تستعد منظمات الهيكل المتطرفة لأول مواسم العدوان الكبرى على المسجد الأقصى خلال العام 2025، حيث تقول القراءة في تاريخ عدوانها منذ فتح باب الاقتحامات لها ولأنصارها في عام 2003 أنها كانت تركز عدوانها في أربعة مواسم كبرى في كل عام:
أولها هو الفصح العبري الذي يتزامن عادة مع شهر نيسان/ أبريل بالتقويم الميلادي ومدته سبعة أيام، يليه موسم عدوان الذكرى العبرية لاحتلال القدس وهي مناسبة قومية صهيونية تحل في عادة في أواخر شهر أيار/ مايو الميلادي ومدتها يوم واحد يشهد اقتحام الأقصى صباحاً ومسيرة الأعلام مساء، تليها الذكرى التوراتية المسماة "ذكرى خراب الهيكل" وعادة ما تتزامن مع النصف الثاني من شهر تموز/ يوليو الميلادي ومدتها يوم واحد وتحاول منظمات الهيكل خلالها فرض أكبر اقتحام عددي للمسجد الأقصى على مدار السنة، ويختم موسم الاقتحامات الكبرى على الأقصى مع موسم الأعياد الطويل المتزامن عادة مع شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين أول/ أكتوبر ويتكون من ثلاثة أعياد متتالية على مدى 20 يوماً تبدأ برأس السنة العبرية وتنتهي بـ "عيد العرش" العبري، وعادة ما يكون هذا الموسم ذروة العدوان السنوي والمناسبة السنوية الأخطر للعدوان على الأقصى نظراً لطوله ولكثافة الأعياد فيه، ولترتيبه في السنة الميلادية الذي يسمح له أن يشكل قطاف ما جرت مراكمته على مدى مواسم العدوان الأربع.
يمتد موسم العدوان السنوي على المسجد الأقصى على ستة أشهر إذن، تفتتح بشهر 4 الميلادي وتنتهي بشهر 10 الميلادي، وتتزامن مع فصول الربيع والصيف ما يسمح بتكثيف جهود الحشد والعدوان خلالها، ورغم محاولات منظمات الهيكل تمديدها بإدخال بعض المناسبات التوراتية الهامشية على قائمة الاقتحامات السنوية مثل "عيد المساخر (البوريم)" العبري في شهر آذار/ مارس و"عيد الأنوار (الحانوكاه)" العبري في شهر كانون أول/ ديسمبر لزيادة نطاق نشاطها السنوي وزيادة مناسبات العدوان على الأقصى، إلا أن المناسبات الأربع أعلاه تبقى المناسبات الأكبر للعدوان، واليوم إذ يقترب "عيد الفصح" العبري الذي يشكل فاتحة موسم العدوان السنوي، وأحد المناسبات الأربع الكبرى للعدوان على المسجد الأقصى فلا بد من الوقوف عنده.
ما هو الفصح العبري؟
الفصح العبري هو العيد الذي يؤرخ لخروج جماعة اليهود القديمة من التيه، وهداية الرب لهم إلى الأرض المقدسة وفق الأسطورة التوراتية، ويمتد على مدى أسبوع من الزمن يبدأ في هذه السنة مع غروب شمس السبت 13-4-2025 ويستمر حتى غروب يوم السبت 19-4-2025، لتتخلله بذلك خمسة أيام من الاقتحامات من الأحد إلى الخميس حيث يغلق باب الاقتحامات يومي الجمعة والسبت، ويعد الفصح التوراتي أحد الأعياد التي تعتبرها التوراة "أعياد الحج" وهي أعياد تقول الأسطورة التوراتية إن الاحتفال بها كان مركزه الهيكل المزعوم، وإنها أعياد يتجمع فيها اليهود فيه... وهذه الأعياد هي "عيد الفصح" و"عيد الأسابيع" و"عيد العرش".
وقد تراجعت مكانة عيد الأسابيع الديني لصالح مناسبة قومية صهيونية مستحدثة هي الذكرى العبرية لاحتلال القدس، ورغم مكانته الدينية المتقدمة فقد بات اليوم عيداً هامشياً بينما باتت الذكرى العبرية لاحتلال القدس والتي تسبقه بأسبوع هي المناسبة المركزية، وهو ما يوضح الطبيعة الانتقائية للتعامل مع المناسبات اليهودية والصهيونية، والمرتبطة إلى حد بعيد بوظيفتها الاستعمارية.
ويتمحور الاحتفاء بالفصح العبري حول مفهومين: الأول هو المائدة والثاني هو القربان؛ أما في المائدة فيستبعد العجين المخمر منها وتخرج الخميرة من البيوت ويعد فطير خاص غير مخمر يقتصر الطعام عليه، مع بعض النباتات الخضراء والخل، كناية عن الصعوبات التي مرت بها الجماعة اليهودية في سيناء، ويشرب معها النبيذ بكثرة، وخلال الطعام وشرب الخمر تُحكى قصة التيه في سيناء ثم الخروج من مصر كما ترويها التوراة، وتقرأ خلالها الأدعية ومقاطع التوراة ضمن ترتيب محدد يسمى "السيدور"، ويختصر الرمز لهذا العيد عادة بالخبز والخمر.
