شبكة قدس الإخبارية

سيناريوهات الضم: ماذا على “إسرائيل” أن تعرف؟ 

aa3ed4c0-a0f9-11ef-bdf5-b7cb2fa86e10.png

ترجمة خاصة - شبكة قُدس: أعدّ اللواء احتياط في جيش الاحتلال أودي دكل، المدير السابق لمعهد دراسات الأمن القومي، والباحث في المعهد شمعون أراد، ورقة تحليلية مطولة حول احتمالات ضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، انطلاقًا من مراجعة تاريخية لحالات ضم مشابهة شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ويرى الباحثان أن تصاعد الدعوات داخل الساحة السياسية الإسرائيلية، لا سيما من أوساط اليمين والمستوطنين، جعل فكرة الضم حاضرة أكثر من أي وقت مضى، ليس باعتبارها خيارًا أمنيًا فحسب، بل كمسار بديل عن الانفصال أو أي تسوية سياسية تقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

يشير دكل وأراد إلى أن تحليل أكثر من عشرين حالة ضم في العالم يوضح أن الدوافع الرئيسية ارتبطت بمزيج من اعتبارات الأمن القومي والطموحات الاستراتيجية، مع محاولة إضفاء شرعية عبر روابط تاريخية مزعومة. ومع ذلك، فشلت غالبية المحاولات بسبب المقاومة المسلحة للشعوب المتضررة أو تدخل خارجي مباشر، ولم تستقر سوى أربع حالات نسبيًا، مثل ضم التبت للصين أو جزر غوان للهند، بينما بقيت معظم الحالات الأخرى مفتوحة على نزاعات متجددة.

ويؤكد الباحثان أن نحو نصف حالات الضم في العالم انهارت لغياب تفوق عسكري ساحق أو بسبب ضغط دولي، فيما ارتبط النجاح بوجود تفوق اقتصادي وعسكري واضح إلى جانب ضعف قدرة المجتمع الدولي على فرض عقوبات فعالة. لكن حتى تلك الحالات التي عُدّت ناجحة لم تُنهِ جذور الصراع، بل أفرزت توترات متواصلة وصدامات متقطعة، كما حدث في كشمير أو الصحراء الغربية.

ويحذر دكل وأرد من أن أي خطوة إسرائيلية لضم أراضٍ فلسطينية ستؤدي بصورة شبه مؤكدة إلى انفجار واسع في المقاومة المسلحة والشعبية، مع انخراط كل الفصائل الفلسطينية وامتداد العمليات إلى داخل الخط الأخضر. هذا الوضع سيجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي على نشر قواته في أكثر من جبهة، ما قد يضعف قدرته على التعامل مع تهديدات إقليمية أخرى مثل إيران أو حزب الله.

ويشدد الباحثان على أن الضم ليس مجرد مسألة أمنية، بل يحمل تبعات اقتصادية هائلة، إذ ستجد “إسرائيل” نفسها مسؤولة عن نحو 2.7 مليون فلسطيني، بما يتطلب ميزانيات ضخمة لإدارة الخدمات، في وقت قد تتعرض فيه لعقوبات أوروبية قاسية قد تطال أكثر من 40% من حجم تجارتها الخارجية. وتبرز هنا إشكالية منح الجنسية، فإعطاء الفلسطينيين جنسية إسرائيلية يهدد الطابع اليهودي للدولة، بينما حرمانهم منها سيفتح الباب أمام اتهامات دولية بتحول “إسرائيل” إلى نظام فصل عنصري.

ويوضح دكل وأرد أن المجتمع الدولي يظل قادرًا على فرض أثمان على الدول الضامة عبر العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي، حتى وإن عجز في حالات معينة. وفي السياق الإسرائيلي، فإن أي ضم سيحرج الولايات المتحدة نفسها، وقد يدفعها إلى تقليص دعمها في المؤسسات الدولية. كما سيؤدي إلى إضعاف مسار اتفاقات أبراهام، ويوفر دافعًا لإيران وحزب الله لتعزيز أنشطتهما، فضلًا عن احتمال تهديد استقرار الأردن وتحفيز محور المقاومة لإعادة تنظيم صفوفه.

ويتطرق الباحثان إلى أن تجارب الضم في أماكن أخرى ارتبطت دومًا بمحاولات إعادة تشكيل ديموغرافي عبر التهجير أو الاستيطان. وفي الحالة الإسرائيلية، يعني ذلك تعزيز الاستيطان في الضفة وربما دفع أعداد من الفلسطينيين إلى الهجرة، وهو ما سيجعل “إسرائيل” عرضة لانتقادات عنيفة وتصنيفها كدولة عنصرية على غرار جنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري.

ويخلص دكل وأرد إلى أن الضم ليس مجرد خطوة سياسية آنية بل مشروع استراتيجي قد يغير وجه “إسرائيل” داخليًا وخارجيًا. داخليًا، سيهدد تماسك الجمهور الإسرائيلي ويضعف طابعه الديمقراطي. خارجيًا، سيقود إلى عزلة دولية متزايدة وربما حصار اقتصادي مشابه لما واجهته أنظمة الفصل العنصري. ويرى الباحثان أن “إسرائيل” ستجد نفسها أمام خيارين متناقضين: إما دولة ثنائية القومية تضم الفلسطينيين وتفقد طابعها اليهودي، أو دولة تمارس نظام فصل عنصري وتفقد شرعيتها الدولية.

وبحسب دكل وأرد، فإن على صانعي القرار في “إسرائيل” أن يتعلموا من تجارب الضم السابقة وألا ينجرفوا وراء شعارات سياسية قد تدفع الدولة إلى أثمان استراتيجية قاسية على المستويين الأمني والاقتصادي، مع ما يعنيه ذلك من تهديد مباشر لمستقبلها واستقرارها.