غزة - خاص قدس الإخبارية: في مثل هذه الأيام من كل عام، تستعد العائلات الفلسطينية في قطاع غزة لانطلاق العام الدراسي، لكن هذا العام يقف الطلاب الذين نجوا حتى الآن من حرب الإبادة الجماعية أمام ركام مدارس دمرها الاحتلال، وبدلا من الوقوف في طابور الصباح يقفون في طابور المياه والتكيات ومن الركض للصفوف إلى محاولة النجاة من الموت.
وعلى الرغم من ذلك تبقى الحاجة إلى التعليم ركيزة أساسية فهنا، حيث تلتهم الحرب كل شيء، يقف المعلمون والمعلمات كجنود في معركة غير متكافئة، يخوضونها بكتبهم وأقلامهم فلا تقتصر مهمتهم على تلقين الدروس، بل تتجاوزها لتصبح رسالة مقاومة وصمود؛ رسالة تؤكد أن التعليم هو السلاح الأقوى في وجه الجهل والاحتلال، وأن الأمل في بناء مستقبل أفضل يبدأ من مقاعد الدراسة حتى في أقسى الظروف، كما يؤكدون
في قطاع غزة، برزت مبادرات تعليمية قادتها معلمات لمواجهة هذا الواقع المرير بين أجواء الدمار والنزوح، تفتح هذه المبادرات نافذة أمل لأطفال غزة، للحفاظ على تعليم الأجيال الناشئة رغم الظروف القاسية.
من هنا الفكرة
من جهتها قالت معلمة اللغة العربية رولا زقوت:" بدأت فكرتي من حادثة شاهدتها بين الأطفال النازحين حيث كانوا يلعبون لعبة فيها أرقام فتفاجأت بأن منهم لا يعرف ما هو الرقم شعرت بالغيظ الشديد وقررت بأن أنفذ المبادرة"، مشيرة إلى أنها في البداية استهدفت الطلاب من الصف الأول إلى السادس ولكن لاحظت بأن الصف الأول والثاني هم الفئة الأكثر حاجة للتأسيس فتم التركيز عليهم، حسب وصفها.
حنين أبو عطيوي من فريق مبادرات التغيير_ فلسطين فقد أكدت لشبكة قدس أنهم قد توقفوا عن تلك المبادرات وجاهيا بسبب الحرب على قطاع غزة، مشيرة إلى أن ساعات فقط فصلت بين حلمها في الحصول على وظيفة معلمة واندلاع الحرب.
وأوضحت أنها خلال الحرب انقطع تواصلها بالعالم الخارجي لأكثر من 4 شهور: وبدأت من جديد، درست أطفال عائلتي ثم انتقلت للبحث عن مراكز تعليمية، ثم أطلقنا مبادرة " سنواصل التعلم" في مدرسة إيواء بالنصيرات لمدة 3 شهور، وفي هذه الفترة ملت أيضا بمدرسة بيت تراث العربي التعليمي في دير البلح واستمريت فيها.
المهندسة هنادي ديبه التي تجمع بين تخصصي الهندسة والتعليم، من بين المبادرين في تعليم الأطفال في مراكز الإيواء، تقول: أعمل في التعليم منذ 10 أعوام، بجانب عملي كمهندسة أقدم دروس تقوية خاصة في منزلي في مادتي الرياضيات والإنجليزي لكل المراحل، لدي قدرة ومهارة على التدريس وتوصيل المعلومة، ومن هنا بدأت الفكرة من دافعي لعمل شئ مفيد يملأ فراغي ومن جهة أخرى فكرة تخدم الأطفال معي في مخيمات النزوح، وطبقت فكرة عمل تعليم خاص للأطفال من الصف الأول حتى الرابع الابتدائي.
صعوبات وتحديات
وفيما يتعلق بالمواد اللازمة لاستمرار العملية التعليمية تقول زقوت: واجهت صعوبات كثيرة وتحديات أكبر، بدأت من لا شيء وناشدت بعض المؤسسات للمساعدة ولكن دون جدوى.
حاولت زقوت استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، تقول زقوت، وتضيف: على حسابي في الانستجرام حصلت استجابة من بعض المتابعين، منهم من وفر قرطاسية ومنهم من وفر سبورة.
وأشارت إلى أن الصعوبة والتحدي الأكبر بالمكان خاصة بعد تدمير المدارس ولجوء الناس إليها كمراكز للإيواء.
الفكرة التي انتشرت بين عدد من المعلمات، تروي زقوت، واجهت صعوبات كبيرة مع استمرار قصف المنازل ومراكز الإيواء وإجبار جيش الاحتلال للفلسطينيين على النزوح مرة تلو الأخرى.
وعن الفئات المستهدفة، أوضحت المعلمة أبو عطيوي أنها من عمر 5 سنوات حتى 12 سنة، والتركيز على تدريس المواد الأساسية اللغة العربية، والإنجليزية، والرياضيات، والأنشطة الرياضية، واللامنهجية، مع التفريغ النفسي و الترفيه عن الطلاب وإخراجهم من أجواء حرب الإبادة.
