خاص - شبكة قُدس: على هامش المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس إثر إلغاء قانون مخصصات الأسرى والشهداء والجرحى، ظهر اسم أحمد مجدلاني في مناقشات بين عدد من الأسرى الحاضرين، ومرة أخرى، وكما في كل مرة، يظهر اسم الرجل في مكان مشبوه. وحينما انتقل بعض الأسرى في حديثهم من خطورة المبدأ المتمثل في إلغاء قانون كهذا وما له من تبعات مادية ومعنوية ووطنية عامة إلى التفاصيل الدقيقة، تساءل أحدهم قائلاً: "هل يُعقل أن نرسل نساءنا وبناتنا إلى مؤسسات يديرها مجدلاني؟!"
يشير هذا السؤال وغيره من الأسئلة التي تثار حول مجدلاني إلى مدى تشكيك الفلسطينيين في شخصية لعبت لسنوات دورًا هامًا في إذلال الفئات الفقيرة رغم مزاعمه بأنه "يساري" يميل إلى دعم هذه الفئات. في أبريل 2021، تصدّر مجدلاني مواقع التواصل الاجتماعي في فلسطين بعد مهاجمته للعائلات الفقيرة التي تتلقى مساعدات من وزارة التنمية الاجتماعية.
مجدلاني الذي قال عن المساعدات التي تقدّم للعائلات الفقيرة: "هذه مكرمات من الرئيس ولا أحد يفرض علينا موعد صرفها"، لم يكن صادقًا، فالعائلات التي تقدّر بـ 81 ألفًا في قطاع غزة و35 ألفًا في الضفة، يساهم الاتحاد الأوروبي بنسبة كبيرة في تمويل مساعداتها، لكن بالنسبة للمجدلاني، هذه "مكرمة الرئيس". اليوم، يخشى الأسرى أن يتحكم شخص كهذا في رقابهم وفي عائلاتهم، وهو الذي يرى الوطن بكل ما فيه "ملكا للرئيس".
مناصب مجدلاني في السلطة والمنظمة
عمل مجدلاني مديرًا في دائرة العلاقات القومية والدولية لمنظمة التحرير الفلسطينية بين عامي 1994 و1995، ورئيسًا لمجلس إدارة جمعية الاقتصاديين الفلسطينيين بين عامي 2002 و2008. لاحقًا، عُين في منصب وزير دولة لشؤون الجدار والاستيطان في حكومة أحمد قريع الثالثة، وسفير دولة فلسطين لدى رومانيا بين مارس 2008 ومايو 2009.
في مايو 2009، تسلّم حقيبة وزارة العمل في حكومة سلام فياض الثانية، واستمر في المنصب في حكومة فياض الثالثة، وحكومتي رامي الحمد الله الأولى والثانية حتى 2 يونيو 2014. خلال حكومة سلام فياض الثانية، كُلف بمهام وزير الزراعة بين أغسطس 2011 ومايو 2012.
عيّنه محمود عباس في عام 2018 رئيسًا لمجلس إدارة هيئة التقاعد الفلسطينية، واستمر حتى 1 نوفمبر 2020. عُين وزيرًا للتنمية الاجتماعية في حكومة محمد اشتية في 13 أبريل 2019، واستمر حتى 31 مارس 2024.
في 8 أغسطس 2022، أعاد الرئيس الفلسطيني تشكيل مجلس أمناء جامعة الاستقلال، وعيّنه عضوًا فيه. وفي 10 أغسطس 2022، انتخبه أعضاء المجلس الجديد نائبًا لرئيس المجلس. في 28 مارس 2024، عُين رئيسًا لمجلس أمناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي، وهي المؤسسة التي تدير المساعدات التي تقدّم للأسرى. في 2 أبريل 2024، شَكّل عباس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية لتوثيق تاريخ فلسطين وحفظ الذاكرة التي تأسست في 1 فبراير 2024، وعينه عضوًا في مجلس الإدارة.
موقف مجدلاني من المقاومة
بعد إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، نشر مجدلاني مشاركة ساخرة على حسابه في فيسبوك من إعلان فصائل المقاومة الانتصار على خيارات الاحتلال الإسرائيلي. بعض التعليقات دعته لمراعاة الدم النازف الذي لم يجف بدل السخرية من المقاومة وما قدمته. يلخص منشور مجدلاني موقفه النهائي من المقاومة؛ فهو من صرّح داعمًا لملاحقة أجهزة أمن السلطة للمقاومين في جنين وطولكرم، وكان شبه ناطق باسم الحملة الأمنية هناك، وقبلها كان قد وجه اتهاما للمقاومة في غزة بوصفها حركات "إرهاب".