أما المركز الثاني للفصح العبري وهو القربان فيقوم على ذبح حمل أو جدي صغير ثم سلخه وشيّه بالنار؛ وتقول الأسطورة التوراتية إن الجماعة اليهودية جربت كل شيء حتى يخرجها الرب من التيه حتى قدمت القربان، وعندما قدمته كانت دماءه سبب رضى الرب وإخراجه لهذه الجماعة من مصر وإرشادها إلى الأرض المقدسة، وتزعم التوراة إن طقس القربان بات يؤدى في الهيكل بعد ذلك باعتباره محل حلول روح الرب وسكنها وفق التوراة، وبذلك كان ذروة عبادة الجماعة اليهودية القديمة.
المعنى الخلاصي والسياسي لقربان الفصح:
منذ صعود الصهيونية الدينية وبدء تأسيسها لمنظمات الهيكل كواجهة مكرسة لتغيير هوية المسجد الأقصى والعمل على تجسيد أسطورة الهيكل، كان الفصح العبري عيداً مركزياً في عملها لسببين: الأول ارتباطه الوثيق بالهيكل باعتباره كان محل تقديم القربان لروح الرب وفق الأسطورة التوراتية، أما المعنى الثاني والأهم هو قيمته الخلاصية، إذ أن دم القربان وفق الرواية التوراتية كان بذاته مصدر رضى الرب وأمره بالخلاص للجماعة اليهودية الأولى من تيه السيناء، فإن جماعات الهيكل تتطلع اليوم إلى الخلاص الثاني –والنهائي باعتقادها- للجماعة اليهودية المعاصرة، بأن يرسل الرب المسيح المنتظر وينتصر لليهود و"يخضع لشعبه أعناق الأمم"، وقربان الفصح تحديداً يحمل تلك المكانة الخلاصية إذ يمكن أن تكون المدخل لهذه المعجزة، ولذلك تتعامل هذه المنظمات مع محاولات ذبحه داخل المسجد الأقصى بجدية، وتمهد لها منذ سنوات.
انطلاقاً من اعتقادها هذا تقوم تعقد منظمات الهيكل محاكاة لطقوس ذبح قربان الفصح منذ 2014 وعلى مدى 11 عاماً خلت، بدأت فيها من الضفة الغربية ثم أخذت تتنقل في مختلف أنحاء القدس من جبل الزيتون إلى القصور الأموية ثم سطح سوق اللحامين والساحة المقابلة لكنيس الخراب في حارة الشرف وصولاً إلى الحديقة الآثارية في القدس غرب باب المغاربة في سور المدينة على مدى عامي 2022-2023.
وقد تقاطع الفصح العبري مع الأسبوع الثاني من شهر رمضان في عامي 2022-2023، وكان مصدراً لتصعيد كبير خلاله شهد معركة الاعتكاف في الأخيرة؛ لكنها أعادتها إلى منطقة مجهولة في الضفة الغربية خلال الحرب العام الماضي 2024 وخفضت كثيراً من تغطيتها الإعلامية.
مستجدات السعي لذبح القربان لهذا العام:
كما في كل عام، دعت منظمة "عائدون إلى جبل الهيكل" أنصارها إلى محاولة إدخال القرابين إلى المسجد الأقصى على مدى أسبوع يسبق بدء الفصح العبري، وقد سجلت حتى الآن محاولتان لتهريبه، في غياب الوعد بالمكافأة المالية والذي تنشره المنظمة كل عام منذ 2021، كما أن ناشطيها نشروا ملصقات خيالية لوزير الأمن القومي إيتمار بن جفير وهو يحمل قرباناً في الهيكل وقد أقيم مكان الأقصى، وأخرى للمذبح وقد بني في مكان قبة السلسلة شرق المسجد الأقصى.
أما الموعد التوراتي لمحاولات فرض القربان في الأقصى فعلياً فهو بعد عصر يوم السبت 13-4-2025، باعتباره الموعد المحدد توراتياً لذبح القربان، ويرى حاخامو الصهيونية الدينية أن طقس ذبح القربان يبقى في موعده حتى وإن تقاطع مع عطلة السبت.
في الخلاصة،
يشكل عدوان الفصح العبري أحد أربع أعياد كبرى تتخذ منصة للعدوان على المسجد الأقصى المبارك، وفاتحة هذه المواسم للسنة الميلادية، والأقصى خلاله مهدد على مدى أسبوع كامل باقتحامات كبرى ومحاولات لفرض الطقوس التوراتية فيه من قبيل السجود الملحمي والصلوات الجماعية وارتداء ثياب الكهنة وفرض إدخال المقتنيات التوراتية؛ كما أنه مهدد بمحاولات فرض القربان الحيواني فيه، مع تركز الخطر على الجهة الشرقية من المسجد الأقصى عند قبة السلسلة تحديداً، وقد سبق لعدوان الفصح أن وضع المنطقة على حافة الحرب في 2022-2023، وهو مرشح للتجدد اليوم بكامل الزخم.