خاص - شبكة قُدس: لم يسلم المسجد الإبراهيمي في الخليل من تصعيد إسرائيلي غير مسبوق منذ 7 من أكتوبر عام 2023، ضمن محاولات فرض السيطرة الكاملة عليه، كان أحدثها وضع أقفالٍ على جميع أبوابه وغرفه الداخلية في القسم المستولى عليه من قبل الاحتلال، وما تبعه من إبعاد مدير المسجد، معتز أبو سنينة، ومعه موظفان اثنان أحدهما التقط صورًا للأقفال. وصدر قرار الإبعاد بحقّهم لمدّة 15 يومًا مع غرامة مالية والاعتقال حال مخالفة القرار؛ وذلك على خلفية احتجاجهم وتوثيقهم انتهاكات الاحتلال بحقّ المسجد.
وبحسب مصادر خاصّة لـ شبكة قدس، فإن الأيام الحالية تعتبر الأخطر على المسجد الإبراهيمي نظرًا لعدم وجود مديرٍ يتابع أوضاعه من مكتبه داخل المسجد طوال ساعات النهار. وأشار المصدر إلى أنّه من المفترض أن يسدّ نائب مدير المسجد مكانه، إلا أنه منذ 4 سنوات لم يعيّن أحد في هذا الموقع.
وتعتبر إدارة المسجد الإبراهيمي، جزءًا من دوائر مديرية الأوقاف التي يقع مقرّها في البلدة القديمة بالخليل، قرب المسجد الإبراهيمي، وذلك للبقاء في أقرب مكان يتابع أوضاع المسجد ويسهّل عليهم التواصل مع الارتباط الفلسطيني فيما يخصّ أي تجاوز إسرائيلي. ووفق المصدر فإن مدير مديرية الأوقاف هو المكلّف في متابعة أوضاع المسجد بدرجة أولى في هذه الحالة، إلا أنه منذ نحو شهرين لا يوجد مدير للأوقاف داخل الخليل.
ولفت المصدر إلى أن ذلك يعود لخلاف بين الإدارة العامة لوزارة الأوقاف في رام الله، وبين إقليم حركة فتح في الخليل، حيث صدر قبل 3 أشهر قرار بنقل مدير مديرية الأوقاف في الخليل حينها "غسان الرجبي" إلى مديرية شمال الخليل، وتعيين مدير مديرية يطّا جمال أبو عرام بدلًا عنه (علمًا أن أبو عرام كان مدير الأوقاف في الخليل قبل 4 سنوات). لكن هذا القرار أغضب إقليم حركة فتح وسط الخليل الذي أوعز إلى الرجبي بعدم تطبيق القرار، كما أرسل الإقليم تهديدًا لأبو عرام حال وصوله إلى مكتب الأوقاف في المدينة والمباشرة في عمله من هناك.
وتكمن خطورة الوضع في المسجد الإبراهيمي حاليًا، بحسب المصدر، من كونه بلا مدير يتابع أحواله عن قرب، نظرًا لقرار إسرائيلي ينصّ على إبعاد مدير المسجد معتز أبو سنينة الذي تعرّض سابقًا للاعتداء والتهديد من قبل ضبّاط الاحتلال المشرفين على المسجد، ولغياب مديرًا لمديرية الأوقاف بسبب خلافات بين "فتح ووزارة الأوقاف"، ما يعني عدم وجود مرجعية للموظفين في المكان سوى المدير المكلّف بالأوقاف في الخليل، جمال أبو عرام الذي يضطر لمتابعة المسجد عن بعد عبر المكالمات الهاتفية. وبالتالي فإن أي انتهاكٍ أو تجاوزٍ بحقّ المسجد لن يكون ضمن سياق المتابعة الطبيعية، ما يفتح مخاوف من تنفيذ أي خطوات تمهّد لتجاوز صلاحيات الفلسطينيين في المسجد.
