دمشق - خاص قدس الإخبارية: مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، دخلت المنطقة مرحلة جديدة من التحولات السياسية والأمنية، إذ تعكف القوى الإقليمية والدولية إلى إعادة تشكيل قواعد النفوذ ورسم ملامح العلاقات مع النظام السوري الجديد. وسط هذا المشهد المعقد، برز الاحتلال كلاعب رئيسي يتحرك عبر أدوات عسكرية ودبلوماسية لتحقيق أهداف استراتيجية تتجاوز الأهداف التقليدية المعلنة.
من خلال عدوانها المتكرر على الأراضي السورية، لا تحاول دولة الاحتلال فرض معادلات أمنية جديدة فحسب، بل تحاول أيضًا ترسيخ دورها في صياغة طبيعة العلاقة مع النظام السوري الوليد عبر استعراض القوة العسكرية أو من خلال رسائل غير مباشرة للمعارضة السورية والمجتمع الدولي، بما يضمن تحقيق مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي.
لم تكن الضربات الإسرائيلية، التي تصاعدت تصاعدًا لافتًا عقب انهيار النظام السوري السابق، مجردَ استهداف لمخازن الأسلحة أو مواقع الميليشيات المدعومة من إيران كما تروِّج دولة الاحتلال، بل جاءت في سياق أعمق يعكس رغبة إسرائيلية في استباق الأحداث وفرض أجندة واضحة للنظام الجديد، قائمة على ضمان تحييد أي تهديد محتمل من الأراضي السورية.
يندرج هذا العدوان ضمن استراتيجية إسرائيلية شاملة تهدف إلى خلق واقع ميداني جديد يمنحها تفوقًا أمنيًّا طويل الأمد، ويضع سوريا في إطار منضبط يخدم مصالحها الإقليمية. وفي الوقت الذي تتحرك فيه أطراف أخرى، مثل إيران وروسيا وتركيا، لمحاولة الحفاظ على مواقع نفوذها، يبدو الاحتلال أكثر حسمًا في توجهه نحو إجهاض أية فرصة لبناء قوة عسكرية سورية جديدة يمكن أن تشكل تهديدًا مستقبليًّا له.
إضافةً إلى ذلك، فإن هذه التحركات تأتي ضمن رؤية إسرائيلية لمرحلة ما بعد الأسد، إذ تسعى إلى ضمان أن النظام القادم سيكون أقل ميلًا نحو معاداة الاحتلال الإسرائيلي، وأكثر تقبلًا للتعايش معها وفق الشروط الإسرائيلية.
في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ سوريا، يصبح العدوان الإسرائيلي أكثر من مجرد عملية عسكرية، بل هو إعلان عن رغبة الاحتلال في لعب دور رئيسي في رسم مستقبل سوريا السياسي والأمني. ومن هنا يبرز السؤال الأهم: هل يسعى الاحتلال من خلال هذا العدوان إلى تأمين مصالحه فحسب، أم أن هذه العمليات جزء من خطة أوسع تهدف إلى تطويع سوريا الجديدة لتكون ضمن سياق إقليمي يخدم رؤية الاحتلال للشرق الأوسط الجديد ومعادلات الهيمنة؟
قدرات الجيش السوري: قوة إقليمية لا يُستهان بها
قبل اندلاع الثورة االسورية في العام 2011، كان الجيش السوري يُعَدُّ من بين أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، إذ بلغ تعداده نحو 325,000 جندي نظامي، إلى جانب مئات الآلاف من قوات الاحتياط، ما منحه قدرة كبيرة على مواجهة التحديات الإقليمية. شكَّل الجيش السوري قوة إقليمية بفضل عقود من التعاون العسكري الوثيق مع الاتحاد السوفييتي ثم روسيا، إذ جُهِّزَت قواته بترسانة عسكرية ضخمة تشمل أسلحة تقليدية وأخرى متطورة.
