ترجمة خاصة - شبكة قُدس: نشرت الكاتبة والناشطة السياسية "الإسرائيلية" سيما كدمون مقالا في صحيفة "يديعوت أحرونوت" حول إفادة رئيس الشاباك رونين بار أمام المحكمة العليا لدى الاحتلال، تساءلت فيه" أي معضلة هذه! من نصدق؟ رئيس جهاز الشاباك، الذي قدّم مساء أمس إفادة خطية إلى المحكمة العليا لا يمكن التقليل من أهميتها، أم بنيامين نتنياهو، الذي يجلس منذ الأمس محاطًا بمستشاريه والمقرّبين منه ووسائل إعلامه الموالية، منشغلًا في إعداد إفادته المضادة؟.
كدمون تتابع في تساؤلاتها: من نصدّق؟ من جهة، هناك شخص معروف بالكذب المزمن، يصعب تصديق كلمة واحدة تخرج من فمه، ويحتاج كل ظهور إعلامي له إلى فريق تدقيق للحقائق ليفنّد مزاعمه. ومن الجهة الأخرى، هناك شخصية أمنية بارزة، سجلها المهني خالٍ من الشوائب، قضت عقودًا في جهاز الأمن، خضعت خلالها لتحقيقات منتظمة وفحوصات بوليغراف وفق ما هو متبع في هذه الأجهزة.
في مقالاتها، تشير كدمون إلى رد مكتب نتنياهو الذي صدر مساء أمس على إفادة "بار"، لكنه لم يقدّم إجابات حقيقية على معظم ما ورد فيها. وكما هي العادة، فإن آلة التشهير تعمل بأقصى طاقتها، وتضرب كل من يعترض طريقها. البيان الرسمي اكتفى بالقول إن الإفادة "مليئة بالأكاذيب وتكشف فشله"، دون أن يُوضح ما هي هذه الأكاذيب أو ما هي الحقيقة المقابلة لها.
وتُشدّد كدمون على أن هذا هو الوقت المناسب أكثر من أي وقت مضى لفتح تحقيق مع نتنياهو. لا بد من توجيه أسئلة مباشرة له، مثل: هل طلب من رئيس الشاباك في حال حدوث أزمة دستورية، أن يطيعه هو شخصيًا بدلًا من المحكمة العليا؟ هذا سؤال نعم أو لا بسيط. وهل فعلاً أخرج نتنياهو الكاتبة والمساعد العسكري من أحد الاجتماعات مع "بار"، لتكون المحادثة معه بشكل منفرد ودون توثيق؟ هل حصل ذلك أم لا؟.
وبحسبها يجب بالفعل الوقوف على الحقائق: هل تحدث نتنياهو مع "بار" عن قضايا تتعلق بتعامل الشاباك مع "الإسرائيليين"، وطلب منه نقل معلومات حول هوية النشطاء المشاركين في الاحتجاجات؟ وهل طلب منه أن يقدّم رأيًا مهنيًا يفيد بعدم قدرته على الشهادة في المحكمة لأسباب أمنية، كذريعة لتأجيل محاكمته؟ والأهم: هل صحيح كما قال "بار" إنه أُقصي من فريق المفاوضات حول وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى بدافع سياسي غريب؟.
وتدعو كدمون للمحاسبة: "دعونا نرَ نتنياهو يُدلي بشهادته تحت القسم". دعونا نرَ هل سينكر ما ورد في شهادة "بار"، التي يُعتقد أنها مدعومة بوثائق وأدلة ملموسة. دعونا نرَ كيف سيتصرف تحت ضغط أسئلة قضاة المحكمة العليا.
تشير سيما كدمون إلى أن استطلاعات الرأي التي ستُجرى قريبًا ستسأل الجمهور عمّن يصدّق أكثر: رئيس الحكومة أم رئيس الشاباك؟ وتتوقّع أن تنحاز الغالبية إلى جانب "بار"، ليس لأنهم يعرفونه شخصيًا، أو اطلعوا على الجزء السري من إفادته، بل لأنهم يعرفون نتنياهو جيدًا. فكرة أن يكون صادقًا ببساطة غير معقولة ولا منطقية، ولا يوجد سبب لتصديقه الآن.
ومن المنتظر أن تُقدَّم إفادة نتنياهو يوم الخميس، وقد بدأ بالفعل بإثارة التهديدات عمّا سيحتويه رده. لكن بين الشهادتين، تؤكد كدمون أنه لا يمكن تجاوز التناقض دون إجراء تحقيق مضاد. ومن المرجّح أن يطالب مقدمو الالتماس ضد إقالة رئيس الشاباك باستدعاء نتنياهو للتحقيق، وقد تكون محطتهم التالية المطالبة بإعلانه غير مؤهل للمنصب.
لا عجب، تقول كدمون، أن نتنياهو حاول بكل الطرق منع نشر إفادة "بار"، وسعى للتوصل إلى تسوية تُجنّبه الإجابة على الأسئلة التي لا يريد مواجهتها.
وتشيدا كدمون برئيس الشاباك: "يستحق كل التقدير على شجاعته الشخصية التي أظهرها أمس. ليس من السهل قول الحقيقة في وجه ماكينة نتنياهو الدعائية الضخمة والمدرّبة. كان من الأسهل له قبول تسوية. ومع ذلك، من المشروع أن نسأل: لماذا الآن؟ لماذا لم يتحدث حين وقعت هذه الأحداث قبل أشهر؟ وإذا صحّ أن نتنياهو أبعد الحضور من أحد اللقاءات، لماذا لم يبلغ المستشارة القانونية للحكومة؟ وإذا كان قد طلب منه عصيان القانون، لماذا لم يُفصح عن الأمر؟ مع من شارك هذه الخروقات؟ وهل كان سيكشفها أصلاً لولا أنه تمّت إقالته؟".
