خاص - شبكة قُدس: لم تغفل "إسرائيل" منذ بدء طوفان الأقصى عن محاربة المحتوى الفلسطيني في محاولة لإضعاف روايته أمام العالم، فعملت على قطع الإنترنت وشبكات الاتصال لتواصل مزيدا من جرائم الإبادة ضد المدنيين العزل، لكن الفلسطيني في قطاع غزة نجح في اختراق الأقمار الصناعية لينقل الحقيقة ويفضح زيف الاحتلال.
ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن "جبهة التوعية" لا تقل أهمية عن ساحات القتال، ووصفتها بـ"المعركة على الوعي" لدورها في اختراق الفضاء الافتراضي وإيصال صداها إلى كل العالم.
كما عملت حكومة الاحتلال بفرض الرقابة على المحتوى الفلسطيني وحذفت آلاف المنشورات على مختلف المنصات وذلك من خلال طلب أرسله المدعي العام الإسرائيلي إلى شركة ميتا لإزالة المحتوى المتعلق بجرائم الاحتلال، ومع ذلك ومنذ الأسابيع الأولى خرجت المسيرات الشعبية والطلابية في أوروبا وأمريكا تدعم قطاع غزة، رغم السياسات الجديدة التي فرضت ضد المحتوى الفلسطيني على المنصات المختلفة.
محاربة الرواية الفلسطينية رقميا
مع بدء طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 عملت حكومة الاحتلال الإسرائيلية المتطرفة على إغراق المنصات الرقمية بروايتها الكاذبة، وسعت لإغلاق صفحات الصحفيين والنشطاء والمؤثرين، نجحت أولها لكن سرعان ما انتبه الفلسطينيون في غزة لذلك وتجنبوا كثيرا من الخوارزميات التي تضعها المنصات عقبة أمامهم.
ورغم الإمكانيات البسيطة بعد قصف المقرات الصحفية، تمكن الصحفيون المختصون من تدبر أمورهم لنقل الصورة والرواية الفلسطينية، خاصة وأنها الحرب الأولى التي لم تتواجد الصحافة الأجنبية لتغطيتها، فسعى النشطاء لتوفير الشرائح الإلكترونية لشبكات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية ونقل الصورة للعالم.
ولأن "إسرائيل" تدرك خطورة المعركة التي تكشف إجرامها، قتلت نحو 175 صحفيا وصحفية منذ بدء الحرب، وقصفت غالبية المقار الإعلامية، وراحت تلاحق الصحفيين في كل مكان.
يقول المهندس سمير النفار المختص في الإعلام الرقمي، إن الرواية الفلسطينية ارتكزت لتتصدر منصات التواصل الرقمية الإرشادات الواسعة بالتضامن الرقمي خاصة مع ظهور منصات ساعدت في الانتشار مثل منصة تيك توك والإنستجرام، وموقع إكس، ما ساعد أيضا هو التجارب الإنسانية والمأساة التي تعرض يوميا على الشاشات.
وأكد النفار لـ "شبكة قدس" أن الحياة الصعبة التي يعيشها الناس في قطاع غزة ربما شكلت حافزا للتفاعل، وساهمت في زيادة التضامن العالمي، لا سيما معاناة النزوح والعيش في الخيام وما يعانيه النازحين من ظروف صعبة يعكسونها بطبيعة الحال على منصات التواصل الاجتماعي.
وبحسب متابعته فإن المستخدمين العاديين والنشطاء كانوا يصورون حياتهم اليومية ما ساهم في وصولها للمتابعين خارج القطاع، وكان لذلك الأثر والتفاعل الكبير من ناحية إنسانية، بالإضافة إلى الجانب التوثيقي للجرائم اليومية له أثر على منصة التواصل الاجتماعي.
وذكر أن قصص المعاناة التي نشرت على القنوات المليونية حصدت تفاعلا بالملايين، وكذلك التفاعل على الأوسمة وذلك سابقة نوعية بالنسبة للقضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية، مقارنة مع ما يروجه الاحتلال من روايات كاذبة ومضللة.
يذكر أن شركة "ميتا" بدأت بتحريض من الاحتلال؛ تشديد رقابتها على المحتوى الفلسطيني، وشملَ ذلك في البداية إزالة المشاهد التي توثِّق الهجوم على المستشفى المعمداني العربي في غزّة ليل 17 تشرين الأول/أكتوبر.