شكَّلت القوات البرية القوة الأساسية للجيش السوري، إذ امتلكت قبل الثورة أكثر من 4,950 دبابة، بما في ذلك دبابات T-55 وT-62، التي تُعَدُّ من الأجيال القديمة، بالإضافة إلى دبابات T-72 التي مثَّلت قوة هجومية رئيسية. وفي السنوات الأخيرة قبل الثورة، استلمت سوريا دفعات من دبابات T-90 الروسية المتطورة لتعزيز قدراتها. إلى جانب الدبابات، امتلك الجيش آلاف ناقلات الجنود المدرعة مثل BMP-1 وBMP-2، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ مثل BM-21" غراد"، التي شكَّلت دعامة أساسية للعمليات البرية.
كانت القوات الجوية السورية واحدة من الأكبر في المنطقة، إذ ضمت أسطولًا من الطائرات المقاتلة والقاذفات التي بلغ عددها نحو 356 طائرة، معظمها من الطرازات الروسية مثل MiG-21، MiG-23، MiG-29، وSu-24. على الرغم من قدم معظم هذه الطائرات، فإنها كانت تشكِّل عنصر ردع مهم. كما تضمنت القوات الجوية مروحيات هجومية مثل Mi-24، التي كانت تُستخدم في العمليات الهجومية والدعم الأرضي. إلى جانب الطائرات المقاتلة، كانت منظومة دفاع جوي قوية تضم آلاف الصواريخ أرض-جو، بما في ذلك منظومات S-200 وBuk-M2E، التي عُدَّت متقدمة نسبيًّا في ذلك الوقت.
مع أنها لم تكن بقوة القوات البرية والجوية، لعبت القوات البحرية السورية دورًا هامًّا في تأمين الساحل السوري الممتد على البحر المتوسط. ضمت البحرية زوارق دوريات هجومية وصواريخ بحر-بحر متطورة مثل "ياخونت" الروسية، التي تمثِّل تهديدًا كبيرًا للسفن في البحر المتوسط. كما كانت القواعد البحرية في طرطوس واللاذقية تشكِّل نقاط ارتكاز أساسية، خاصةً مع وجود القاعدة الروسية في طرطوس التي وفرت دعمًا لوجستيًّا واستراتيجيًّا.
كان الجيش السوري يمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية، بما في ذلك صواريخ "سكود بي" و"سكود دي" وصواريخ M-600، التي يمكن أن تصل إلى عمق الأراضي المحتلة. إلى جانب ذلك، طورت سوريا برنامجًا للأسلحة الكيميائية يُعتقد أنه شمل غازات الأعصاب، مثل السارين والكلور، وخُزِّنَت في منشآت سرية تديرها مراكز بحثية، مثل مركز الدراسات والبحوث العلمية.
كانت سوريا تمتلك شبكة متطورة من القدرات الاستخباراتية والحرب الإلكترونية، بفضل الدعم الروسي والإيراني. تضمنت هذه القدرات محطات مراقبة ورصد، تُستخدم للتجسس على دولة الاحتلال ودول الجوار، إلى جانب أنظمة للتشويش الإلكتروني التي عززت قدرتها على إدارة العمليات العسكرية.
مع اندلاع الثورة السورية في العام 2011، بدأ الجيش السوري يفقد تدريجيًّا العديد من هذه القدرات بسبب الانشقاقات الجماعية والخسائر البشرية التي أدت إلى انخفاض عدد الجنود من 325,000 إلى نحو 150,000 بحلول العام 2014، وفق تقارير دولية.
بالإضافة إلى ذلك، أدى الاستنزاف الميداني إلى تدمير جزء كبير من المعدات الثقيلة والطائرات الحربية، كما فقدت دمشق السيطرة على العديد من المنشآت العسكرية لصالح الفصائل المسلحة.
هدف إسرائيلي دائم
منذ تصاعد الثورة السورية، وضعت دولة الاحتلال تدمير القدرات العسكرية للجيش السوري بوصفه واحدًا من أهدافها الاستراتيجية الرئيسية. شكَّلت سوريا على مدار العقد الساحة الرئيسية لاستراتيجية الاحتلال العسكرية المعروفة باسم "المعركة بين الحروب"، والتي تهدف إلى التصدي لعمليات التسليح التي تعتبرها إسرائيل "كاسرة للتوازن".
