شبكة قدس الإخبارية

بين حرب لبنان 2006 وطوفان الأقصى.. ما أوجه التشابه والاختلاف؟

في ذكرى حرب لبنان 2006.. كيف نقرأ معركة طوفان الأقصى؟

جنوب لبنان - خاص قدس الإخبارية: حلَت يوم أمس الذكرى 18 على نهاية حرب 2006 في لبنان بتسجيل فشل جديد للمنظومة السياسية والعسكرية والأمنية في دولة الاحتلال كانت له تبعات على المستوى الحكومي وفي الجيش ومختلف أركان الإدارة.

تأتي الذكرى تزامناً مع حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتصعيد على عدة جبهات بينها جنوب لبنان، والسيناريوهات المفتوحة على كل الاحتمالات في الصراع مع الاحتلال.

لا تتطابق عادة دروس الحروب ولا سماتها على المدى القصير والبعيد، بشكل كامل، ولكل حرب شخصيتها العسكرية والاستراتيجية والتفصيلية الدقيقة، لكن قد تلتقي في بعض المسارات أو المواصفات.

الهجوم الأول… المفاجأة

بدأت حرب لبنان الثانية بعد عملية لحزب الله انطلاقاً من جنوب لبنان أسر خلالها جنديين من جيش الاحتلال وقتل آخرين، بهدف إجراء عملية تبادل تقود إلى الإفراج عن الأسير سمير القنطار، وعدد من الأسرى الفلسطينيين والعرب.

في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر شنت المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام هجوماً كاسحاً ومفاجئاً على مستوطنات "غلاف غزة" والمواقع العسكرية فيها لأهداف متعددة: بينها أسر جنود، وكسر حالة الحصار، وتوجيه ضربة لفرقة غزة.

كانت عملية حزب الله مفاجأة في التوقيت الذي جرت فيه رغم أن الأمين العام حسن نصر الله أكد أن استمرار اعتقال القنطار سيقود لعملية أسر بهدف التبادل.

مثلت عملية "طوفان الأقصى" صاعقة لأجهزة استخبارات الاحتلال والمستويات السياسية والعسكرية بعد أن نامت على تقدير موقف يقول إن "حماس مردوعة"، وكان الهجوم أكثر مفاجأة وصدمة للاحتلال بسبب طبيعته والأهداف التي حققها والانهيار في صفوف القوات والنتائج الفورية والاستراتيجية.

فشل الجيش

أثبتت الحربان الخلل البنيوي على كل المستويات العملية والتشغيلية والقيادية في جيش الاحتلال باعتراف جنرالات وضباط من مختلف الرتب ومحللين عسكريين إسرائيليين.

فشل جيش الاحتلال في عمليات المناورة البرية في عمق جنوب لبنان وتكبد خسائر فادحة بشرية ومادية حتى في القرى التي تعتبر على الحافة الأمامية مثل عيتا الشعب وغيرها.

خرجت المؤسسة العسكرية في دولة الاحتلال من حرب لبنان بخلاصات حول أداء القوات البرية وحاجتها العاجلة للتطوير بعد فشلها في عملية المناورة البرية أمام عناصر حزب الله.

أكدت الدراسات المختلفة أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية كانت من أسباب هذا الفشل بعد أن تحول سلاح المدرعات لعمليات مطاردة في قلب المدن والمخيمات والقرى في الضفة وغزة وفقد القدرة على إجراء مناورات وتدريبات لخوض برية واسعة.

في حرب غزة ظهر الفشل بمستويات أعلى: بداية في فشل التصدي لهجوم المقاومة على مستوطنات ومواقع "غلاف غزة"، ثم في القتال البري خلال الحملة في القطاع، والخسائر الفادحة على المستوى البشري والآليات، واعترف جيش الاحتلال بإصابة 10 آلاف عسكري، ومقتل المئات، وبعجز قوات المدرعات عن معالجة الضرر الهائل الذي لحق بها.

رغم مرور سنوات على الفشل في 2006 والخطط التي طبقها كل رئيس أركان تولى قيادة جيش الاحتلال، في هذه السنوات، إلا أن المناورة والعمليات البرية أظهرت أن الفشل مزمن بتأكيد من جنرالات إسرائيليين وخبراء في العسكر والأمن.