كذلك، خفّضت “ميتا” من مدى انتشار ومشاهدة القصص الداعِمة لفلسطين على “إنستغرام”، علماً أنّ هذه القيود نفسها فُرِضَت عام 2021، ما يزيد من الأذى اللاحق بالمُستخدِمين ويعكس فشل المنصّة في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان وتقييد الوصول إلى المعلومات خلال الأزمات. وفي الحالتَيْن، ادّعت “ميتا” أنّ السبب يعود إلى أعطال تقنيّة وبرمجيّة واسعة النطاق.
بالإضافة إلى ذلك، سمح موقع “يوتيوب” لوزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلية بعرض إعلانات مدفوعة تبرّر استخدام العنف والهجمات الفتّاكة ضدّ الفلسطينيّين، وهو أسلوب سبق أن لجأت إليه وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية قبل عامَين. في موازاة ذلك، راقبت بعض منصّات التواصل الاجتماعي حسابات الصحافيّين والمنظمات الإعلامية التي تغطّي وتوثّق الأحداث في فلسطين وعلّقتها.
كما فرض “تيكتوك” ما أسماه “حظراً دائماً” على الحساب الرسمي لموقع Mondoweiss الإلكتروني الذي يركّز على التطوّرات في فلسطين، كذلك، علّقت منصّة “إنستغرام” حساب مراسلة Mondoweiss في الضفّة الغربية.
وهذه الممارسات تقوِّض حقّ الصحافيّين في أداء مهنتهم وفي الوصول إلى المعلومات وحقّهم في حرّية الرأي والتعبير.
كيف نجح الفلسطيني رقميا في نشر روايته للعالم؟
يقول سائد حسونة المختص في الإعلام الاجتماعي، إن كاتب المحتوى والناشط والصحافي نجح في نشر روايته رقمياً بفضل وعيه العميق بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لنقل الصوت الفلسطيني. بالرغم من أدواته البسيطة، فاستخدم منصات مثل فيسبوك وتويتر لإنشاء مجتمع قارئ، حيث تفاعل مع جمهوره مباشرة، مما زاد من انتشار روايته واهتمام الناس بها.
وذكر حسونة لـ "شبكة قدس" أن الرواية الفلسطينية ارتكزت على عدة عوامل لتتصدر المنصات العالمية الرقمية وهي: الأسلوب السردي الفريد الذي يجمع بين التجارب الشخصية والواقع السياسي، بالإضافة إلى الاستجابة للمتغيرات العالمية؛ حيث تعكس الأحداث الجارية في فلسطين، مما يجعلها ذات صلة بمواضيع إنسانية أوسع.
وارتكزت كذلك على استخدام الوسائط المتعددة مثل الفيديوهات والصور لتعزيز الرسالة السردية وجذب الانتباه.
وفيما يتعلق بتأثر سياسة منصات التواصل الاجتماعي على حفظ الرواية الفلسطينية، ذكر حسونة أنه رغم الرقابة الإسرائيلية على المحتوى الفلسطيني، تأثرت بشكل إيجابي، بدليل المسيرات الشعبية والطلابية في أوروبا وأمريكا مما زاد في رفع الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية، وأعطى دفعة للرواية الفلسطينية على المنصات الرقمية.
وأكد أن حالة رفع الوعي أدت هذه الديناميكية إلى تضامن عالمي ومشاركة أكبر للقصص الفلسطينية، مما زاد من تأثيرها وانتشارها.
ومن القصص العالقة التي انتشرت رقميا عبر صفحات المواطنين كانت "روح الروح" وهو الجد الذي كان يودع حفيدته الشهيدة ويمسح على وجهها، فتعاطف العالم كله مع تلك القصص كونها صادقة وواقعية، بعيدا عن محاولات الاحتلال في اظهار الفلسطيني بأنه إرهابي، فتلك الصور والفيديوهات البسيطة دحضت الرواية الإسرائيلية الكاذبة.
ولاستهداف المقرات الإعلامية بما فيها من أدوات للعمل الصحفي، كان الضحايا أنفسهم يصورون بهواتفهم النقالة وحين يتوفر الإنترنت ينشرون ما يتعرضون له من قتل ونزوح، فكانت صرخاتهم تصل للعالم عبر ملامحهم المسالمة والرافضة لكل أشكال العدوان.
باختصار، عكست الرواية الفلسطينية وقصصها الموثقة بالصوت والصورة واقعاً مريراً لكن مليئاً بالأمل، واستطاعت الوصول إلى جمهور عالمي بفضل التكنولوجيا ووعي الكتاب.