ركزت الضربات الإسرائيلية على مواقع استراتيجية، مثل قواعد الدفاع الجوي التي تضم منظومات صواريخ متطورة قدمتها روسيا لسوريا، بما في ذلك منظومات S-200 و S-300استُهدِفَت هذه القواعد بشكل متكرر لمنع الجيش السوري من إعادة بناء قدراته الجوية التي كانت تُعَدُّ واحدة من نقاط القوة التقليدية له قبل اندلاع الثورة.
كما استهدف الاحتلال مراكز البحث والتطوير العسكري، مثل مركز الدراسات والبحوث العلمية في جرمايا قرب دمشق، الذي يعده الاحتلال مركزًا لتطوير الأسلحة الكيميائية والصواريخ الباليستية والتي ادعى الاحتلال أنها تعمل تحت مسؤولية الحرس الثوري الإيراني.
في يناير/كانون الثاني 2023، شنّ الاحتلال واحدًا من أكبر غاراته على مستودعات أسلحة قرب مطار دمشق الدولي ومحيط العاصمة، ما أدى إلى تدمير كميات كبيرة من الأسلحة التي يُعتقد أنها كانت موجَّهة إلى الفصائل الموالية لإيران، خاصةً حزب الله. لم تستهدف هذه العملياتُ منع نقل الأسلحة فحسب، بل سعت أيضًا إلى استنزاف المخزون العسكري السوري.
شمل الاستهداف في السنوات السابقة البنية التحتية اللوجستية والعسكرية لسوريا، بما في ذلك المطارات العسكرية، مثل مطار الشعيرات في حمص ومطار التيفور في ريف حمص الشرقي. كانت هذه المطارات تستخدم بوصفها مراكز لعمليات الجيش السوري ومحطات لإعادة التزود بالإمدادات من الحلفاء، مثل روسيا وإيران، إضافةً إلى خطوط إمداد حزب الله.
هجوم واسع لتحديد خطوط العلاقة
وفقًا لتقرير نشره مركز "ألما" للأبحاث في 10 ديسمبر/كانون الأول، فقد أطلق الاحتلال حملة عسكرية واسعة النطاق عقب انهيار نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بعد سيطرة الفصائل المعارضة على معظم المدن الكبرى في سوريا، بما فيها دمشق وحلب وحماة، وانهيار كامل للجيش السوري الذي ترك خلفه كميات ضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية دون حراسة أو تنظيم.
شن الاحتلال أكثر من 300 غارة جوية وبحرية على مواقع في مختلف أنحاء سوريا، مستهدفة على نحو خاص مخازن الأسلحة، قواعد الصواريخ، والمواقع المرتبطة بمركز الدراسات والبحوث العلمية. كان الهدف من هذه العمليات تدمير القدرات العسكرية السورية المتبقية التي قد تستخدمها الفصائل المسلحة ضد الاحتلال، أو تُهرَّب إلى "جهات معادية" مثل حزب الله.
لم تقتصر التحركات الإسرائيلية على الهجمات الجوية والبحرية؛ بل وسَّع الاحتلال نفوذه داخل المنطقة العازلة التي أُنشئت بموجب اتفاق فك الاشتباك للعام 1974. مع انهيار الجيش السوري، وعَدَّ الاحتلال أنه لم يعد للاتفاق وجود، أتبعه بفرض سيطرته على هذه المنطقة. تهدف هذه الخطوة إلى منع تحولها إلى "أرض بلا سيد"، يمكن أن تنشط فيها جماعات يمكن أن تعدَّها "إسرائيل" مستقبلًا جماعات معادية، والتي قد تسعى إلى الاستيلاء على الأسلحة المتروكة واستخدامها لشن هجمات ضد "إسرائيل".
