القدس المحتلة - قدس الإخبارية: تجتاح حرائق واسعة مناطق متفرقة من القدس المحتلة ووسط وشمال فلسطين المحتلة، في موجة نيران غير مسبوقة وُصفت بأنها الأكبر في تاريخ الاحتلال.
وتسببت هذه الحرائق في خسائر بشرية ومادية جسيمة، وإجلاء آلاف المستوطنين، وانهيار في البنية التحتية، وسط فشل واضح من سلطات الاحتلال في السيطرة على الأزمة، وسط مؤشرات على أن بعض هذه الحرائق قد تكون متعمدة.
خسائر بشرية وميدانية واسعة
منذ ساعات الصباح، اندلعت تسع حرائق رئيسية في جبال القدس، وامتدت بسرعة إلى مناطق أخرى تشمل الخضيرة، العفولة، "بيتاح تكفا"، "إلعاد"، "حولون"، "زخرون يعقوب"، ومستوطنة "إشتاؤو"ل المقامة على أراضي قريتي قريني عسلين وإشوع المهجرتين.
وقد أدت هذه الحرائق إلى احتراق أكثر من 10 آلاف دونم، في وقت تم فيه إجلاء أكثر من عشرة آلاف مستوطن من منازلهم في مناطق متفرقة.
كما سُجلت إصابة 16 مستوطناً في مدينة القدس وحدها، من بينهم مفوض الإطفاء والإنقاذ يورام كاسبي، الذي أُصيب بحروق خلال مشاركته في عملية إخلاء على الطريق رقم 1 المؤدي إلى المدينة.
وتسببت النيران بمحاصرة طواقم الإطفاء في أكثر من موقع، خصوصاً في منطقة باب الواد قرب القدس، بينما أُجبر عشرات السائقين على ترك مركباتهم والفرار منها على الطرقات خشية وصول النيران إليهم.
ترجمة قدس| من الحرائق الممتدة في مستوطنة "بيتاح تكفا" المقامة على أراضي قرية ملبّس الفلسطينية، وسط فلسطين المحتلة pic.twitter.com/JatXkXZhlE
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) April 30, 2025
انهيار البنية التحتية ووقف المواصلات
أثّرت الحرائق بشكل مباشر على البنية التحتية، إذ تعطلت حركة القطارات بالكامل في محطات مركزية مثل موديعين المركزية والخارجية، إضافة إلى وقف حركة القطارات بين حيفا وبنيامينا بعد أن اقتربت النيران من أحد القطارات وكادت تؤدي إلى إصابات.
كذلك شهدت القدس انقطاعاً للكهرباء في عدد من المستوطنات نتيجة الأضرار التي لحقت بشبكة التوزيع، في حين أعلنت وزارة الطاقة وقف تدفق الغاز الطبيعي إلى المنطقة.
وتسببت النيران في سقوط 22 برجاً للبث الخلوي في منطقة جبال القدس، مما تسبب في ضعف الاتصالات وانقطاعها في عدة أماكن. كما أُجبرت القناة 12 العبرية على إخلاء مقراتها القريبة من القدس بعد وصول النيران إلى محيط المبنى.
كما اشتعلت النيران بمتحف سلاح المدرعات الإسرائيلي في منتزه اللطرون، وسط توسع مستمر في رقعة النيران شمالًا باتجاه مدينة العفولة.
عجز حكومي وانتقادات داخلية
كشف تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي كان قد أوصى في عام 2022 بشراء طائرات مروحية مخصصة لإخماد الحرائق، إلا أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير رفض تلك التوصيات، بزعم أن الغرض منها هو توفير خدمة جوية لمفوض الشرطة.
وقد أعادت هذه المعلومات إشعال موجة من السخرية والهجوم على بن غفير في أوساط المستوطنين، الذين اعتبروا أن تركيزه خلال الفترة الماضية كان على توزيع الأسلحة للمستوطنين، بدل تعزيز قدرات الطوارئ والإطفاء.
وفي سياق متصل، نقلت القناة 13 العبرية أن الحرائق المشتعلة في القدس تتجاوز في حجمها وأثرها حريق الكرمل الشهير عام 2010، في مؤشر على حجم الكارثة الراهنة.
