خاص - شبكة قُدس: في يونيو 2018 قامت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) باختبار أحدث أنظمة طائراتها الانتحارية "روتم L"، وهي مصممة للاصطدام بالأهداف الموجودة في المناطق الحضرية. الاختبارات التي أجريت في جنوب فلسطين المحتلة ركزت على قدرة الطائرة على قتل مجموعة من الناس دفعة واحدة. تُعد طائرة "روتم L" نظام ذخيرة متجولة تكتيكي، مزودة بمنصة خفيفة متعددة المراوح، يمكنها العمل في البيئات المكتظة والمعقدة. يمكن تجميعها ونشرها خلال أقل من دقيقة بواسطة جندي واحد فقط، وتُعد طائرة هجوم انتحاري فتاكة، حيث تزن مع القنبلة التي تحملها حوالي 6.5 كغم، مما يسمح لجندي في كتيبة مشاة بحمل عدة طائرات من هذا النوع في آنٍ واحد.
تُدار الطائرة عن طريق حاسوب لوحي، وتعمل ببطارية، ولها مدى يصل إلى 10 كم، ويمكنها التحليق في الجو لمدة تتراوح بين 30 إلى 45 دقيقة قبل الانقضاض على الهدف بسرعة تصل إلى 92 كم/الساعة. كما يمكن للمُشغل إلغاء الهجوم في أي وقت، أو إعطاء أمر للطائرة بالعودة إلى نقطة الانطلاق. ويمكن للقوات استبدال الرأس الحربي – الذي يتكون من قنبلتين – بحمولة مخصصة للاستطلاع. وبفضل نظام التشغيل السهل وقدرتها على الإقلاع والهبوط عموديًا، فهي مناسبة لمهام الاستخبارات، والمراقبة، والاستطلاع، وكذلك للمهام القتالية التكتيكية ضد الأهداف الثابتة والمتحركة.
ولم تكن "روتم" الطائرة الانتحارية الوحيدة التي طورتها الشركة الإسرائيلية. فمن بين ما طورته الشركة أيضًا، طائرة "هاروب"، وهي طائرة صغيرة بدون طيار تُعد، وفقًا لموقع الشركة، مزيجًا من "قدرات الطائرة بدون طيار والصاروخ الفتاك". صغيرة بما يكفي لتفادي أنظمة كشف الطائرات المعادية، تقوم "هاروب" بالبحث والعثور وتحديد الأهداف ثم الهجوم وتدميرها أفقيًا وعموديًا.
كما طورت الشركة الذخيرة المتجولة التكتيكية "التنين الأخضر"، وهي مصممة للاستخدام من قبل وحدات القوات البرية الصغيرة وقوات العمليات الخاصة، وتمنحهم وعيًا ميدانيًا كبيرًا وقوة نارية عالية. تُدار بسهولة عبر لوحة تحكم إلكترونية بحجم جهاز لوحي، ومزودة بنظام توجيه كهروضوئي عالي الجودة، قادر على العمل ليلًا ونهارًا لجمع معلومات استخباراتية مرئية حول المناطق المحيطة بمدى يصل إلى 50 كم. وتعمل بمحرك كهربائي صامت، وتستطيع التحليق لمدة ساعتين. يمكن تخزينها ونقلها وإطلاقها من حاوية محكمة الإغلاق، ويمكن تحميل ما بين 12 إلى 16 وحدة من "التنين الأخضر" على مركبة صغيرة وإطلاقها عند الحاجة.
الطائرات الانتحارية والحروب الحديثة
لقد غيّرت التطورات التكنولوجية بشكل كبير طبيعة الحروب والمراقبة على نطاق عالمي. ومن أبرز تأثيرات هذه التطورات بروز الطائرات المسيّرة. وعلى الرغم من أن الطائرات المسيّرة قد استُخدمت في الاستطلاع العسكري وجمع المعلومات منذ الحرب العالمية الأولى، إلا أن النسخة الحديثة والمتقدمة منها وانتشارها الكبير بين المستخدمين المدنيين يُعد ظاهرة حديثة نسبيًا. ومع ذلك، فإن الاستخدام الأكثر طغيانًا لهذه التكنولوجيا يتمثل في الاستخدام العسكري وشبه العسكري للطائرات المسيّرة، كما يتضح من ازدياد عدد الدول والجهات غير الحكومية المنخرطة في هذا المجال. ولا تزال مسألة التوتر القائم بين استخدام الطائرات المسيّرة ومبادئ السلوك في أثناء الحروب بموجب القانون الدولي قضية بالغة الأهمية.
