شبكة قدس الإخبارية

بعد 42 عاماً من المطاردة… خلية تفجير مقر الحاكم العسكري في صور تخرج إلى الضوء

photo_2024-09-30_10-53-11

خاص - شبكة قُدس: بينما كانت قوات الاحتلال تمد يدها على لبنان من جنوبه إلى مشارف العاصمة بيروت، ويبدو أن "الزمن الإسرائيلي" يفرض سطوته على الزمن العربي والإسلامي، كانت مجموعات من الشباب اللبنانيين من أيدلوجيات مختلفة إسلامية ويسارية وقومية ومن طوائف متنوعة تستعد لإطلاق حركة مقاومة واسعة جعلت لبنان البلد الصغير يمثل في العقل الإسلامي نسخة من حرب فيتنام من حيث الخسائر الفادحة.

في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، انهار مقر الحاكم العسكري في مدينة صور اللبنانية على من فيه من وحدات عسكرية واستخباراتية، وكان المشهد قاسياً على دولة الاحتلال التي صار الحدث حاملاً وصف "كارثة صور" الأولى، في تاريخها، وبقيت صورة أرئيل شارون وزير الجيش حينها الذي نفذ الاجتياح لتغيير "وجه الشرق الأوسط" وهو على ركام المقر المدمر وعليه علامات الإحباط والحزن والقلق الشديد، حاضرة في الوعي التاريخي العربي والإسرائيلي على سواء.

حاولت دولة الاحتلال الإسرائيلي حينها نفي أن يكون الانفجار بفعل فاعل، وخرجت لجنة التحقيق بنتيجة أن المبنى تدمر بسبب انفجار في عبوات الغاز، ومؤخراً بعد نحو 42 عاماً اعترفت لجنة التحقيق التي شكلتها حكومة الاحتلال بضغط من عائلات الضباط والجنود القتلى أن الحدث كان عملية استشهادية نفذها حزب الله.

بقي حزب الله منذ العملية حتى 1985 يتكتم على اسم الاستشهادي أو مسؤوليته عنها، وعقب الانسحاب الإسرائيلي الأول من مدن وبلدات في جنوب لبنان أعلن الحزب بيانه التأسيسي الأول الذي عرف باسم "الرسالة المفتوحة"، وكشف عن اسم منفذ العملية وهو الشاب أحمد قصير من بلدة قانون النهر في جنوب لبنان.

وطوال هذه السنوات لم تعرف عائلة الاستشهادي أحمد قصير شيئاً عنه، حتى كشف الحزب عنه في بيانه الأول، لكن انكشاف اسم المنفذ لم يكشف معه أسماء المخططين والخلية المشاركة.

لسنوات بقيت هذه العملية والمسؤولين عنها لغزا في الصراع الاستخباري الإسرائيلي ومعها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتهم ذات المجموعة بالمسؤولية عن عمليات قاتلة أخرى ضد قواتها، في لبنان، كما في تفجير السفارة الأمريكية ومعسكرات "المارينز" والقوات الفرنسية.

في شباط/ فبراير 2008، بعد عقود من المطاردة وصلت الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية إلى القائد العسكري لحزب الله، عماد مغنية، واغتالته بعد تفجير عبوة ناسفة عقب خروجه من اجتماع مع الفصائل الفلسطينية وفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في العاصمة السورية دمشق.

اغتيال مغنية أخرج الشخصية الغامضة التي كانت تلاحقها عدة أجهزة استخباراتية، في المنطقة والعالم، إلى الضوء وبدأ الناس يتعرفون على سيرته من خلال ما ينشره الإعلام الحربي في حزب الله، وشهادات من عرفوه منذ بدايات شبابه مناضلاً في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، قبل أن ينضم إلى التشكيلات والنواة الأولى في حزب الله.

