شبكة قدس الإخبارية

عملية حاجز ترقوميا: ضربة جديدة للأمن الإسرائيلي

photo_2024-09-02_10-23-18

الخليل المحتلة - خاص شبكة قُدس: بينما يتصاعد مشهد المواجهة للكتائب المسلّحة المقاومة في شمال الضفة الغربية، تفاجئ محافظة الخليل المشهد الأمني الإسرائيلي بالانخراط في أعمال المقاومة، لكن على نمط مختلف عبر العمليات الفردية، التي أثبتت وجود تحضير مسبق للعمليات، لا سيما عبر استخدام أدوات تفجّيرية معدّة بشكل جيّد، كما حصل في عملية الجمعة الماضية في محطة وقود قرب تجمع غوش عتصيون، تزامنًا مع عملية إطلاق نار في مستوطنة كرمي تسور شمال الخليل، وصولًا للعملية النوعية التي قتل فيها 3 عناصر من الشرطة الإسرائيلية عند حاجز ترقوميا شمال غرب الخليل. 

اللافت في عملية ترقوميا، أنها عبّرت عن فشل أمني، إذ وقعت في مربع أمني تبدو فيه الكثافة الأمنية الإسرائيلية واضحة، عبر انتشار الحواجز، والمركبات الشرطية، وأنظمة المراقبة، لكن ذلك لم يمنع المنفّذ "مهند العسود" وهو عنصر سابق في جهاز حرس الرئيس الفلسطيني، من القدرة على الوصول إلى مكان العملية، ثم الانسحاب منه إلى منطقة أخرى في وسط المدينة تبعد نحو 20 كيلومتر. 

وتشكّل العملية معضلة للإسرائيليين إذ جاءت في أعقاب عمليتين في منطقة مجاورة، ما يوحي بأن الإجراءات الأمنية المكثّفة التي اتخذتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لم تحل دون قدرة المنفّذ على الوصول إلى أهداف إسرائيلية، وذلك يضع المقاربة الأمنية الإسرائيلية الموجودة الآن على المحكّ، وأمام تساؤلات حول إن كانت هذه المنظومة قادرة على مواجهة أي اتساع في دائرة العمليات المشابهة لعملية حاجز ترقوميا، وفق ما يقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، في حديث مع شبكة قدس. 

وتابع الشوبكي: "من المرجّح أن تعزز هذه العملية، وجهة نظر الأصوات الموجودة داخل المؤسسة الأمنية التي لا تريد للأوضاع الميدانية في الضفة أن تنفجر، على اعتبار أن ما حققته إسرائيل من مكتسبات في الضفة يجب الحفاظ عليه، وهذا ليس بعيدًا عن التحذيرات السابقة للمؤسسة الأمنية والموجّهة إلى المستوى السياسي بضرورة خفض الضغط على الفلسطينيين في الضفة، سواء من الناحية الأمنية والاقتصادية، خشية من هذه العمليات". 

وكانت أوساط إسرائيلية قد اعتبرت في وقت سابق أن ما جرى في شمال الضفة الغربية وقطاع غزة، جاء إثر الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب بعد خطّة فك الارتباط عام 2005، غير أن الشوبكي يوضح أن عمليات جنوب الضفة من الخليل تثبت عدم صحّة هذه الأطروحات التي قدّمت خلال الأسابيع الماضية، خاصةً وأن العمليات الأخيرة التي وقعت في الخليل، كانت قرب تجمعات استيطانية.

ووفق الشوبكي لا يعني بالضرورة عدم وجود خلفية تنظيمية للمنفذين، عدم وجود سياق تنظيمي للعملية، خصوصًا وأن هناك تحذيرات من فصائل فلسطينية في الأيام الأخيرة بأن العمليات تتم الآن في شمال الضفة، لكن ستتفاجأ إسرائيل بعمليات من جنوب الضفة، وذلك يعني وجود رؤية مركزية تحرّك الأمور وأن العمليات لم تعد في سياق ردّات الفعل، أو العمليات الانتقامية، وإنما عمليات موظفة سياسيًا، يراد منها دفع إسرائيل لإجراء مراجعات حقيقية صوب سياساتها في الضفة". 

وكانت كتائب القسام -الذراع العسكرية لحركة حماس- قد قالت في سياق بيان لها في 28 الشهر الماضي: "إن المحتل يحاول واهمًا كسر المقاومة في شمال الضفة، وسيتفاجئ بالموت والرد القادم الذي سيأتيه من جنوب الضفة ووسطها والداخل المحتل". 