وأضافت حنين: لكن العمل في ظل الحرب يشكل خطرا على حياتي و حياة الطلاب.
بدورها قالت ديبة: تغلبت على موضوع الكتب بتوفير طابعة وجهاز الحاسوب الشخصي، بعد أن حملت الكتب لكل المراحل من الصف الأول حتى الرابع ثم طباعة الدرس للطلاب وتزويدهم بها للمتابعة والتركيز أكثر.
شوق للقلم والكتاب
ولفتت رولا أنها كانت متخوفة من عدم إقبال الأهالي على إرسال أولادهم: بفضل الله هناك قبول ممتاز من الطلبة والأهالي، في البداية أعلنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن بدء التسجيل للمرحلة ووجدت إقبالاً كبيراً، ونتواصل مع أولياء الأمور دوريا.
وأكدت أبو عطيوي على الإقبال الكبير من الأهالي، وشغف التعلم لدى الطلاب وحمل القلم والكتاب والدفتر، وتقول: "منذ اللحظة الأولى في مركز التعليم، قالوا لي: متى سنكتب؟".
وتابعت: الطلاب يتوافدون إلى المدرسة لمجرد سماعهم صوت الأطفال وهم يرددون الكلمات أو الأناشيد أو الدروس في المراكز.
وفي ذات السياق، أكدت المعلمة هنادي أن الإرادة والأمل هما الدافعان لتسخير كل الموارد لتنفيذ أية فكرة حتى لو كانت في الظروف الصعبة.
وذكرت أن المعلمين تواصلوا مع الأهالي وعرضوا لهم الفكرة، ووجدوا إقبالاً كبيرا عليها، ثم بدأت مساعي جلب الدعم لشراء المواد الأساسية، وعن طريقة التعليم قالت: الطريقة الفعالة لجذب الأطفال هي في توصيل المعلومة من خلال اللعب مع منهاج منظم معد من قبل مختصين بينهم من يعمل في الأونروا، وتقسيم العملية التعليمية على مراحل.
ما المطلوب من الوزارة؟
وتمنت رولا من جميع المختصين من وزارة التربية والتعليم عدم إهمال التعليم، الذي من خلاله "نقضي على مخططات الاحتلال في تجهيل أبناء شعبنا وطمس هويتهم والقضاء على القضية الفلسطينية"، حسب وصفها، وقالت:
بالتعليم تستمر الأجيال والحياة التعليمية بأهدافها نحو مستقبل مشرق.
وتمنت المعلمة حنين أيضا أن تعتمد وزارة التربية مراكز التعلم، وأضافت: كلنا جهود ذاتية تسعى إلى استمرار التعلم وإنقاذ أطفالنا وتعويض ما فاتهم.
ودعت وزارة التربية إلى وضع خطة لإنقاذ العام الدراسي، من خلال "المنهج الحلزوني" في مهارات التعلم بالتزامن مع الترفيع الآلي والابتعاد عن التعلم الالكتروني، حسب وصفها، بسبب الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه أهالي قطاع غزة، أو توفير مكان مخصص للتعلم وأجهزة لجميع الطلبة وتقديم دورات للمعلمين.
وترى المهندسة والعلمة هنادي أن على الوزارة تكوين لجان، في كل منطقة، مهمتها ترتيب القضايا التي تتعلق بجمع الطلاب واستقطابهم والإشراف عليهم وتوفير الحاجيات الأساسية.
ونوهت أنهم كانوا بصدد المناقشة مع وزارة التربية والتعليم لدعم تلك المبادرات وبشهادات معتمدة، مضيفة: لكن أوامر الإخلاء كانت أسرع من انتهاء الفصل الأول، وبدأت العائلات بالنزوح، وتقلص عدد الطلاب وانتقلنا من مكاننا.
وأكدت أن العملية التربوية كانت منظمة حسب خطة التعليم وكيفية استرجاع الأفكار ودمج الطلاب مرة أخرى بالمسيرة التعليمية والعمل على جذبهم لها، حسب تعبيرها
من جهتها أكدت مدير مدرسة رواد المستقبل والمشرفة في وزارة التربية والتعليم، ميساء أبو ستة: منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة تقطعت السبل ب700.000 طالب، وعلى مدار 11 شهرًا لم تتخذ أي جهة رسمية خطوة جادة باتجاه استنهاض ما يمكن من المنظومة التعليمية.
وقالت في لقاء مع شبكة قدس: بعد نزوحي لرفح والعودة لخانيونس بعد 6 شهور، وجدت الحي الذي أسكن فيه مدمرا بشكل كبير جدًا، ومن واقع عملي وواجبي تجاه طلابي حاولت العثور على مكان لتنفيذ مبادرة تعليمية لطلاب الحي بجهود فردية، كان من المستحيل إيجاد مكان مناسب، لذا أعدت ترميم الطابق الأرضي من منزلي المدمر لاستقبال الطلبة.
