تحقيق نزار حبش
"يلتزم الفريق الثاني بسداد مسحوباته من الغاز حسب قراءة العداد الخاص به، والفاتورة الصادرة نهاية كل شهر بالسعر الرسمي المعلن من قبل هيئة البترول لبيع الغاز للمجمعات السكنية بسعر المفرّق مضافًا إليها خدمات بواقع خمسة شواقل شهريا"، هذا هو نص الاتفاق الذي توقعه إحدى الشركات الفلسطينية الخاصة والكبرى في مجال توزيع الغاز المنزلي، مع مستخدميها من المواطنين، وتؤكد فيه التزامها بالأسعار التي تحددها الهيئة العامة للبترول الفلسطينية شهريا.
بعد عملية بحث وتقص استمرت شهرين، توصلنا إلى أن الشركة التي تتحفظ هيئة التحرير على ذكر اسمها نظرا لاعتبارات قانونية ومهنية، لا تلتزم بأسعار الهيئة العامة للبترول وتفرض رسوما إضافية على الفاتوره النهائية، غير مذكورة بالاتفاقية الموقعة مع المواطنين، واعترفت مديرة الرقابة في الهيئة العامة للبترول الفلسطينية بهذا الأمر وأسمته "تلاعبا"، كما قال مدير دائرة المشتريات في الهيئة إن القضية قد تحول إلى محكمة الجرائم الاقتصادية، بعد اطلاعهما على نتائج هذا التحقيق.
عملية حسابية لإثبات "التلاعب"
قام مُجري التحقيق بتجميع 12 فاتورة صادرة عن الشركة بطريقة عشوائية، على مدار عام كامل (2012- 2013) وأبرز ما تم اكتشافه:
المواطن عبد الحافظ أبو شمسية من مدينة رام الله حصل على فاتورة رسمية بتاريخ 31-1-2013 تؤكد استهلاكه 18 مترا مكعبا من الغاز المنزلي عن فترة شهر، أي ما يعادل 81 لترا، على قاعدة أن كل متر مكعب من الغاز السائل يساوي 4.5 لتر وفقا لهيئة البترول الفلسطينية، وسعر لتر الغاز وفقا لما حددته الهيئة في شهر كانون الثاني عام 2013 كان 2.98 شيقل.
ووفقا لما سبق في عملية حسابية، نضرب ما استهلكه المواطن من اللترات بسعر اللتر الواحد كالتالي: 81× 2.98 = 241 شيقل، يضاف إليها 5 شواقل كخدمات وفقا للاتفاقية المبرمة، فتصبح فاتورة المواطن النهائية 246 شيقل. إلا أن المبلغ المستحق في فاتورة الشركة كان 273.56 شيقل أي بفارق 27 شيقل ونصف.
فاتورة أخرى حصلنا عليها للمواطن مأمون عتيلي من مدينة رام الله بتاريخ 31-3-2013 استهلك فيها 11 مترا مكعبا من الغاز، وبعد عملية تحويل المتر المكعب إلى لتر، كان مجموع استهلاك المواطن 49.5 لترا، وبعد ضربها بسعر اللتر الواحد الذي حددته هيئة البترول (2.98)، فإن فاتورة المواطن المذكور أعلاه مضاف إليها 5 شواقل كخدمات تساوي 152.5 شيقل، بينما كانت فاتورة الشركة 169.12 شيقل أي بفارق قدره 16 شيقل ونصف.
ومن بين الفواتير الأخرى التي حصل عليها مُجري التحقيق فاتورة للمواطن يوسف عدوان من رام الله، استهلك 8 أمتار مكعبة من الغاز، وفاتورة الشركة تطالبه بـ 124.36 شيقل، بينما كان من المفترض أن تطالبه الفاتورة بـ 112.28 شيقل.
وتكرر هذا الاختلاف في الاسعار في جميع الفواتير التي حصلنا عليها.
يشار إلى أن كل متر مكعب واحد من الغاز المسمى (ال بي جي ) يعادل "4.1 إلى 4.5 " لتر سائل من (ال بي جي)، وقد جاءت هذه النسبة بعد مجموعة من الدراسات العلمية التي قامت بها الهيئة العامة للبترول الفلسطينية.
وفي المعادلات السابقة قام التحقيق باستخدام أكبر نسبة للربح لصالح الشركات، المتمثلة بأن كل متر مكعب واحد يساوي 4.5 لتر.
