شبكة قدس الإخبارية

المأساة مقسّمة .. في رفح

إسلام السقا

في معبر رفح اليوم تجد المأساة مقسمة إلى مراحل، ما أن تجتاز إحداها حتى تواجه الأخرى مباشرة، وتصل في النهاية إلى التحدي الأكبر آخر المشوار.

لو كنت ممن يفهمون الحياة ستواجه الامر بابتسامة ساذجة على وجهك دون جعل الغضب يتملكك. ستواجه الامر كما لو كنت تلعب "البلايستيشن" تماما، ما أن تنتهي من وحش ستواجه آخر حتى تصل إلى الوحش الكبير نهاية المطاف. أما لو كنت ممن يعقّدون الحياة فسوف يكون يوم الجحيم عليك. عزيزي القارئ اليك ما ستواجه في رحلة عودتك إلى غزة عبر معبر الجحيم "رفح".

ستصل المعبر بسيارتك أو حافلتك أو ميكروباصك - ايا كان- في وقت ما بين الساعة السادسة والعاشرة صباحاً، من يصل أولا يحجز مكانه أولا هناك بالقرب من البوابة. عملية الحجز تتمثل في وضع حقائبك على الارض وأن لا تسمح لأحد بالتجاوز عنك لا من يمين ولا من يسار، كل الأمور ستكون على خير مايرام ومنظمة، حتى تحين الساعة التاسعة وتبدأ أعداداً اكبر بالتوافد. تبدأ معها التجاوزات والخلافات وترتفع الاصوات واحيانا الأيديـ الطابور القديم سيتحول الى طابورين، وفي أسوء الحالات الى 3 طوابير، اختر احدهم وقف به، لا تجادل ولا تقاتل ولا تحاول أن تتجاوز ولا تنجر وراء شيطانك الذي يخبرك طوال الوقت انه عليك تجاوز من هو أمامك وأنك أحقّ منه.

لو كان وقت سفرك صيفاً فعليك احضار ما يحميك من الشمس، انت في وسط الصحراء وأكاد أجزم أني رأيت أطفالاً تحولوا إلى سائل بشري من شدة الحر، أما لو كان سفرك شتاءً فعليك أن تكون أشد كرماً في إحضار ما يقي من البرد، أيضا رياح الصحراء في الشتاء لا يتحملها الكبير أو الصغير.

ستقف هناك على الطابور وستكون شاهداً على أكبر جهالات شعبك وتفاهاته، ستجد من هو مستعد لقتل الآخر لمجرد أنه لم يره واقفاً جواره من قبل 15 دقيقة فقط."انتا من وين اجيت عفوا؟؟؟ ارجع مكانك". وقد يقوم أحدهم برفس حاجيات الآخر وربما يضربه كما حدث فعلا. لتصبح المأساة مضاعفة ستجد اطفالهم على الارض يبكون حر الصيف، في حالات الاغماء حاول المساعدة لكن لا تتورط كثيراً لانك لا تدري متى يفتحون الباب وعندها تصبح المعركة أشد، لا تريد تفويت المعركة وأنت تمسح لاحداهما وجهها بينما أخيها هناك - على الجبهة - يحاول الدخول.

عموماً، كل هذا الهراء الذي يحدث في المرحلة الاولى، مرحلة الحجز والدفس، لا طائل منه. لانه وبكل بساطة ما أن يحين موعد فتح بوابة المعبر فالأولوية حينها لمن يركض أسرع. هنا لو كنت من أصحاب الحقيبة الواحدة فأنت الفائز. أما لو كنت ممن يحملون بلاداً معهم وهم مسافرون فأنت بالتأكيد ستكون في اخر الصف.

ستركض بحقيبتك الوحيدة مسرعا نحو البوابة. لن تكون أول الواصلين حتماً لانه هناك من هو قبلك دائما. المهم أن تقترب من البوابة قدر المستطاع، هذه المرحلة اسمها مرحلة الحشر. المرحلة التي ستندم فيها على كل وجبة هامبرغر وكل قطعة بطاطس مقلية أكلتها في حياتك وزادت من وزنك. ستندم على كل دقيقة ضيعتها خارج الـ"جيم".