وأضافت: الفكرة تعتمد على استقبال 3 شعب بستان وتمهيدي والصف الأول بقدرة استيعابية ل60 طالب/ة، وحصل إقبال كبير واهتمام بالغ من الأهالي لمتابعة تعليم أولادهم، وعدد المسجلين خلال يومين أكثر من قدرتنا على الاستيعاب"، موضحة أنهم عملوا على إضافة فترات دراسية مختلفة لكل مجموعة ساعتين، وأمام مطالب الأهالي وتشجيعهم أصبح المركز يستقبل الطلبة حتى الصف التاسع.
وبينت أن تجهيز المكان بالأثاث والقرطاسية كان أصعب شيء لانعدام وجود الأثاث في السوق، وارتفاع أسعارها متابعة: بصعوبة حصلت على بعض الأثاث المستهلك وأعدت ترميمه، وفي الفترة الأولى تمكنا من توفير أقلام وكراسات للطلبة، ولكن الآن الأمر بات أصعب، أما المحتوى التعليمي فبعد أن فقد طلابنا كتبهم سواء تحت الردم أو أنهم احرقوها بأيديهم لإعداد الطعام والخبز في ظل انقطاع الوقود في فترة سابقة خلال الحرب، فإننا نعتمد على نسخة إلكترونية من كتب المنهاج الفلسطيني قامت المعلمات بتحميلها على هواتفهم وتستخدم للشرح وتحضير الدروس.
وأكدت أبو ستة على الرغبة شديدة لدى الطلاب للعودة لمقاعد الدراسة بعد انقطاع طويل، وقالت: ولم نبذل مجهودا في الإعلان عن المشروع فبمجرد بدء تجهيز المكان ومعرفة سكان الحي بالأمر كان هناك تقبل كبير وإقبال على التسجيل، ونستقبل الآن حوالي 200 طالب.
واستطردت: ولكن يبقى التعليم في دائرة الاستهداف على المدى القصير والبعيد، وأخشى حقيقة من تبعات الحرب على الجانب التعليمي على المدى البعيد، فقد صُنف المجتمع الفلسطيني والغَّزي على وجه الخصوص بأنه الأكثر تعليمًا في العديد من الاحصائيات العربية والدولية خلال السنوات الماضية، فحصلنا على أعلى نسبة تعليم للاناث، وأعلى في الحاصلين على درجات علمية عليا، وفي إحدى الاحصائيات حصل قطاع غزة على نسبة صفر في التسرب الدراسي، كل هذا لن يعود بعد الحرب كما كان، خاصة بعد تدمير البنية التحتية للجامعات وما نسبته 90% من مباني المدارس، ولكن يبقى الأمل في الكوادر والقيادات التعليمية أن تستطيع تجاوز الازمة بجهودها الحثيثة.
وفي السياق أكدت أن عشرات المبادرات الفردية انطلقت بهذا المجال، من مبادرين شعروا بواجبهم الوطني تجاه الطلبة ولم يقفوا مكتوفي الأيدي، حسب تعبيرها، إلا أن هذه الجهود "غير كافية ولا تستطيع الوصول للجميع"، مضيفة: الأمر لا يبدو مستحيلا لو تكاثفت الجهود للعمل على تعزيز التعليم غير الرسمي خلال الفترة الحالية، نتمنى أن تتخذ الجهات الرسمية والمؤسسات المعنية بالتعليم خطوة بهذا الاتجاه لردم الفجوة في الفاقد التعليمي لضمان مستقبل أفضل للطلبة، كما أن الالتحاق بحلقات التعليم يساعد في التفريغ النفسي لدى الأطفال وهو ما يحتاجونه بشكل عاجل ومكثف في ظل ما عانوه خلال الأشهر الماضية.
بدورها قالت المشرفة في وزارة التربية والتعليم، غالية نواس، والحاصلة على أفضل معلم عربي في العالم في بطولة كأس العالم للمبدعين العرب : إقبال كبير من الطلاب وأولياء الأمور فهم حريصون جدا لإكمال أبنائهم تعليمهم، واستقطبهم المعلمون بالتحفيز والتشجيع، بالتزامن مع التفريغ النفسي أثناء التدريس، وبذلك ينشغل اليقل عن واقع حرب الإبادة.
وأضافت: وفرنا للأطفال أجواء تعليم وتدريس وشعروا بالأمان في هذه المراكز التعليمية، ويتابع المعلمون توجيه الطلاب كل على حدة، من حيث كيف يشعر؟ هل يستطيع الكتابة والقراءة وفهم الدروس؟.
وأوضحت: نستطيع إنقاذ ما يمكننا إنقاذه من مستقبل الطلاب كي يحصلوا على الموضوعات الأساسية في التعليم، ومن القراءة والكتابة وتعلم أساسيات اللغة العربية والرياضيات.
وأشارت إلى أن المبادرات تعليمية تنطلق من مجهود شخصي، وقالت: لا يوجد شهادات معتمدة رسمياً إذ أن وزارة التربية والتعليم لها رؤية أخرى مختلفة تماما عمّا نفعله الآن.