هيئة البترول تؤكد التلاعب
وبعد توصلنا إلى المعطيات السابقة توجهنا للهيئة العامة للبترول وعرضنا عليها نتائج هذا التحقيق، حيث أكدت مديرة دائرة الرقابة وضبط الجودة في الهيئة م. فداء مشعل، صحة التلاعب بالفواتير والنتائج التي تم استخلاصها، بعد قيامها بمجموعة من العمليات الحسابية العلمية، مشددةً أن الفواتير لا تلتزم بالأسعار التي تحددها الهيئة العامة للبترول الفلسطينية.
وقالت مشعل إن "الفواتير عالية بفارق 20 إلى 30 شيقل، المواطن مخدوع"، مضيفة "طالما أن هذا الفرق في الفواتير لم يرد في الاتفاقية الموقعة بين الشركة والمواطن فهذا يعتبر "تلاعبًا".
في السياق ذاته، أكد مدير دائرة المشتريات في الهيئة العامة للبترول م. محمد أبو بكر أن قيمة الفواتير بعد عرضها عليه، أعلى من القيمة الحقيقية التي يجب أن تكون حسب السعر المحدد من قبل الهيئة بنسبة 11%.
وقال: عند مراجعة الاتفاق المبرم بين الشركة والمواطنين، تبين لنا أن المورد يقوم باحتساب قيمة أعلى من القيمة الحقيقية، خصوصًا أن الاتفاقية توضح التزام الشركة بأسعار هيئة البترول.
وشدد أبو بكر أن الهيئة وبعد الاطلاع على نتائج هذا التحقيق ستقوم بتحويل الملف إلى دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني، مضيفًا: قد يصل الأمر إلى محكمة الجرائم الاقتصادية.
وطالب جميع الشركات الموردة للغاز بضرورة الالتزام بالأسعار المعلنة من قبل هيئة البترول "تحت طائلة المسؤولية"، داعيًا جميع المواطنين "عند تعرضهم إلى أي عملية غبن بالأسعار إلى مراجعة جميع الدوائر المعنية في هيئة البترول ووزارة الاقتصاد الوطني لتقديم شكواهم".
الشركة ترفض الدفاع عن نفسها وتهدد
أجرى كاتب التحقيق مجموعة من الاتصالات مع إدارة الشركة كان آخرها اتصال هاتفي مسجل مع رئيس مجلس إدارتها، وجاء رده أن الشركة "ليست دعائية ولا تتعامل مع الإعلام إنما مع زبائنها فقط".
وأضاف أن الشركة "تفتح أبوابها لشكاوى المواطنين واستفساراتهم على مدار الساعة"، رافضًا الرد على وجود تلاعب بفواتير الشركة.
وهدد رئيس مجلس إدارة الشركة بالتوجه للقضاء في حال نشر هذا التحقيق.
وجاء الاتصال الهاتفي مع رئيس مجلس الادارة بعد سلسلة من المحاولات الهادفة لأخذ رد رسمي من الشركة على نتائج هذا التحقيق، حيث كان من بين المحاولات إرسال كتاب رسمي لطلب مقابلة تلفزيونية، ومجموعة من الاتصالات المسجلة مع مدراء الفروع، دون فائدة.
يذكر أن الشركة تُحاسب المواطنين عن استهلاكهم الغاز بوحدة الكيلوغرام، وتُصدر فواتير شهرية للمواطنين بعد قراءة عداد خاص لكل شقة سكنية.
عدادات ليترات مشكوك بأمرها
وفي مقارنة مع شركات أخرى، بين لنا مدير شركة (ب) في محافظة رام الله أن شركتة تحاسب المواطنين باللتر، كون هيئة البترول تحدد سعر اللتر الواحد.
وأضاف "لا نعمل بالمتر المكعب او الكيلوغرام لانه لا يوجد تحويلة واضحة نرتكز عليها ولا تسعيرة واضحة للمتر المكعب أو الكيلوغرام، مردفا: نعمل على سياسة واضحة، لا نريد الدخول في متاهات التحويلات.
واللافت في عمل الشركة أن مركبة ضخ الغاز التابعة لها تحوي على عداد خاص يحسب كمية الضخ من المركبة الى "صهريج" البيوت باللتر، وتقوم الشركة بحساب كمية اللترات وقبض ثمنها مباشرة من مسؤول العمارة بعد عملية الضخ، والأخير يتكفل بتوزيع الغاز على منازل البناية ومحاسبتهم على استهلاك الغاز وفقا لطريقته الخاصة.
وأكدت الشركة أنها تشتري الغاز من هيئة البترول بالطن ويقوم العداد الخاص داخل مركبة النقل بضخة (لترات) على قاعدة أن كل 1000 طن يساوي 1750 لترا، الامر الذي اتفقت معه الهيئة العامة للبترول.