وتختم كدمون مقالتها بعدة تساؤلات: "كيف يمكن تجاهل كل أولئك الذين لم ينبسوا ببنت شفة؟ أولئك الذين وعدوا بالتحدث عن كل ما يعرفونه إذا خالف نتنياهو القانون، كما وعد نداف أرغمان. أين هم جميع رؤساء الشاباك السابقين الذين قرروا فيما بينهم أنهم سيقولون الحقيقة إذا تمت إقالة رونين بار"؟.
وفي السياق، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي "الإسرائيلي" بن درور يميني، أن ردّ مكتب نتنياهو متوقَّع لم يحمل مفاجآت، إذ سارع إلى نفي مضمون الإفادة الخطية التي قدّمها رئيس جهاز الشاباك، واصفًا كل ما ورد فيها بأنه "كذب". دائرة نتنياهو الإعلامية سارعت للتقليل من أهمية الشهادة، باعتبارها "رواية في مقابل رواية". لكن الحقيقة أن ما كُشف لا يندرج تحت قضايا شخصية، ولا يتعلق بتحرش جنسي أو شهادات متضاربة، بل يتعلّق بجوهر النظام السياسي "الإسرائيلي".
الكاتب يميني يشير في مقالة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن احتمالية كذب بار تقترب من الصفر، إذ لطالما التزم الصمت، وربما أكثر من اللازم. تلميحات عديدة من رؤساء سابقين للشاباك أظهرت أن ما يدور خلف الكواليس خطير فعلاً. ورغم ذلك، لم يتحدث أحد منهم وهو ما اعتُبر شرفًا مهنيًا للجهاز.
لكن لماذا الآن؟ لماذا يختار بار هذا التوقيت تحديدًا لكشف المستور؟ يميني يجيب: لأن نتنياهو، ببساطة، تجاوز كل الخطوط الحمراء. جادل الكاتب بأن نتنياهو سعى لانقلاب ناعم من داخل السلطة، أمر بمراقبة متظاهري الاحتجاج، وتجاهل قرارات المحكمة، وسهّل تسلل نفوذ خارجي إلى مكتبه، وتلاعب بالعلاقات مع مصر لخدمة مصالح شخصية، وعطّل عمدًا جهود تحرير الأسرى.
بهذا السلوك، كما يرى الكاتب يميني، فإن نتنياهو يتصرّف كمَن فقد البوصلة، ويُضحّي بالمصلحة الوطنية لحسابات شخصية ضيّقة: سياسية، اقتصادية، وحتى فساد يُحيط به وبمقرّبيه.
يميني يستحضر تغريدة نتنياهو الشهيرة التي نُشرت بعد ثلاثة أسابيع فقط من أحداث السابع من أكتوبر. في وقت اجتمعت فيه مكونات الجمهور الإسرائيلي حول هدف واحد، قرر نتنياهو أن ينشر بيانًا يُحمّل فيه قادة الأذرع الأمنية مسؤولية التقصير، زاعمًا أنه لم يتلقَّ أي تحذير من نوايا حماس. الكاتب يصف هذه المزاعم بأنها "نصف حقيقة"، والنصف – كما هو معلوم – أخطر من الكذب الكامل. فصحيح أن الأذرع الأمنية للاحتلال قدّرت أن حماس مردوعة، لكنها في الوقت ذاته حذّرت من إمكانية تفجّر الأوضاع.
يميني يذكّر بمحطات أخرى تجاهل فيها نتنياهو التحذيرات الأمنية، وعلى رأسها تمرير الإصلاح القضائي المثير للجدل، رغم تنبيهات الجيش وأذرع الأمن من تداعياته. في 24 يوليو/ تموز 2023، حذّر وزير الحرب السابق يوآف غالانت من الانهيار، طالبًا من نتنياهو تقديم تنازل بسيط. لكن لا أحد استمع، وعندما اندلعت الحرب، لجأ نتنياهو إلى استراتيجية الهروب إلى الأمام، مدّعيًا أنه "لم يكن يعرف". فهل يُعقل، يتساءل الكاتب، أن نُصدّق رئيسًا يتهرّب من كل مسؤولية رغم تراكُم الدلائل والإفادات ضده؟.
ومع ذلك، لنفترض – فقط لنفترض – أن الأمر يتعلق بروايتين لا ثالث لهما. فماذا يمنع تشكيل لجنة تحقيق رسمية تكشف الحقائق وتفصل بين الزيف والصدق؟ رغم قناعته بأن نتائج اللجان في العادة تُهمل، يؤكد يميني أن ما يجري اليوم استثناء، "نحن لا نواجه فقط رئيس حكومة فاشل، بل شخصًا يُشتبه بأنه حاول التحريض على الأذرع الأمنية، بينما يتعرض مكتبه لاختراقات خارجية".
يميني لا يترك مجالًا للحياد: "من نُصدّق؟" يتساءل، ويجيب: "الشخص الذي قدّم إفادته للمحكمة ومستعدّ لاختبار كشف الكذب؟ أم من يرفض ذلك، ويهاجم الجميع؟". قادة الأذرع الأمنية، كما يقول، يتحمّلون مسؤولياتهم ولا يمانعون التحقيق، حتى لو طالهم. بينما شخص واحد فقط يرفض الخضوع للمساءلة؛ إنه نتنياهو.
يميني يختم مقاله بنداء صريح: إفادة رئيس الشاباك ليست مجرد تصريح إعلامي، بل زلزال سياسي. وإذا بقيت لدى نتنياهو ذرّة من الإحساس بالمسؤولية تجاه "الدولة"، فعليه ألا ينتظر المحكمة ولا الشارع، بل ينهض ويرحل.