قطاع غزة - خاص شبكة قُدس: في أوج حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، شن الاحتلال حرباً أخرى لتدمير المعالم الثقافية والهوية العمرانية والتاريخية في المدينة، ودمر عشرات المساجد والمباني والأسواق التي عمرها أضعاف وجود دولة الاحتلال، وبعضها ضارب في التاريخ إلى آلاف السنين وعاصرت مراحل متعاقبة.
غزة هاشم من يسمعها يتسلل إلى ذهنه سريعا الجامع العمري الكبير، سوق القيسارية والزاوية، متحف قصر الباشا، حمام السمرة، جامع السيد هاشم وغيرها من المعالم الأثرية، تلك المدينة القديمة الحديثة التراثية الحضارية والتي لم تنل نصيباً من شيءٍ أكثر من العناء ولا تقاسمت مع غيرها من المدن أكثر من الوجع، أنهكها الاحتلال الغاشم، ودمرها، وما زال يأبى إلا أن يترك ندبة في كل زاويةٍ فيها لتكون شاهدة على جرائمهم.
جولة في تاريخ تعرض للتدمير
نستعرض بعضا من تاريخ تلك الأماكن الأثرية، فلا أحد منا لا يعرف الجامع العمري الكبير وهو المسجد الأكبر والأقدم في قطاع غزة، وقد أُطلق عليه هذا الاسم تكريماً للخليفة عمر بن الخطاب صاحب الفتوحات، وبالكبير لأنه أكبر جامع في غزة.
كان موقع المسجد الحالي معبداً فلسطينياً قديماً، ثم حوَّله البيزنطيون إلى كنيسة، وبعد الفتح الإسلامي حوَّله المسلمون إلى مسجد، تم دمر الاحتلال أجزاء منه وحطم المئذنة التي يعود تاريخ بنائها إلى 1400 عام، وفي هذه الحرب الدامية سواه بالأرض بعد ضربه بالصواريخ.
أما عن سوق الزاوية الشعبي يقع بين شارعي عمر المختار والوحدة وسط مدينة غزة، والمعروف تاريخيًا باسم "سوق القيسارية" الأثري الذي يعود تأسيسه إلى العصر المملوكي. يعتبر السوق المركزي لقطاع غزة منذ أيام الإدارة المصرية إلى أن جاء الاحتلال الإسرائيلي وبعد عام 1967 أصبح سوقاً مركزياً في فلسطين، يجلب التجار البضائع إليه من مصر والجولان السوري المحتل.
وعن قصر الباشا فهو أحد أهم المباني الأثرية بحي الدرج في مدينة غزة، بني في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس، وتأثر أيضا بالعمارة العثمانية، تحول إلى متحف عام 2010 وخضع لأعمال ترميم مهمة.
استهدفته الطائرات الإسرائيلية في كانون الأول/ ديسمبر مع مواقع تاريخية وأثرية أخرى، في مخطط لتدمير الوجه الحضاري للمدينة، التي يقول أهلها إن كل شارع يقول لك إن "الفلسطيني عاش ومر وعمر هنا"، ويؤكدون: "إن دمروا المعالم فالروح حاضرة تعيد البناء".
أين دور المؤسسات الدولية؟
مدير دائرة نظم المعلومات الجغرافية في بلدية غزة، المهندس أيمن أبو شعبان يقول لـ "شبكة قُدس"، إنه "في ظل هذه الحرب المدمرة لم يتبق أي قطاع بالمدينة على حاله، القطاع السياحي من مرافق ومواقع تراثية وأسواق عامة وفنادق ومطاعم وبنية تحتية خدماتية دمرها الاحتلال بالكامل".
وأشار إلى معالم أثرية دمرها الاحتلال مثل: الجامع العمري الكبير، وسوق القيسارية المجاور، وسوق الزاوية، ومتحف قصر الباشا، وحمام السمرة، وجامع السيد هاشم، وسباط العلمي وبيت العلمي المجاور له، وقصر السقا، وجامع الشيخ زكريا، والشيخ خالد، والظفر دمري، وبيت بسيسو الأثري.
وأوضح أن هذه المواقع التي تم التعرف عليها من خلال الإعلام لأن عمليات حصر المواقع المدمرة غير ممكنة حالياً بسبب استمرار العدوان، وقال: من أجل التدخل السريع والإنقاذ ولحين توقف الحرب الدامية وتوفر الفرصة لعمل حصر شامل ودقيق من خلال دخول كل مبنى أثري وفحصه.
وأكد أن أهالي المدينة سيعيدون البناء، قائلاً: أهالي المدينة الذين أعادوا ترميم الجامع العمري وكافة المباني الأثرية بعد تهجير سكان مدينة غزة وتدميرها بصورة هائلة بالحرب العالمية الأولى هم أجداد أهالي المدينة الحاليين.
ولفت إلى أنه يوجد حاليا بغزة خبراء ومختصون لديهم خبرة واسعة بترميم المباني التاريخية والأثرية، كما أن طبيعة مواد بناء المباني الأثرية من حجر رملي ومواد تقليدية يسهل تشكيلها والتعامل معها، وما دام هناك توثيق دقيق لدى المؤسسات التي كانت تعمل بغزة قبل الحرب بالخرائط وبالصور فإنه يمكن إعادة هذه المباني كما كانت وأفضل كونها كانت تحتاج للترميم، وفقاً لأبي شعبان.
من جهة أخرى، تحدث عن ضعف الاهتمام الدولي لحماية المباني الأثرية ووقف تدميرها، واعتبر أنها تتصرف بــ"لا مبالاة واهمال متعمد"، وأوضح: أصدرت "أوراسموس" فلسطين عدة تقارير تحذيرية لتعرض التراث المادي بغزة للإبادة الشاملة وطالبت الجهات الدولية مثل أوراسموس الدولية واليونسكو أن تقوم بإصدار بيانات إدانة لما يحدث حيث قوبلت طلباتها بالاهمال واللامبالاة على عكس حالة أوكرانيا تماماً، حيث أصدرت على الفور وخلال نفس اليوم إدانات ووجهوها للأمم المتحدة وطالبوا بوقف فوري للحرب التي تهدد التراث المادي.
غزة مثل "طائر الفينيق"
وبين أبو شعبان أن المباني الأثرية بحاجة من 3 إلى 4 سنوات من العمل الجاد وتوفر المواد والأيدي العاملة، لإزالة ركام المباني وإصلاح البنية التحتية وإعادة الترميم، وقال: مدينة غزة تحتوي على التجمع الوحيد للمباني الأثرية بالقطاع الذي يشكل نسيجاً حضرياً تاريخياً.
ونوه إلى أن عدد المباني الأثرية لا يزيد عن 250 مبنى أثريا مع وجود الكثير من المؤسسات العاملة بالمجال.
وأضاف: حرب الإبادة المستمرة حتى يومنا هذا هدفها مسح أي شاهد على الهوية الثقافية والارتباط بالأرض وإنتاج مكانها بناء لا جذور له بالتاريخ، كما أن غزة معروفة بأنها رابع أو سادس أقدم مدينة بالعالم عمرها 6000 سنة وعلى أبوابها سقط الكثير من الغزاة، وتهدمت سبع مرات على مدار تاريخها الطويل، وفي كل مرة كانت تنهض من جديد مما جعل من طائر العنقاء وهو شعار بلدية غزة الحالي رمزا للمدينة.
وتابع: هذا الطائر الأسطوري ينهض من وسط الرماد والركام بكل مرة وتنطبق أسطورة هذا الطائر على مدينة غزة حيث إنه يتمثل بسكان المدينة ومبانيها وشوارعها.