الطائرات المسيّرة هي أنظمة طيران تُدار دون وجود طيار على متنها، وتعتمد بدلاً من ذلك على التحكم عن بُعد من قبل مشغّل في مكان آخر، أو على رحلات مبرمجة مسبقًا. وتُعد الطائرات المسيّرة المسلحة جزءًا من فئة أنظمة الأسلحة التي لا تُصنَّف ذخيرةً بحد ذاتها؛ بل إن الصواريخ والقنابل المثبتة عليها هي التي تُعترف بها تقليديًا كأسلحة. وتندرج جميع الطائرات المسيّرة، سواء المسلحة أو غير المسلحة، تحت التصنيف الأوسع للطائرات بدون طيار. وقد انتشرت استخدامات الطائرات المسيّرة في المجالات العسكرية، وأُشركت في مهام الاستطلاع الجوي وكذلك كمنصات هجومية خلال الحرب السوفيتية-الأفغانية. لكن التحسينات اللافتة في أداء الطائرات المسيّرة وقدراتها ظهرت تحت نظام تكنولوجي عالي التطور قائم على تقنيات المعلومات. تعدّ الولايات المتحدة، الصين، روسيا، "إسرائيل"، والهند، من أبرز الدول التي تصنع الطائرات المسيرة.
الاحتلال يكثف من استخدام المسيرات الانتحارية
إن أحد الأسباب التي تدفع الاحتلال الإسرائيلي لتكثيف استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية، هو تكلفتها المنخفضة مقارنة بأدوات الإبادة الأخرى التي يستخدمها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. فالطائرات المسيرة الانتحارية تصنّع لدى الاحتلال الإسرائيلي هي وذخيرتها، وهو ما يعني تكلفة أقل، وأيضا يلغي الحاجة لاستيراد الأسلحة والذخائر.
لقد تعرضت الدول التي تبيع الاحتلال الذخائر للانتقادات ورفعت بعض القضايا ضدها، وهو ما دفع بعضها للتراجع في ظل مطالبات النخب والرأي العام في هذه الدول بحظر تصدير الأسلحة للاحتلال.
وما يميز هذا النوع من الطائرات، عدم الحاجة إلى طيارين للقيام بمهام الاستهداف، إذ يستطيع جندي عادي جرى تدريبه على استخدام الطائرات المسيرة، تشغيلها وتوجيهها. بعيدا عن سياق حرب الإبادة، فإنه في مثل هذه الحالة يتيح استخدام هذه الطائرات لجنود عاديين استخدام الطائرات وتوجيهها برقابة أقل من تلك التي تفرض على الطيارين، إذ أن الطائرات المسيرة تصنف كأدوات دفاع (تستخدم في المهام القتالية البرية) بالإضافة لتصنيفها أيضا كأدوات هجوم، بينما الطائرات الحربية المأهولة تصنف كأدوات هجوم والمحاذير والمحددات التي تنطبق على عملها أكبر من المسيرات.
إن انتشار هذا النوع من الطائرات في سماء غزة بكثافة، إذ يستخدم بعضها في مهام الاستطلاع والتجسس، يخلق حالة مستمرة من عدم الشعور بالأمان لدى المقاومين، وهو ما يفترضه الاحتلال الإسرائيلي في هذه الحالة، حيث أن الطائرة المسيرة قد تتحول في ثوان معدودة إلى أداة هجومية.
وتشير دراسات قانونية حديثة إلى أن استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية يثير جملة من الإشكاليات القانونية، أبرزها: صعوبة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، إذ تواجه الطائرات المسيرة تحديات كبيرة في التمييز الدقيق بين المقاتلين والمدنيين، نظراً لاعتمادها على أنظمة استشعار وتحليل بيانات قد لا تكون دقيقة دائماً، مما يزيد من احتمالية وقوع إصابات بين المدنيين. وأيضا انعدام الشفافية في العمليات؛ حيث غالباً ما تُنفذ عمليات الطائرات المسيرة في إطار من السرية التامة، مما يعيق جهود التحقق من مدى التزام تلك العمليات بأحكام القانون الدولي الإنساني، ويطرح تساؤلات حول شرعيتها وأخلاقيتها. وكذلك، غياب آليات فعالة للمساءلة، إذ يُعد من التحديات البارزة صعوبة محاسبة الجهات التي ترتكب انتهاكات عبر استخدام الطائرات المسيرة، سواء كانت دولاً أو جهات فاعلة من غير الدول، وذلك نتيجة الغموض القانوني وضعف آليات الرقابة والمساءلة الدولية. وهذه الإشكاليات القانونية يتعامل معها الاحتلال كمخارج للتنصل من مسؤوليته عن عمليات القتل الجماعي، فقد استخدم الطائرات الانتحارية ضد خيام النازحين على وجه الخصوص.
في مقابل ذلك، تحاول الماكينة الإعلامية لجيش الاحتلال ومعها الإعلام الإسرائيلي التأكير على أن الاحتلال يمتلك طائرات تستطيع تحديد ملامح الوجه وتمييز الشخص المستهدف. قد يكون هذا صحيحا، لكنه يستخدم كذريعة لاستهداف تجمعات المدنيين تحت شعار "الدقة" و"الاغتيال المستهدف"، بينما تظهر جثث الأطفال المتفحمة بعد كل هجمة لهذا النوع من الطائرات أن المقصود هو الإبادة، والتضليل الممارس والدعاية الممنهجة التي تروج لدقة هذه الطائرات، مزيد من الإبادة.