة دهرا من الزمن. وكنت معه وله زميلاً مراسلاً ومحرراً. كان على تقدم سنه علينا.. أكثر شباباً منا.. وأكثر عنفوانا وحيوية تميزه عنا قامته المرفوعة .. ولحيته المائلة إلى البني الاشقر… واندفاعه في العمل وإخلاصه له.. وهي ذات الصحيفة التي قادها في ذات الفترة الكاتب والشاعر والروائي والاعلامي الكبير علي الخليلي (أبو سري): صديق عزيز وزميل يشهد له أيضا. وغيرهما كثيرون من إعلاميين وقادة سياسيين أمثال: زياد أبو زياد. مأمون السيد، زهير الريس، حاتم عبد القادر، د. طلال أبو عفيفة، راضي الجراعي، حسن أبو حشيش، سرحان السلايمة، سمير أبو جندي، محمد أبو لبدة، خالد أبو عكر. ورياض جبران.. والقائمة تطول.

جميعهم كانوا جنودا أوفياء لفتح وللمنظمة بكل فصائلها. وبجهودهم كانت الفجر واحدة من مراكز ومواقع قيادة الانتفاضة الأولى، ومنها خرجت بعض بياناتها المباركة، ومنها أيضا ومن ردهات مكاتبها المتواضعة في شارع نابلس بالمدينة المقدسة تواصل الداخل بالخارج .. ولعبت الصحيفة، ومعها أيضا مجلة العودة والمكتب الفلسطيني للخدمات الصحفية بإدارة الاعلامي والشاعر الكبير ابراهيم قراعين دورا في الاعلام المقاوم يجهله كثيرون من جيل الشباب اليوم. كان أبو غربية واحدا من هؤلاء القادة المجهولين والمغمورين لدى عامة الناس، لكن قيادتهم تعلم من هم علم اليقين.

 الحال كذلك بالنسبة لعلي الخليلي.. وأيضا بالنسبة للاعلامي الصديق والزميل بسمان أبو ارميلة المحرر الرئيسي في صالة التحرير ومسؤول المحليات فيها.. وصاحب مقولة "بلش الطحن يا شباب" في إشارة إلى الحث على التسريع في تحرير الأخبار. ثلاثة هؤلاء أفنوا عمرهم وزهرات شبابهم جنودا لفتح.. ولمنظمة التحرير حيث اعتنقوا وحدانية تمثيلها لشعبهم. سهروا الليالي الطوال ووصلوا الليل بالنهار حين كانت فتح والمنظمة في دائرة الحرب والهجوم والعدوان. وكانوا جزءا أصيلا من نقابتهم رابطة الصحفيين العرب قبل أن تتحول إلى نقابة وتترك غير مرغمة القدس خواء على رؤوس من قامت عليهم تلك النقابة والتي بالكاد اليوم تتواصل معهم إلا حين الأمر يتصل بانتخاب.

 اليوم هؤلاء على وشك أن يودعوا عالمنا.. كما فعل من قبلهم شاعرنا الاعلامي الكبير احمد عبد أحمد حيث رحل بصمت ولم نتذكره إلا بعد وفاته. في بيت أبو ناصر بالصوانة مأساة توجع القلب وتبكي العين، فالرجل ناهض القوام قوي البنية الشاب المتوقد همة وعنفوانا بعض كومة من لحم يعاني المرض والقعود، وقد نسيناه في غفلة من زماننا اللعين. من سريره حيث يرقد ورغم أوجاعه نهض يصافحنا وبالكاد قدماه تحملانه. بالكاد أيضا نطق بكلمات الترحيب وقد ضربته الجلطات وتعب القلب. لم يسأل عنه أحد، هل تذكرته فتح؟ هل تذكرته المنظمة التي حمل لواء الدفاع عنها، وكان الأكثر عشقا لناجي العلي ولأدباء المقاومة أمثال كنفاني وأبو شرار وعدوان والنجار وأبو إياد؟ سألت في بيت أبو ناصر: والنقابة؟ لا أحد تذكره. وسألت عن حقوقه. قالوا: لم ينل حقا من حقوقه... هل لك أن تساعدنا في الوصول لعلية القوم؟

بالصدفة، كان السؤال قبل وجيز مدة عن فارس آخر هو علي الخليلي: قالوا لي يصارع المرض اللعين. وحين اقترحت على زميلي خالد أبو عكر في يوم الصحافة العالمي زيارة الخليلي في منزله لعيادته والاطمئنان عليه، قال: فات الأوان، فالرجل في صراع مرير لا يتيح لنا أن نراه. عندها تذكرت الصديق والزميل بسمان أبو ارميلة.. ما أخباره ؟?أجاب صديق، لا زال يمارس رياضة المشي مدربا جسده الهزيل بعد أن أقعدته الجلطة شهورا طويلة في المستشفى ... وأكثر من سنتين في بيته. هل تذكرته فتح والمنظمة... هل تذكرته النقابة بعيادة له في منزله والاطمئنان على صحته وقوت عياله؟ أوجاعنا يا قوم كبيرة وعظيمة.. وقدرنا أن نمضي بصمت إلى نهاياتنا... كما أفنينا أعمارنا وزهرات شبابنا في الدفاع عن وطن نستحقه ويستحق منا أن نقدم أعمارنا وحياتنا له. ما أحوجنا يا قوم إلى كف صديق. ما أحوجنا أن نتلمس أوضاع زملاء نسيناهم وتناسيناهم. لا ينفع هؤلاء وكثيرون لا نعلمهم ونسيتهم فتح والمنظمة والنقابة تكريم بعد موتهم.