ويأتي إبعاد مدير المسجد، وخلاف إقليم فتح مع وزارة الأوقاف، وسط انتهاك بحقّ المسلمين في المسجد خلال شهر رمضان المبارك حين رفضت سلطات الاحتلال تسليم جميع مرافق المسجد بالكامل للمسلمين في أيام الجمعة وليلة القدر وعيد الفطر. وذلك في مخالفة صريحة للبروتوكول المعمول به منذ عام 1994 الذي ينصّ على أنّه يحقّ للمسلمين استلام جميع مرافق المسجد والتصرف فيه 10 أيام من كل عام في مناسباتهم الدينية، وهي: "أيام الجمعة من شهر رمضان، ليلة القدر، عيد الفطر، عيد الأضحى، ذكرى ليلة الإسراء والمعراج، ذكرى المولد النبوي، ورأس السنة الهجرية". بينما يستبيح اليهود المسجد بالكامل 10 أيام محدّدة في أعيادهم من كل عام.
ويعتبر هذا البروتوكول جزءًا من القرارات الإسرائيلية الصادرة بحقّ المسجد من "لجنة شمغار" التي شكّلها الاحتلال في أعقاب المجزرة التي ارتكبها المستوطن المتطرف باروخ جولدشتاين فجر الـ 25 من فبراير عام 1994 والتي ارتقى على إثرها 29 مصليًا وأصيب 150، ثمّ تبعت المجزرة هبّة شعبية ارتقى على إثرها 20 شهيدًا. وأصدرت حينها لجنة شمغار توصيات تقضي بتقسيم المسجد لأن تكون 63% من مساحته تحت سيطرة الاحتلال واعتباره كنيسًا يهوديًا، و37% مع المسلمين. إضافة إلى توصيات أخرى، باتت قرارات مطبقة لاحقًا منها منع رفع أذان المغرب بشكل قطعي، وفي أيام السبت، وإقامة بوابات إلكترونية على مداخل المسجد ونشر قوات من جيش الاحتلال.
وتعتبر توصيات لجنة شمغار على أنها الطريق الذي يمهّد للاستيلاء الكامل على المسجد بهدف تحويله إلى كنيس يهودي، وهي توصيات لم تكن منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية طرفًا فيها، لكنها عبر اتفاقية الخليل "بروتوكول إعادة الانتشار عام 1997" أقرّت بالوضع القائم في مناطق H2 التي يسيطر عليها الاحتلال أمنيًا بالكامل، وبالتالي تعتبر السلطة الفلسطينية موافقة ضمنيًا على القرارات التي التزمت بها طوال السنوات الماضية، ولم تلتزم سلطات الاحتلال بها.
ولم تتوقف سلطات الاحتلال عن مخالفة البروتوكول المعمول به منذ 1994، حيث زادت عدد أيام سيطرة اليهود الكاملة على المسجد في العام الماضي إلى 12 يومًا. كما استمرت عمليات الحفريات في محيطه وخاصّة في "منتزه البلدية" لتمديد خطوط كهرباء، علمًا أن هذه الخطوط ضمن صلاحيات بلدية الخليل. وفرض الاحتلال طوال الأشهر الماضية سياسة تشديدٍ وحصار للحرم، حيث منع في أيام الجمعة من شهر رمضان من هم في سنّ العشرينات من دخول المسجد، ونفّذت سياسة إبعاد لبعض موظّفيه.
كلّ هذه الانتهاكات لم تحدث من قبل بحقّ المسجد طوال 31 عامًا، وسط غياب للتغطية الإعلامية، وعدم تنفيذ برنامج دعم واضح له من قبل الجهات الرسمية التي اكتفت بعمل مؤتمر أمس، للمرجعيات الدينية استنكرت فيه انتهاكات الاحتلال بحقّ المسجد. وبحسب مصدر شبكة قدس الذي عمل في مديرية الأوقاف والمسجد الإبراهيمي سابقًا، فإن المرجعيات الدينية الثلاث "قاضي القضاة محمود الهباش، ووزير الأوقاف محمد نجم، والمفتي العام محمد حسين" لم يزر أحدهم المسجد الإبراهيمي خلال كلّ مجريات التهويد التي تحدث بحقّ المسجد. كما أنّ إقليم حركة فتح الذي أعلن مرارًا أنه يتابع تنفيذ أنشطة وفعاليات حاشدة لتعزيز صمود الناس والمصلين في المسجد عبر لجنة مشكّلة من الإقليم "لجنة حماة المسجد الإبراهيمي"، لم تنفّذ اللجنة أي فعاليات حاشدة نحو المسجد طوال الفترة الماضية.