ترجمة خاصة - شبكة قدس: في تطور غير مسبوق، كشف رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الجديد، إيال زامير، عن العدد الحقيقي للقتلى الإسرائيليين، حيث أشار إلى أن 5942 فردا انضموا إلى قائمة "الأسر الثكلى" في عام 2024، مع استيعاب أكثر من 15 ألف مصاب في أنظمة التأهيل، وفق ما نقلت قناة الجزيرة عن القناة 12 العبرية.
والعائلة الثكلى تضم: أرملة، والد، ابن، شقيق، خطيبة، ووصي، ويحق لهم الحصول على الدعم المخصص للعائلات الثكلى.
هذه التصريحات تتناقض بشكل صارخ مع الأرقام الرسمية التي أصدرتها حكومة الاحتلال، ما يعيد إلى الواجهة قضية التضليل الإعلامي الإسرائيلي وإخفاء الخسائر العسكرية بهدف التأثير على معنويات الجيش والجبهة الداخلية.
إخفاء الخسائر: سياسة ممنهجة لطالما تبنت إسرائيل سياسة إخفاء الخسائر في معاركها وحروبها، معتبرة أن الإفصاح عن الأعداد الحقيقية للقتلى والجرحى قد يؤثر سلبًا على الروح المعنوية للجنود والسكان، مما قد يعرقل أهدافها العسكرية والسياسية. تعمد القيادة العسكرية الإسرائيلية إلى تبرير هذا النهج بأن كشف الخسائر الحقيقية قد يؤدي إلى خلق حالة من السخط الشعبي، وبالتالي التأثير على أداء الجيش وإمكانية تحقيق الأهداف المرجوة.
هذه السياسة ليست جديدة؛ فهي مدعومة بإجراءات رقابية صارمة، تشمل تدخلات مباشرة في وسائل الإعلام المحلية، ومنع نشر أخبار قد تضر بـ"الأمن القومي"، فضلًا عن فرض رقابة عسكرية صارمة تقودها شعبة الاستخبارات العسكرية.
دور الرقابة العسكرية في التعتيم الإعلامي تُعد الرقابة العسكرية في إسرائيل إحدى الأدوات الرئيسة المستخدمة في إخفاء الخسائر، إذ تُدار هذه الرقابة من قبل "الرقيب العسكري الرئيسي" ضمن شعبة الاستخبارات العسكرية، وتفرض على وسائل الإعلام الإسرائيلية نمطًا محددًا من التغطية الإعلامية. وبحسب تقارير صادرة عن "حركة حرية المعلومات" الإسرائيلية، تدخلت الرقابة العسكرية خلال العدوان على غزة عام 2014 في أكثر من 3222 مادة إعلامية، ومنعت نشر 597 مادة نهائيًا بدعوى التأثير السلبي على الأمن والمعنويات العامة.
كما أشارت بيانات موقع "العين السابعة"، المتخصص في الرقابة الإعلامية، إلى أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية تدخلت في 10 آلاف مادة إعلامية بين عامي 2016 و2021، خاصة خلال معركة "سيف القدس". ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، باتت الرقابة الإسرائيلية تعتمد أساليب جديدة، مثل تجنيد مجموعات شبابية ونشطاء للإبلاغ عن أي معلومات قد تتعارض مع الرواية الرسمية، بما في ذلك منع نشر صور الدمار أو أماكن سقوط الصواريخ أو حتى نعي أهالي القتلى لذويهم.
أبعاد التضليل الإعلامي الإسرائيلي يعتمد الاحتلال الإسرائيلي على أساليب التضليل الإعلامي ضمن ما يعرف بـ"معركة الوعي"، وهي استراتيجية تهدف إلى التأثير على إدراك العدو والجمهور المحلي على حد سواء. في هذا الإطار، يتم استخدام معلومات مضللة لإيهام المقاومة بعدم فاعلية عملياتها العسكرية، ما قد يؤدي إلى إضعاف روحها القتالية. في الوقت ذاته، يهدف التعتيم على الخسائر إلى طمأنة المستوطنين وتقليل شعورهم بالخوف أو اليأس من استمرار الحرب.
كما أن التضليل الإعلامي يلعب دورًا في رسم صورة الجيش الإسرائيلي كقوة لا تُقهر، وهو ما يعزز من قدرة الحكومة على إقناع الجمهور بجدوى الاستمرار في المعارك رغم تكلفتها البشرية والمادية العالية.
انعكاسات إخفاء الخسائر على الجيش و"المجتمع الإسرائيلي" إخفاء الخسائر ليس مجرد سياسة إعلامية، بل له تأثيرات مباشرة على الجيش و"المجتمع الإسرائيلي". فمن جهة، يخشى الاحتلال من أن يؤدي كشف الأرقام الحقيقية للقتلى والجرحى إلى تراجع الحماس للالتحاق بالخدمة العسكرية، وهو ما تعكسه نتائج استطلاع أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" في عام 2021، حيث أظهر أن 10% فقط من الشباب الإسرائيليين يفضلون الخدمة العسكرية، بينما يفضل البقية العمل في القطاع الخاص.
إضافة إلى ذلك، فإن التستر على الخسائر يهدف إلى الحد من ظاهرة "الهجرة العكسية"، التي تتزايد بشكل ملحوظ خلال فترات الحروب. فكثير من المستوطنين، خاصة القادمين الجدد، يفضلون مغادرة إسرائيل في أوقات الأزمات العسكرية، ما يشكل تحديًا ديموغرافيًا خطيرًا على الدولة العبرية.
التكتيكات العسكرية الإسرائيلية لإخفاء الخسائر يستند الاحتلال الإسرائيلي إلى النظرية العسكرية التي طرحها الجنرال الأمريكي والمنظّر العسكري "باول كورنيش" في كتابه "الحقيقة والأسطورة"، والتي يتبناها الجيشان الإسرائيلي والأمريكي. تقوم هذه النظرية على ركيزتين أساسيتين:
استخدام القوة المفرطة: تهدف هذه الاستراتيجية إلى تقليل الالتحام المباشر مع العدو، وبالتالي تقليل الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي. ويتم ذلك من خلال القصف الجوي المكثف وتدمير البنية التحتية بشكل كامل، مما يمنع المقاومة من الاستفادة من الحيز الجغرافي التقليدي للمعركة.
إخفاء الخسائر: يرى "كورنيش" أن الجمهور يتقبل الخسائر في بداية الحرب، لكنه يبدأ برفضها مع طول أمد المعركة.
لذلك، فإن إخفاء عدد القتلى والجرحى يمنع أي ردود فعل شعبية قد تؤثر على قرارات الحكومة أو تؤدي إلى فقدان الثقة في الجيش.
وتعكس اعترافات رئيس أركان جيش الاحتلال الجديد حجم الهوة بين الأرقام الحقيقية للخسائر وما يتم الإعلان عنه رسميًا، ما يسلط الضوء على سياسة التضليل الإعلامي التي يتبناها الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود. وبينما تهدف هذه الاستراتيجية إلى الحفاظ على الروح المعنوية للجيش والجمهور الإسرائيلي، فإنها في الوقت ذاته تعكس أزمة داخلية تتعلق بتراجع ثقة الإسرائيليين في قدرتهم على تحقيق نصر حاسم ضد المقاومة الفلسطينية.