وبحسب الشوبكي فإن العملية تعتبر تجاوزًا للرقابة الأمنية الإسرائيلية القائمة على استخدام أنظمة رقابة تكنولوجية حديثة مثل "Wolf Pack" و"Blue Wolf" إضافة إلى نقاط التفتيش على الطرق، والأبراج العسكرية، وهذا يعني أن العملية إن استهدفت أفرادًا من عناصر الأمن أو أفرادًا آخرين إسرائيليين، فإنها تعبر عن مراكمة للفشل الأمني الإسرائيلي بمعزل عن الجهة المستهدفة.

ويعتقد الشوبكي أن المقاربات الأمنية الإسرائيلية بالتعامل مع الضفة أو أي مكان فلسطيني أثبتت فشلها، إذ تبيّن أم مزيدًا من الضغط يعني مزيدًا من المواجهة، وأن العمليات التي وقعت مؤخرًا مرتبطة تمامًا بالحالة الكلّية في فلسطين. مضيفًا: "إذا شهدنا في المرحلة القادمة تقدمًا في العملية التفاوضية، ستعود الحالة المتصاعد إلى الهدوء، وما دون ذلك فإن تكرار نموذج عام 2021 قائم بأن تستجيب مختلف الساحات الفلسطينية إلى التصعيد، خصوصًا وأن الفصائل الفلسطينية باتت قادرة على أن ترمم لو الحد الأدنى من قدراتها التي أحدثت فارقًا في الضفة". 

بدوره، يقول الباحث في مركز رؤية للتنمية السياسية، صلاح العواودة، في لقاءٍ مع شبكة قدس إن الاحتلال ينظر إلى أيّ عملية مقاومة ناجحة على أنها مصدر إلهام لعمليات أخرى، ودافعًا لتنفيذ عمليات مشابهة، لا سيما بعد نجاح العملية في الوصول إلى هدفها جغرافيًا وتحقيق الجدوى منها كما جرى في عملية ترقوميا، -بالتالي- فإن ما يقلق الاحتلال هو تكرار نموذج عام 2015 عندما شكّلت عمليات الدعس والطعن حافزًا للشباب الفلسطيني بتنفيذ عمليات مشابهة، خصوصًا في المناطق التي شهدت هدوءًا في مرحلة معيّنة مثل جنوب الضفة.

وأشار العواودة إلى أن فصائل المقاومة تعمل على الاستثمار في الحالات المقاومة الفردية، أو الشعبية غير المنظمة، كما تعاملت مع الكتائب المسلّحة المقاومة في شمال الضفة، أو في حالة سابقة مع نموذج مجموعات عرين الأسود في نابلس عام 2022، واليوم قد تكرر المشهد في التعامل مع العمليات الفردية، إضافة إلى محاولتها المستمرة تحريض عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وليست عملية الشهيد مهند العسود بعيدة عن هذا السياق، وما تخشاه إسرائيل أن تتكرر العمليات من عناصر الأمن الفلسطيني.

ووفق العواودة فإن عمليات الخليل الأخيرة أفشلت القناعة الإسرائيلية بأن السيطرة على محافظة الخليل عبر "المصالح الاقتصادية والعائلية" التي تقودها السلطة، قد تؤدي فعلًا للهدوء، لا سيما وسط صعوبة تكرار مشهد الكتائب المسلّحة في شمال الضفة، داخل الخليل نظرًا للواقع الجغرافي الذي يفصلها عن خطوط تهريب الأسلحة عبر غور الأردن "شرقًا" كون البحر الميت يحول دون ذلك، غير أن ذلك كله لمن يمنع وقوع عمليات أظهرت استعدادًا مسبقًا من تجهيز عبوات، وزرعها في المركبة، ورصد موقع التنفيذ، وإطلاق النار من مسافة صفر، ما يعني أن العمليات بهذا الشكل تعتبر عامل قلقٍ للاحتلال الذي فشلت سياسته القائمة على "التدجين الاقتصادي والاجتماعي".

وختم العواودة حديثه بالقول إن العملية تؤكد فشل سياسة "غسل الأدمغة" التي تقوم عليها عقيدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعزل عناصر الأمن عن سياق المواجهة مع الاحتلال، والشاهد على ذلك عملية ترقوميا وعمليات سابقة أخرى أثبتت أن الصراع مع الاحتلال واجب فردي حال تراجع الواجب الجماعي وليس ذلك مقتصرًا الرؤية القائمة عليها السلطة الفلسطينية للتعبير عن الذات الفلسطينية.