خلال هذه السنوات كشف حزب الله عن أدوار مختلفة لمغنية، في الصراع ضد دولة الاحتلال، وأعلن أنه أحد المسؤولين عن عملية تفجير مقر الحاكم العسكري في صور. وفي 2018 كشفت قناة المنار في وثائقي حمل اسم "لهيب الصنوبر" عن تفاصيل العملية من خلال شهادات قيادات لم يكشف عن هويتهم.

كشف الوثائقي أن مغنية خطط مع رفاقه لتنفيذ عملية قاتلة تلحق أضراراً شديدة بقوات الاحتلال، في عمق المناطق المحتلة حينها، وبعد عمليات رصد استقر رأي المجموعة على مقر الحاكم العسكري في صور، وقال إن من بين المشاركين كان الشهيد عبد المنعم قصير الذي شارك في المجموعات الأولى للحزب التي شكلت البنية التحتية واللوجستية للعمل العسكري فيه.

في معركة "طوفان الأقصى"، شن جيش واستخبارات الاحتلال سلسلة اغتيالات بحق قيادات في الصف الأول من الحزب، وبعد 42 عاماً من عملية تفجير مقر الحاكم العسكري كشف عن مشاركين آخرين فيها.

في 30 تموز/ يوليو، اغتال طيران الاحتلال القائد العسكري في حزب الله، فؤاد شكر، بعد قصف بناية في الضاحية الجنوبية لبيروت. في السيرة الذاتية للشهيد كشف الإعلام الحربي في الحزب أنه كان من المشاركين والمخططين لعملية الاستشهادي أحمد قصير.

ووفقاً للحزب فإن شكر كان مشاركاً أيضاً في التخطيط لسلسلة عمليات استشهادية، خلال فترة الاحتلال، بينها تفجير مقر قوات الاحتلال في مدرسة الشجرة في مدينة صور، التي يطلق عليها الاحتلال "كارثة صور الثانية"، وبقي الاستشهادي منفذها مجهول الاسم حتى اليوم.

وفي الأسبوعين الماضيين، نفذت استخبارات وجيش الاحتلال عدواناً واسعاً على البنية القيادية للحزب، واغتال مع الأمين العام حسن نصر الله القائد العسكري لمنطقة الجنوب، علي كركي، الذي بقي على قائمة المطلوبين أكثر من 4 عقود.

وفي سيرته الذاتية أيضاً كشف الحزب أن كركي كان من الخلية التي خططت لعملية الاستشهادي، أحمد قصير، ومنذ ذلك الوقت بقي منخطراً في العمل العسكري في مختلف المراحل حتى التحرير في أيار/ مايو 2000، ثم حرب تموز/ يوليو 2006، وصولاً إلى قيادته للعمليات من منطقة الجنوب خلال معركة إسناد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

عقب اغتيال قائد فرقة الرضوان، إبراهيم عقيل، في غارة على الضاحية الجنوبية في بيروت اعترف وزير جيش الاحتلال، يوآف غالانت، أن الشهيد كان سبب جرح شخصي له في مسيرته العسكرية، بعد أن كان أحد المشاركين في كمين أنصارية في جنوب لبنان، في 1997، الذي وقعت قوة من وحدة النخبة البحرية "شاييطت 13" في كمين أعده الحزب مسبقا، وقتل فيه قائدها يوسي كوراكين مع نحو 11 جندياً آخرين.

بقي قادة المستوى الأول في الحزب على رأسهم عملهم العسكري والأمني، لأكثر من 4 عقود، منذ عملية تفجير مقر الحاكم العسكري وانخراطهم لاحقاً في مختلف مراحل صعود الحزب، وفشلت استخبارات الاحتلال في الوصول لهم حتى تحقق لها تحصيل الثأر في عمليات قصف جوي باستخدام أسلحة أمريكية، في ظل تأكيدات محللين وخبراء أن الولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة استخبارات من دول أخرى شاركت في توفير معلومات عن هذه الشخصيات.