وفقًا لتقرير المركز المختص بمتابعة جبهة شمال فلسطين المحتلة، فإن الاحتلال يضع في حساباته تحديات إضافية تتمثل بتقدير وجود محاولات من إيران وحزب الله للتكيف مع الواقع الجديد. مع انهيار الممر الإيراني التقليدي لنقل الأسلحة إلى حزب الله عبر سوريا، من المتوقع أن تحاول هذه الأطراف إيجاد طرق بديلة للاستفادة من الأسلحة المتبقية في سوريا، ما يزيد من احتمالية تهديد مباشر على أمن دولة الاحتلال
ويخلص التقرير أن الاحتلال لم يكتفِ بتدمير القدرات العسكرية السورية، بل وجَّه أيضًا رسالة واضحة للنظام السوري الجديد مفادها أن أية محاولات لإعادة بناء جيش قوي أو تشكيل تحالفات إقليمية معادية لن تكون مقبولة. كما يعكس هذا التحرك تصميم دولة الاحتلال على ترسيخ تفوقها العسكري وضمان بقاء سوريا في حالة من الضعف والتهديد المستمر، بما يخدم رؤيتها الاستراتيجية في المنطقة.
رسائل وأبعاد التحركات الإسرائيلية في سوريا الجديدة
تتجاوز الإجراءات الإسرائيلية في سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد، كونها مجرد تحركات عسكرية لحماية الأمن القومي إلى كونها استراتيجية مدروسة تحمل رسائل متعددة الأبعاد. من خلال تصعيد الغارات الجوية وتوسيع النفوذ داخل الأراضي السورية، تسعى دولة الاحتلال إلى تحقيق أهداف استراتيجية تخدم مصالحها طويلة الأمد في المنطقة. لا تستهدف هذه الرسائل الداخل السوري فحسب، بل تتجاوزه إلى اللاعبين الدوليين والإقليميين، بما يرسخ موقع الاحتلال كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط، وتتمثل الأبعاد الرئيسية لهذا التحرك بالتالي:
- تثبيت التفوق الاستراتيجي: تأتي التحركات الإسرائيلية لتأكيد تفوقها العسكري والاستراتيجي في المنطقة، خصوصًا بعد سقوط نظام الأسد، إذ إن دولة الاحتلال تثبت قدرتها على التدخل والضرب وتحييد أي هدف أو تهديد محتمل في أي وقت وأي مكان، وذلك من خلال استهداف البنى التحتية العسكرية السورية ومخازن الأسلحة. تسعى دولة الاحتلال عبر هذا السلوك إلى تأكيد التفوق الذي يعزز من صورتها كقوة لا يمكن تحديها، ويبعث برسالة واضحة لأي نظام جديد بأنها ستظل اللاعب الأقوى في المنطقة.
- استبعاد الخطر المستقبلي في ظل نظام غير واضح: تشهد سوريا مرحلة انتقالية غير مفهومة المعالم بشكل كامل، إذ تتغير القيادة بسرعة ويغيب الاستقرار السياسي، ما يعني أن التقلبات قد لا تنتهي قريبًا. تجعل هذه التحولات المستمرة النظام الجديد غير قابل للتنبؤ بتوجهاته أو تحالفاته المستقبلية؛ وبناءً عليه يسعى الاحتلال إلى منع أي احتمال لبروز تهديد مستقبلي من سوريا، سواءٌ كان من القيادة الجديدة أو من أي فصائل مسلحة قد تستغل الفوضى لإعادة ترتيب صفوفها وفق قاعدة العداء لـلاحتلال الإسرائيلي وخلق معادلات اشتباك معها.
- تحديد العلاقة بالنيران ورسم قواعد الاشتباك: يعمل الاحتلال على تحديد شكل العلاقة مع القيادة السورية الجديدة منذ البداية، وذلك عبر سياسة "النيران أولاً". من خلال الغارات الجوية المتكررة والتموضع في المناطق الحدودية، ترسل دولة الاحتلال رسالة بأن أي تحرك أو سيادة للنظام الجديد سيكون محكومًا بقواعد اشتباك تفرضها هي. وتُرسَم هذه الرسائل بالدبابات والصواريخ، وتحدِّد سقفًا واضحًا لمساحات التحرك المسموح بها لأية قيادة سورية جديدة.