في مرحلة الحشر سيحشر كل 6 مع حقائبهم في متر مربع. هناك من يدفعك من الخلف وهناك من يدفعك من الامام. قد يغمى على احد جوارك ويموت وهو يحاول الخروج. ستلتصق اجزاء جسدك بمن يجاورك، امرأة كان ام رجلا. كل المقاييس تُهدم هناك.. المهم أن نعبر جميعا بعدها سنستعيد كرامتنا ومبادئنا.

كلما اقتربت من البوابة التى لا تمرر إلا فرداً واحداً فقط ستزداد الضغوط عليك. هنا ستجد عدة جُمل تحوم في المكان "يا اخي الاطفال" "يا اخي النسوان" " اوعا ايدي" "اوعى رجلي" "تزقنيش انا قد أبوك" "ابعد شنطتك عني لو سمحت".

ستجد بالتأكيد ذلك الفرد الذي يكون على الاغلب من مخلفات الانسانية. ينادي بالانسانية واحترام الاخر والهدوء وعدم الانجرار وراء البتنجان.. الا انه وفي مرحلة الحشر - كما قلت - تسقط كل المبادئ لديه. تجد نفس هذا الشخص، يركل الاطفال وهو يمشي. يدهس ارجل المارة، ويدفع بشنطته بظهر الذي امامه ليسقط وتحدث مأساة أكبر.

آخرون كانوا اكثر ذكاءً، رموا بحقائبهم من فوق البوابة ودخلوا الباب فيما بعد بلا حقائب. هناك قلنا تسقط المبادئ، تلك الشنط التى حموها طوال الطريق من أي خدش يرموها الان من اعلى البوابة وليُكسر ما يُكسر.

لنفترض أنك مررت من المرحلة القاسية - مرحلة الحشر - بسلام ودون مشكلة مع أمن البوابة أو مع احد المسافرين ونجحت اخير في الدخول. ستجد نفسك امام مرحلة مشابهة يمكنك تسميتها "مرحلة الحشر 2".

على البوابة الداخلية للمعبر ستواجه نفس ما سبق بكل اذيته وانحشاره وسقوط مبادءه. كله كله كما هو على البوابة الداخلية.

لنفترض أنك دخلت المعبر وتنفست الصعداء. لا تحاول الاستراحة. يجب عليك تمرير شنطك انت والمئات معك من على جهاز كشف المعادن الصغير. جازف لتصل الى الجهاز. لا تضع حقيبة حاسوبك المحمول ولا اي حقائب شخصية. لانه وعلى الطرف الاخر ستسقط كل الحقائب فوق بعضها وسيعلوها الناس في محاولة استخراج حقائبهم. لا تجازف بأجهزتك وضع فقط حقيبتك الكبيرة. أما حقيبة ظهرك فيمكن للجندي ان يفتشها يدويا.

دخلت المعبر؟ أخيراً ؟ لا تسترح انت الان في معركة مع الوقت. اذهب وسجّل دخولك واعطهم جواز سفرك على المعبر. لا تجلس ولا تستريح لانه عليك الوقوف والاستماع الى الاسامي التى ينادونها. من ينادون اسمه فهو حر ويُسمح له بالخروج.

عندما قلت عليك الوقوف. فأنا قصدت أن تقف على رجليك 3 ساعات متواصلة بلا أي محاولة للراحة. الاسم الذي ينادونه لا يعدون له الا بعد فترة كبيرة. عليك الانصات وتحمل العرق والحر وامور اخرى!.

عندما ينادون اسمك. ستواجهك نظرات الحسد من كل مكان، اخرج منها سالما وانت الان حر، يجري بعدها بدء عملية استرجاع الكرامة. وجزء مفقود من الانسانية.. وبعض الامور. ببطء ستبدأ باستعادة نفسك.