غزة - قدس الإخبارية: تحدّث الخبير العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي، في تقرير ميداني نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، عن الأوضاع في قطاع غزة بعد 21 شهرًا من الحرب الإسرائيلية المستمرة، مؤكدًا أنّ حركة حماس تتعافى سريعًا وتعيد بناء قوتها رغم الضربات التي تعرضت لها.
وقال بن يشاي إن الجنود الإسرائيليين يضطرون للاستلقاء على الرمال الساخنة، لتجنّب كشفهم أمام قناصة حماس الذين قد يختبئون بين ركام أحياء الشجاعية والدرج والتفاح شرق مدينة غزة، مشيرًا إلى أنّ أي تحرك خارج الجدران الرملية المحيطة بمواقع الجيش قد يكون مكلفًا، في ظل درجات حرارة تتجاوز 35 مئوية في القطاع.
وأوضح أنّ سلسلة تلال ترتفع 70 مترًا عن سطح البحر تشكّل حاجزًا طبيعيًا يفصل شمال ووسط القطاع عن مستوطنات غلاف غزة الواقعة على بعد كيلومترين شرقًا، مضيفًا: «من يسيطر على هذه التلال يتحكم في الرصد وإطلاق النار بالاتجاهين، ولهذا أقام الجيش سبع نقاط عسكرية على طول الحدود، تُعتبر خط الدفاع الأمامي، إضافةً إلى مواقع متقدمة تشكّل خط الدفاع الثاني».
وأشار إلى أنّ الجيش الإسرائيلي، عقب اقتحامه القطاع بعد ثلاثة أسابيع من هجوم «طوفان الأقصى»، نفّذ سلسلة مناورات تستهدف تفكيك تشكيلات حماس عبر غارات متكررة، دون البقاء طويلًا في المناطق المسيطر عليها. إلا أنّ هذا الأسلوب سمح لحماس بالعودة للعمل كقوة حرب عصابات لامركزية. وذكر أنّ الجيش قرر، في موجة العمليات الثانية قبل أشهر، الاحتفاظ بالأراضي التي يسيطر عليها لمنع عودة الحركة إليها.
وأضاف بن يشاي أنّ حماس لم تكتف بإطلاق الصواريخ على مستوطنات الغلاف، بل حفرت كيلومترات من الأنفاق تحت الأرض، لافتًا إلى أنّ الجيش الإسرائيلي ما زال ينشط في مواقع جديدة بتوجيهات قائد المنطقة الجنوبية يانيف آسور، وبموافقة رئيس الأركان أيال زامير.
وفي السياق ذاته، كشف أنّ وحدات الكوماندوز الإسرائيلية تشغّل طائرات بدون طيار بأنواعها المختلفة؛ للمراقبة، والهجوم، والاستطلاع الانتحاري، حتى أصبحت المناطق العسكرية أشبه بمطارات مصغرة، حيث تقلع المسيّرات وتهبط بلا توقف، وتنسّق عملياتها مع سلاح الجو والمدفعية لضرب الأهداف.
ونقل عن أحد ضباط الجيش قوله إن حماس تشعر بأن الحرب تقترب من نهايتها، وتحشد قواتها في محاولة لإلحاق خسائر أخيرة بالجيش، الذي يسيطر عمليًا على نحو 65% من مساحة القطاع، ويواصل تدمير الأنفاق بشكل منهجي، مع احتفاظه بشريط أمني بعرض كيلومتر واحد على طول الحدود، إضافة إلى جيبين كبيرين؛ الأول بين خان يونس ورفح جنوبًا، والثاني شمالًا مقابل سديروت وقرب نتيفوت.
استنزاف الجيش الإسرائيلي
وتطرّق بن يشاي إلى حجم استنزاف الجيش، مشيرًا إلى أنّ خمس فرق عسكرية تعمل حاليًا في القطاع، وهي: 143، 36، 98، 162، و99، لكن الجيش يعتمد أساسًا على الألوية النظامية مع إشراك محدود للاحتياط لتقليل الاستنزاف. ومع ذلك، فإن الجنود النظاميين أنفسهم يعانون من الإنهاك، إذ خاض العديد منهم قتالًا مستمرًا لأكثر من عام ونصف.
ونقل عن قائد سرية احتياط قوله: «أكثر ما يُحبطني هو العودة إلى البيت وسماع الناس يقولون إننا نتخبط في غزة، وهم لا يدركون أننا إذا توقفنا ستتعافى حماس سريعًا».
وبيّن أنّ العملية العسكرية تتقدم ببطء لسببين رئيسيين؛ أولهما الحرص الشديد على حياة الرهائن المحتجزين في غزة، مما يفرض على الجيش تحرّكًا حذرًا وجمعًا دقيقًا للمعلومات الاستخباراتية، وثانيهما محاولة تجنّب خسائر كبيرة في صفوف الجنود، خاصة بعد مقتل 22 جنديًا خلال شهر يونيو الماضي وحده.
وأكّد أنّ الجيش يستخدم تقنيات متنوعة في عملياته البرية، منها شحنات متفجرة ضخمة لتعطيل الكاميرات والمتفجرات، والحفر للكشف عن الأنفاق وتدميرها، لافتًا إلى أنّ الجيش يتجنب أحيانًا تدمير بعض الأنفاق خشية وجود رهائن داخلها، مما يُبطئ من وتيرة العمليات.
حماس تتعافى رغم الضربات
وقال بن يشاي إن حركة حماس عيّنت قادة جدداً بدلاً من الذين اغتيلوا، مشيرًا إلى أنّ قادة الميدان الجدد رغم قلة خبرتهم، لا يواجهون مشكلة كبيرة في إدارة حرب العصابات التي تعتمد على تكتيكات مرنة أكثر من اعتمادها على الخبرة العسكرية الواسعة.
وأوضح أنّ كثيرًا من أنفاق حماس الصغيرة ما تزال قائمة رغم تدمير الأنفاق الاستراتيجية الكبرى، مضيفًا: «يعيش عناصر حماس وسط السكان، وحين يتلقون الأوامر، يهبطون إلى الأنفاق، يشنون هجماتهم، ثم يعودون لحياتهم اليومية».
وختم الخبير الإسرائيلي تقريره بالقول إنّ حركة حماس تعيش حاليًا أدنى مستويات قوتها العسكرية والحكومية منذ تأسيسها، ولم تعد تعمل كقوة منظمة بل كحركة حرب عصابات تسيطر جزئيًا على الأرض. لكنه حذر في الوقت ذاته من وهم القضاء التام على الحركة، قائلاً: «إذا لم تُنزَع أسلحتها كليًا وتُفكّك بنيتها التحتية، فستعود للظهور مجددًا وقد تُشكّل تهديدًا كبيرًا خلال بضع سنوات».