خاص - شبكة قدس الإخبارية - فلسطين المحتلة: تتنوع أشكال الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس المحتلتين، ضمن المنهجية الصهيونية القائمة على القتل والتدمير والحصار المفروض على الفلسطينيين، للانتقام منهم والتضييق عليهم.
خلال الشهور الأخيرة كثفت سلطات الاحتلال من عمليات هدم المنشآت التجارية في الضفة والقدس، كان أضخم هذه العمليات، يوم أمس الإثنين في بلدة الرماضين جنوب الخليل، حيث هدمت قوات الاحتلال ما يزيد عن 40 محلاً ومنشأة تجارية للفلسطينيين في البلدة.
فيما هدمت جرافات الاحتلال، 4 بركسات مخصصة لتربية الدواجن ومنجرة وبركة مياه في بلدة دير بلوط غرب محافظة سلفيت صباح اليوم الثلاثاء، حيث صرح رئيس بلدية دير بلوط، سمير نمر، قائلاً إن هدم البركسات يعني إعدام نحو 12 ألف طير من الدجاج اللاحم والبياض، وقطع مصدر الرزق لنحو 35 أسرة فلسطينية في البلدة تعتاش منها.
تأتي عمليات هدم المنشآت التجارية، في إطار التضييق على الفلسطينيين، بل شكلاً من أشكال الحصار الاقتصادي ضدهم، الذي يتبعه الاحتلال بشكلٍ ممنهج، ويهدف منه تهجيرهم بعد أن تضيق بهم سُبُل العيش، فكيف يتم ذلك؟
بين التضييق واقتلاع الوجود
تُعد بلدة سلوان الواقعة جنوب المسجد الأقصى المبارك، الهدف الأول لحكومة الاحتلال والجمعيات الاستيطانية المتطرفة في مدينة القدس المحتلة، في حين تمارس سلطات الاحتلال عمليات هدمٍ شبه يومية تطال المنشآت التجارية للفلسطينيين وحتى المنازل السكنية، بل طالت إخطارات الهدم مسجد الإسراء الكائن في البلدة.
إضافة إلى ذلك، تلقت أحياء كاملة في البلدة إخطارات هدم، كأحياء البستان القريب من المسجد الأقصى، وواد الربابة وبطن الهوى، فيما تسعى الجمعيات الاستيطانية للسيطرة عليها بشكلٍ كامل، من أجل تسهيل السيطرة على المسجد الأقصى المبارك، وإنشاء ملحقات استيطانية في المنطقة، بينما يضم حي البستان عشرات المنشآت التجارية، إلى جانب عدد كبير من المنازل والشقق السكنية.
في حديث خاص لـ"شبكة قدس الإخبارية"، قال يوسف الطويل، أحد الفلسطينيين الذين هُدمت منشآتهم في سلوان، إن سلطات الاحتلال وجهت له إنذاراً بهدم مخزن وكراج سيارات له، ليتلقى الإنذار الأخير قبل يومين؛ حيث اضطر أن يهدمه ذاتياً، قبل فرض الغرامات المالية الباهضة عليه.
يقول الطويل إن المخزن والكراج مضى على إنشائهما أكثر من 40 عاماً، فيما أخطرت سلطات الاحتلال بهدمهما كإجراء استيطاني يهدف لإلحاق أكبر قدرٍ ممكن من الخسائر لأهالي سلوان وتحديداً حي البستان التي تسعى الجمعيات اليهودية المتطرفة وحكومة الاحتلال للسيطرة عليه ثم السيطرة على البلدة ككل، وإنهاء الوجود الفلسطيني في القدس ككل.
وأضاف الطويل أن عمليات هدم المنازل والمنشآت التجارية التي تصاعدت بالتزامن مع حرب الإبادة على قطاع غزة، تسببت بخسائر مالية ضخمة للأهالي، لتشكل عبئاً إضافياً فوق الأعباء التي يواجهونها، حيث يصنع الاحتلال بذلك بيئة صعبة يدفع الفلسطينيين من خلالها للرحيل إلى خارج مدينة القدس وأحيائها.
آثار اقتصادية مدمرة وتهجير بشكلٍ غير مباشر
وعن الآثار الإقتصادية لهدم المنشآت الفلسطينية، قال المختص بالشأن الاقتصادي ثابت أبو الروس في حديثه لـ"شبكة قدس الإخبارية"، إن هدم المنشآت التجارية جزء من السياسات الإسرائيلية التي تهدف لضرب ما تبقى من الاقتصاد الفلسطيني، وتحطيم مصادر رزق الآلاف من الفلسطينيين، حيث تُشغل هذه المنشآت الأيدي العاملة الفلسطينية، ما يضاعف نسب البطالة داخل الضفة الغربية والقدس.
وأوضح أبو الروس أن هدم المنشآت بمختلف أنواعها (الصناعية والزراعية) تسبب خسائر ضخمة لأصحابها، الذين فقدوا رأس المال المُستثمر، فضلاً عن عدم مقدرتهم على دفع الإلتزمات المالية التي كانت مترتبة على هذه المنشآت، في حين لا تتوقف الأضرار الاقتصادية على أصحاب المنشآت فقط، بلعلى الشعب الفلسطيني في ظل انعدام فرص العمل، والحصار الإسرائيلي المفروض على مختلف الأنشطة الاقتصادية في الضفة والقدس المحتلتين.
وأكد أبو الروس أن عمليات هدم المنشآت الفلسطينية، تُعتبر جزءاً من حلقات القيود الاقتصادية الاستيطانية ضد الفلسطينيين، لضرب البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني، وإلحاق الضرر بالفلسطينيين على كافة المستويات، ومحاولة تهجيرهم بعد التضييق عليهم.
ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، كثف الاحتلال من هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية بشكلٍ غير مسبوق، كجزء من سياسة تهجير الفلسطينيين من جهة، وتطبيقاً لمخططات الضم من جهة أخرى، والتوسع الاستيطاني على حساب الأراضي الفلسطينية.
وفي إحصائيةٍ سابقة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، فإن سلطات الاحتلال هدمت 1787 منشأة فلسطينية بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و15 تشرين الأول/أكتوبر 2024، منها 800 مسكن مأهول، ومئات المنشآت التجارية وآبار المياه المستخدم في الزراعة.
ويرتكب الاحتلال بذلك انتهاكاً كبيراً وفقًا للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة، وهو جريمة حرب وفقا للمادة 8 (2) (ب) من نظام روما الأساسي، التي تدرج مهاجمة مساكن السكان المدنيين والعزّل ضمن تعريفها لجرائم الحرب. وينجم عن هدم المساكن نقل السكان قسرًا عن مكان سكناهم في مخالفة واضحة للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة، والادة 7 (1) (د) من نظام روما الأساسي. كما يشكل الهدم انتهاكًا للمادة 11 (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يكفل الحق في مأوى لكل أسرة.