- اختبار توجهات القيادة السورية الجديدة: تشكِّل هذه الإجراءات اختبارًا فعليًّا للقيادة السورية الوافدة، إذ تراقب "إسرائيل" ردود فعل النظام الجديد تجاه ضرباتها المتكررة: هل ستبدي القيادة الجديدة استعدادًا للصدام مع إسرائيل، أم أنها ستختار تجنب التصعيد؟ ستحدِّد الإجابة على هذا السؤال إلى حد كبير طبيعة العلاقة المستقبلية بين الطرفين، وستعطي "إسرائيل" تصورًا أوليًّا عن الأولويات والتوجهات السياسية للنظام الجديد.
- فرض وقائع جديدة تخدم المصالح الإسرائيلية: الأولوية الكبرى لـ"إسرائيل" في هذه المرحلة الانتقالية خلق وقائع جديدة على الأرض تُرسِّخ سيطرتها العملياتية وتمنحها مكاسب طويلة الأمد.
من خلال توسيع نفوذها داخل الأراضي السورية وتثبيت وجودها في الجولان المحتل، تسعى دولة الاحتلال إلى جعل أية محاولة مستقبلية لاستعادة هذه الأراضي أو بناء قوة سورية جديدة أمرًا مستحيلًا، أو على الأقل مسارًا طويلًا وشاقًا.
يرتبط هذا التوجه ارتباطًا مباشرًا برؤية رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي أكد علنًا أن "إسرائيل" لن تنسحب من الجولان، بل تعدُّه جزءًا من حدودها الاستراتيجية وضمانًا لأمنها وسيادتها. يعزِّز هذا الموقف، المدعوم بتقديرات إسرائيلية بأن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب لن تعارض الوقائع المفروضة ميدانيًّا، طموح الاحتلال بتشكيل "شرق أوسط جديد" يخدم رؤيته الإقليمية.
- استراتيجية طويلة الأمد: ما يفعله الاحتلال اليوم في سوريا ليس مجرد إجراءات عسكرية مرحلية، بل استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى رسم مستقبل العلاقة مع سوريا والنظام الإقليمي عمومًا. زستبقى كل خطوة ينفذها الاحتلال الآن في ظل المرحلة الانتقالية مكتسبات يصعب تغييرها، ما يجعل التحركات الحالية حجر الزاوية في طموحات "إسرائيل" لضمان أمنها وتعزيز هيمنتها في الشرق الأوسط الجديد.
يتوقف الكثير على سلوك القيادة السورية الجديدة في هذه المرحلة الحساسة، إذ تواجه اختبارًا مصيريًّا في تحديد هويتها السياسية والأمنية وشكل العلاقة التي ستبنيها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. حتى الآن، لم تُبدِ القيادة أية ردود أفعال واضحة تجاه العدوان الإسرائيلي المتكرر، ولم تتحرك ميدانيًّا لحماية ما تبقَّى من مقدرات الجيش السوري التي تُعَدُّ في الجوهر ملكًا للشعب السوري وليست إرثًا لنظام الأسد السابق. يعكس هذا الصمت حالةً من الغموض والترقب، لكنه يثير أيضًا تساؤلات حول استعداد القيادة الجديدة لتحمل مسؤولياتها الوطنية في حماية السيادة السورية.
تتطلب هذه المرحلة من القيادة السورية الجديدة وضوحًا في موقفها تجاه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، خاصةً الجولان المحتل، وفي تحديد موقعها ضمن معادلة المواجهة مع مشروع الهيمنة الإسرائيلي في المنطقة: هل ستتخذ هذه القيادة موقفًا يتماهى مع مصالح الشعب السوري في استعادة الأرض والدفاع عن السيادة، أم أنها ستتجه نحو القبول بالأمر الواقع الذي تفرضه دولة الاحتلال عبر عدوانها المستمر؟ لن تحدِّد الإجابة على هذا السؤال مستقبل العلاقة بين سوريا ودولة الاحتلال فحسب، بل ستحدِّد أيضًا دور سوريا ومكانتها في النظام الإقليمي الجديد اللذين تُعاد صياغتهما اليوم على وقع التحولات الكبرى في المنطقة.