ترجمة خاصة - قدس الإخبارية: كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، في تحقيق مشترك مع مجلة +972 وموقع Local Call، أن بيانات استخباراتية سرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي تُظهر أن ثلاثة أرباع الفلسطينيين المعتقلين من قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 هم مدنيون، في حين أن واحدًا فقط من كل أربعة يُصنَّف على أنه "مقاتل"، بحسب تصنيف جيش الاحتلال نفسه.
ووفقًا للصحيفة، فإن آلاف المعتقلين الفلسطينيين محتجزون دون تهم أو محاكمة، في ظروف مهينة ولا إنسانية، بينهم مسنون ومرضى وأطفال ونساء، إضافة إلى عاملين في القطاع الطبي والتعليمي والإعلامي. وقد تم توثيق حالات احتجاز لأشخاص يعانون من إعاقات جسدية وعقلية، ونساء انفصلن قسرًا عن أطفالهن.
ومن أبرز الحالات التي استعرضها التحقيق، امرأة فلسطينية تبلغ من العمر 82 عامًا مصابة بمرض ألزهايمر، احتُجزت مع مرافقتها في سجن "عناتوت" العسكري لمدة ستة أسابيع، دون علمها بمكان وجودها، بعد أن أصيبت أثناء محاولتها التنقل داخل المعتقل.
كما تحدّث التقرير عن أم فلسطينية أُخذت من حاجز عسكري، تاركة وراءها ثلاثة أطفال (أكبرهم يبلغ 10 سنوات)، لتُفرج عنها بعد 53 يومًا، وتجد أطفالها يتسوّلون في الشوارع بعد أن تُركوا دون رعاية.
ويُحتجز المعتقلون بموجب ما يسمى قانون "المقاتلين غير الشرعيين"، الذي يسمح بالاعتقال غير المحدود ودون تقديم أدلة، حيث يمكن منع المعتقل من لقاء محامٍ لمدة 75 يومًا، ومن المثول أمام قاضٍ لمدة 45 يومًا، وهي فترات تم تمديدها لاحقًا إلى 180 و75 يومًا مع بداية الحرب.
بحسب البيانات، بلغ عدد المعتقلين الذين تم احتجازهم في إطار هذا القانون في أيار/مايو 2025 نحو 6,000 فلسطيني، بينهم 2,750 معتقلًا دائمًا، فيما أُفرج عن أكثر من ألف شخص بموجب اتفاقات وقف إطلاق النار.
وبالرغم من ذلك، يواصل الاحتلال وصف جميع المعتقلين بأنهم "إرهابيون"، وتستخدم هذه التهمة بشكل واسع في الإعلام والسياسة لتبرير الاحتجاز الجماعي.
المؤسسات الحقوقية، من بينها مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، أشارت إلى أن نسبة المدنيين بين المعتقلين تفوق بكثير ما يع، مؤكدين أن العديد من المعتقلين لا تربطهم أي صلة بالأجنحة العسكرية للمقاومة.
وفي شهادة مؤلمة، قالت نسرين ضيف الله إنها قضت شهورًا تبحث عن ابنها البالغ من العمر 16 عامًا،، الذي خرج في كانون الأول/ديسمبر 2024 للبحث عن طعام ولم يعد. وفي آب/أغسطس 2025، أبلغها معتقل محرَّر بأنه كان محتجزًا مع ابنها. "أُغمي عليّ عندما علمت أنه لا يزال حيًا"، قالت، لكنها لا تعرف حتى الآن مكانه ولا تستطيع التواصل معه.
وفي سجن "سديه تيمان"، وثّق جنود الاحتلال أنفسهم وجود ما سموه بـ"قسم الشيخوخة"، حيث احتُجز مسنون ومرضى ومعاقون، بعضهم دون أطراف، أو على كراسي متحركة. واعتبر أحد الجنود أن سبب اعتقالهم قد يكون "لأنهم ربما رأوا الأسرى الإسرائيليين الذين أُسروا خلال عملية طوفان الأقصى.
وذكر التحقيق أن جنود الاحتلال غالبًا ما يرفضون إطلاق سراح المدنيين، رغم تبرئتهم من أي صلة بالمقاومة، ويريدون احتجازهم كورقة ضغط للمساومة في ملف الأسرى.
وقالت جيسيكا مونتيل، مديرة منظمة "هموكيد" الحقوقية، إن قانون "المقاتلين غير الشرعيين" يُستخدم لتسهيل الإخفاء القسري الجماعي، مضيفة أن الاحتلال "ينزع الحماية القانونية عن المعتقلين المدنيين، ويبرر ذلك بمصطلحات فضفاضة لتبرير الانتهاكات".
في ظل هذا الواقع، يرى حقوقيون أن آلاف المدنيين الفلسطينيين من غزة يُستخدمون كـ"أوراق مساومة"، تمامًا كما كان الاحتلال يحتجز جثامين الشهداء قبل الحرب لسنوات طويلة.
وتختم الغارديان تقريرها بالإشارة إلى أن غياب المحاكمات واحتجاز المدنيين في ظروف سرية وغير إنسانية يُعد انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي، ويتسبّب بآثار نفسية وإنسانية مدمّرة لعائلات بأكملها.