تحقيقات واتهامات بوجود حرائق متعمدة
في ظل تعثر السيطرة على النيران، بدأت تتسع الشبهات حول وجود حرائق أُشعلت بشكل متعمد. حيث ذكرت القناة 14 العبرية أن الحرائق "ليست عفوية"، في حين دخل جهاز الشاباك على خط التحقيقات حول الأسباب.
بينما صرّح قائد شرطة الاحتلال في منطقة القدس بأن عدة حرائق متعمدة اندلعت في أماكن متفرقة بالتزامن مع الحريق الرئيسي، مما زاد من صعوبة السيطرة على الوضع. كما أعلنت الشرطة اعتقال ثلاثة فلسطينيين بزعم قيامهم بإشعال النيران.
وأعلنت القناة 12 أن صندوق تعويضات ضريبة الأملاك سيعوض المتضررين من الحرائق في حال تبيّن أن لها خلفيات "قومية".
.استنفار كامل وفشل في السيطرة
بالتزامن مع تفاقم الأزمة، أعلنت سلطات الاحتلال حالة الطوارئ، وقررت نشر قوات الشرطة في كافة المناطق المحتلة بعد تقييم مشترك بين وزير الأمن القومي بن غفير والمفتش العام للشرطة.
كما جرى استدعاء فرق إضافية من جيش الاحتلال والدفاع المدني، ورغم هذه الإجراءات، أكّد قائد وحدات الإطفاء أن طائرات الإطفاء لا يمكنها العمل حالياً بسبب سوء الأحوال الجوية، فيما أشار ضباط في سلاح الجو إلى أن الطلب بالمشاركة وصل إليهم متأخراً.
وبسبب بطء الاستجابة، اضطرت سلطات الاحتلال إلى تحطيم الفواصل الإسمنتية على الطريق رقم 1 لتسهيل مرور آليات الإطفاء.
فيما أكد مفوض الإطفاء والإنقاذ أن الحرائق ستستمر ليوم إضافي على الأقل، بينما قال مسؤول كبير في جهاز الإطفاء لقناة 14: "نحن في بداية حدث صعب... والأسوأ لم يأتِ بعد".
استنجاد دولي
أمام هذا العجز، طلبت "إسرائيل" المساعدة من عدد كبير من الدول، من ضمنها الولايات المتحدة، الأرجنتين، كرواتيا، وإيطاليا. وقد استجابت كرواتيا بإرسال طائرة إطفاء وفريقين، بينما رفضت اليونان المشاركة.
أما السفير الأمريكي في "إسرائيل" مايك هاكبي صرّح بأن بلاده مستعدة للتدخل إذا تطلب الأمر، وأكدت القناة 12 أن إيطاليا واليونان كانتا أول من تجاوب مع طلب الاحتلال، قبل أن تعلن اليونان امتناعها بسبب حرائق اندلعت في بلادها.
التنسيق الأمني يتدخل
من جهة أخرى، نقلت قناة i24 العبرية أن السلطة الفلسطينية في رام الله أنها في حالة استعداد تام للتدخل ومساعدة طواقم الإطفاء في حال تم التنسيق مع الاحتلال.
وتشير مصادر إلى وجود تحركات فعلية لتحريك طواقم الإطفاء الفلسطينية، مستندة إلى سابقة مشابهة عام 2012، حين شاركت السلطة في إخماد حرائق كبيرة وتلقت شكرًا رسميًا من "إسرائيل".
إلغاء احتفالات رسمية
بسبب تصاعد الأزمة، قررت بلدية الاحتلال في القدس إلغاء كافة فعاليات "عيد الاستقلال"، في وقت ألغيت فيه احتفالات مشابهة في مناطق أخرى.
وفي تصريح مثير للجدل، قال "يائير نتنياهو"، نجل رئيس وزراء الاحتلال، إن هناك "أمرًا مريبًا" في ما يحدث، متهمًا اليسار بالسعي منذ أسابيع لإلغاء احتفالات "عيد الاستقلال"، وتمنى أن تكون الحرائق قد أُشعلت "بأيدي عرب فقط وليس بمساعدة من داخل الشعب اليهودي".
وفي المقابل، نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصدر أمني أن مستوطنين أضرموا النار في أراضٍ زراعية تعود لفلسطينيين في الضفة الغربية، تزامناً مع الحرائق المندلعة في الداخل