لكن مُجري التحقيق لم يتسن له التحقق من دقة عدادات الليترات وصحة نتائجها خصوصا أن صيانتها وفحصها تتم داخل "اسرائيل".
وفي السياق ذاته أفادت محاسبة شركة (ج) في مدينة رام الله أن شركتها توزع الغاز للمواطنين باللترات، بينما للمصانع والشركات بالكيلوغرام.
وقالت إن الشركة ملتزمة بالتسعيره الصادرة شهريا عن الهيئة العامة للبترول.
وأضافت أن الشركة تزود البنايات بصهاريج مزودة بعداد ليترات، حيث يُحاسب المواطن شهريا عن استهلاكه باللتر، بعد تحويل المتر المكعب الى لتر على قاعدة أن كل متر مكعب من الغاز في فصل الصيف يساوي 4.4 لتر ، وفي الشتاء 4.48
وشددت محاسبة الشركة أن معادلة الغاز السابقة عالمية ومعتمدة، قائلة : لسنا نحن الذين نضعها.
وأوضحت أن الشركة لا تقوم بتوقيع اتفاقية مع المواطن للالتزام بأسعار الهيئة العامة للبترول.
ولم يتسن لمجري التحقيق التأكد من مصداقية عدادات الصهاريج ومدى دقتها.
كل يغني على ليلاه في تحويلات الغاز
وفي سياق متصل وأثناء تحقيقنا في تحويل الغاز من متر مكعب إلى كيلوغرام ولتر، تبين لنا أن كل شركة من الشركات التي قمنا بمقابلتها، تحسب طريقة التحويل بشكل مختلف عن الأخرى ولا يوجد تعميم واضح من الهيئة العامة للبترول الفلسطينية.
وأفاد محاسب شركة (أ) أن كل متر مكعب من الغاز يساوي 4.39 لتر سائل، بينما أكد مدير العلاقات العامة في شركة (ب) أن كل متر مكعب من الغاز يساوي 4.3 لتر، فيما أكدت شركة (ج) أن كل متر مكعب من الغاز في فصل الصيف يساوي 4.4 لتر، وفي الشتاء 4.48.
وبناءً على ما سبق فإن فاتورة المواطن النهائية ستختلف من شركة إلى أخرى.
من يُحدد ومن المسؤول؟
وردًا على ما سبق، أكدت مديرة دائرة الرقابة وضبط الجودة في هيئة البترول م. فداء مشعل، أن جميع التحويلات الغازية من المتر المكعب إلى الكيلو غرام واللتر متعارف عليها ومنقولة عن الجانب الإسرائيلي.
وقالت إنه "لا يوجد تعميم فلسطيني صادر عن هيئة البترول يفرض التحويلات على الشركات، وكل شركة تحدد طريقة التحويل وفقا لحساباتها الخاصة".
وقالت: المتعارف عليه بناءً على خلفيات وحسابات علمية (مبدأ أفوجادرو للغازات)، أن كل متر مكعب واحد من الغاز وزنه يتراوح بين 2.35 و 2.5 كغم غاز، وكل متر مكعب واحد من الغاز المسمى (ال بي جي ) يعادل 4.1 إلى 4.5 لتر سائل.
وأضافت مشعل أن بعض الشركات الفلسطينية تتعامل مع الحد الأقصى للمعادلة أو الحد الادنى، والبعض الآخر يتعامل مع النسبة الوسطية .
وأشارت أنها قدمت مقترحا مفصلا لمدير الهيئة فؤاد الشوبكي بعد الاطلاع على نتائج التحقيق يوضح كيفية تحويل المتر المكعب من الغاز إلى الكيلوغرام واللتر، "خصوصا أن الهيئة الجهة المسؤولة عن عملية التحديد".
وأكدت مشعل أن "المقترح في انتظار الموافقة والتعميم على كافة الشركات الفلسطينية"، وختمت بالقول "تطبيق هذا التعميم هو السبيل الوحيد لضمان عدم التلاعب".
غياب الرقابة
وأكد مصدر مطلع رفض الكشف عن نفسه من حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد الوطني غياب رقابة حماية المستهلك على الشركات الخاصة المزودة للغاز المنزلي نظرا لقلة عدد الكادر المتوفر.
وقال المصدر إن حماية المستهلك الجهة المسؤولة عن مراقبة مدى إلتزام الشركات بالاسعار المحددة "مقصرة في هذا الجانب".
يذكر أن هذا التحقيق تم بالتعاون بين تلفزيون وطن والائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة ( أمان ).