في 18 يناير 2024، وبينما كانت جرائم الاحتلال تفوق الخيال في قطاع غزة، قال مجدلاني في مقابلة مصورة مع قناة الحدث إن "حركة حماس منظمة إرهابية بشكلها الحالي وبرنامجها الحالي وخطابها السياسي الحالي، وقد تكون جزءًا من الحل في حال تخلت عن المقاومة المسلحة". وتحدث حينها عن ضرورة تخلي الحركة عن الكفاح المسلح، واعتبر أن هذا الشرط يمكنه تغيير عقيدة حماس.
ومع انطلاق الحملة العسكرية للسلطة الفلسطينية ضد كتيبة جنين ومجموعات المقاومة في شمال الضفة الغربية، صرّح مجدلاني ضد المطاردين لقوات الاحتلال، وقال إنهم "يخدمون أجندات خارجية". واعتبر أن ظاهرة مجموعات المقاومة هي "فلتان أمني" مغلف بشعارات المقاومة، واعتبر أنها المسؤولة عن دمار البنية التحتية والاقتحامات، وكان بذلك يخلي مسؤولية الاحتلال عن جرائمه، ويحمّلها لمقاومين قد يستشهدون في أي لحظة.
جينات التواطؤ.. من الأب للأبناء
في 8 أغسطس 2021، فجر اللقاء الذي جمع مجدلاني مع شخصيات إسرائيلية في رام الله من بينهم صحفيون موجة انتقادات في الأوساط الفلسطينية. لم يكتف مجدلاني بلقاء الصحافيين الإسرائيليين والحديث إليهم، بل وكرّمهم على جهودهم. لم يُبال بما أثير حول اللقاء ولم يصدر حتى توضيحًا، فهو لا يرى الناس ما دام في "ظهره عباس"، علّق أحد الناشطين حينها.
لكن مجدلاني كما يبدو، يوّرث ثقافة التطبيع. في 19 يناير 2022، أثارت تصريحات ابنته ندى ضجة واسعة في الشارع الفلسطيني، حينما دعت خلال حضورها جلسة بالأمم المتحدة كمديرة لمنظمة "إيكوبيس" إلى جانب مدير الفرع الإسرائيلي للمنظمة، صفقة تتيح التطبيع مع دول عربية وأفريقية عبر مشاريع تعتمد على تقنيات زراعية من الاحتلال.
تشغل ندى منصب مدير منظمة "إيكوبيس" التطبيعية، وقد اتهمت بالتواطؤ مع السفير الإسرائيلي، حيث دعت إلى التعاون الإقليمي لمحاربة تغير المناخ من خلال ما يعرف بـ "الصفقة الخضراء الزرقاء"، في حين حملت مسؤولية التلوث البيئي في قطاع غزة إلى الانقسام ولم تذكر الاحتلال.
في أغسطس 2021، أصدرت اللجنة الوطنية لمقاطعة الاحتلال "BDS" بيانًا استنكرت فيه ما تقوم به ندى مجدلاني من تورط كامل في التغطية على جرائم الاحتلال، وتبنيها اتفاقية "أبراهام" التطبيعية، من خلال نشاطها كمديرة بمؤسسة السلام البيئي بالشرق الأوسط الغارقة في التطبيع مع الاحتلال.
من الفقراء للأسرى.. مجدلاني يجيد صنعة "الإذلال"
كما أن عباس يستمع جيدًا لمجدلاني، يحاول الأخير أن يتقمص شخصية الأول. في أبريل 2021، فصل مجدلاني أعضاء في اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي التي يتزعمها لأنهم لا يروقون لمزاجه. كان هذا القرار قد سبقه فصل عباس لعضو لجنة مركزية فتح ناصر القدوة، حينها كانت العناوين الرئيسية حول الخبر تشير إلى تبنيه لطريقة عباس. أما اليوم، فها هو عباس يتبنى رأيه ومقترحه ونظرته فيما يتعلق برواتب الأسرى والشهداء والجرحى.
مجدلاني الذي كرّس جهده في وزارة التنمية الاجتماعية لإذلال الفقراء، يتطلع اليوم لدور شبيه تجاه الأسرى من خلال المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي، والتي بحسب مرسوم إنشائها، تعنى بالأسر الفقيرة والمهمشة. يُضاف اليوم للفقراء والمهمشين الأسرى الفلسطينيين، الذين سيصرف لهم مجدلاني مخصصات حسب احتياجاتهم الاجتماعية بعد الاطلاع على التفاصيل الدقيقة لوضعهم الاجتماعي. سيحدد هو كم يصرف، ومتى يصرف، وكما قال يومًا عن مساعدات الفقراء إنها "مكرمة من الرئيس لا أحد يحدد لنا متى نصرفها أو يجبرنا على صرفها"، فإن قصة الأسرى قد تصبح من أكثر قصص هذا الوطن مأساوية وتراجيدية، استغلالًا وانتقامًا منهم ومن خياراتهم التي لا يتبناها مجدلاني الذي يرى أن المقاومة إرهاب وعنف مقنّع.