استخبارات… لكن عمياء

الفشل الأمني وعمليات التعمية على أجهزة استخبارات الاحتلال المختلفة، خاصة جهاز الاستخبارات العسكرية، كان الركن الأساسي في عمليات المقاومة لتحقيق إنجازات في ساحة المعركة.

في حرب 2006 انصدمت استخبارات الاحتلال بطبيعة استعدادات حزب الله للمعركة، والبنية التحتية التي أقامها في سنوات ما بعد تحرير أيار/ مايو 2000، وقدرته على المساس بعمق شمال فلسطين المحتلة بالصواريخ والمقذوفات، والأسلحة المضادة للدروع التي استخدمها في تهشيم القوات البرية المتوغلة في جنوب لبنان، وغيرها من التفاصيل التي ظهر أن الاستخبارات الإسرائيلية وقفت عمياء أمامها.

عمليات الخداع الاستراتيجي وتعمية استخبارات الاحتلال ظهرت بشكل أشد فتكاً، في هجوم "طوفان الأقصى"، إذ ركنت استخبارات الاحتلال والمستويات السياسية والأمنية المختلفة إلى أن حماس تريد التسوية ولا تفضل خيار الحرب، ونجحت الأجهزة الاستخباراتية في القسام والمقاومة في إخفاء نوايا وموعد وخطط وتفاصيل الهجوم، حتى استيقظت دولة الاحتلال على دوي الرصاص وأصوات الصواريخ ومشاهد القوات البرية والمظلية الفلسطينية وهي تهبط على مستوطنات "غلاف غزة" وفي قلب قيادة فرقة غزة.

استخدمت المقاومة سلاح الأنفاق للتغلب على جغرافية قطاع غزة التي هي سهل ساحلي بسيط وصغير، لا تضاريس معقدة فيه، واعترفت أوساط عسكرية في دولة الاحتلال والولايات المتحدة ومتخصصون في العلم العسكري والأمني في مختلف أنحاء العالم، أن منظومة الأنفاق المعقدة منحت المقاومة قدرة التعمية على أجهزة استخبارات الاحتلال التي تملك تقنيات شديدة الدقة والتكنولوجيا الفائقة، ومنحتها قدرة المناورة والضرب وخوض حرب استنزاف ضد قوة الاحتلال.

استغل حزب الله الطبيعة الجبلية والجغرافية المعقدة في جنوب لبنان لخوض حرب عصابات، خلال فترة الاحتلال، وبعد التحرير طور بنية تحتية لا تعرف تفاصيلها بدقة، وتشير المصادر إلى وجود أنفاق متطورة لديه.

حرب… دون رؤية

اتهمت لجنة التحقيق التي شكلها الاحتلال عقب حرب 2006 المستوى السياسي على رأسه رئيس الحكومة حينها، إيهود أولمرت، بالفشل في تحديد أهداف واضحة ودقيقة أمام الجيش في العملية العسكرية في لبنان، وقد سادت الضبابية وعدم الفهم وانعدام التنسيق بين الأذرع العسكرية والسياسية.

منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة يرفع نتنياهو شعار ما يسميه "النصر المطلق"، وتدمير قدرات حماس في مختلف الأبعاد، ويرفض الاستجابة للجهود الإقليمية والدولية للتوصل لصفقة تبادل، وقد تعرض إصراره على هذا المشروع انتقادات واسعة حتى داخل دولة الاحتلال ووصف الشعار الذي رفعه بأنه "ثرثرة" وغير قابل للتحقيق، حتى من قبل وزير الجيش يوآف غالانت.

نتنياهو الذي يرى في المعركة فرصة لتدمير قطاع غزة، وتحقيق أحلامه في ردع الفلسطينيين إلى الأبد، هاجمته قيادات عسكرية وسياسية في دولة الاحتلال أنه يحمل الجيش والدولة إلى حرب استنزاف طويلة تدمر معها الاقتصاد وقوات الاحتياط وعلاقات "إسرائيل" الدولية.

قادة جيش الاحتلال اعتبروا في تسريبات وتصريحات مختلفة أن القتال دون "مشروع سياسي" يضر بــ"إسرائيل" على مستوى استراتيجي.

أمريكا تخطط والاحتلال يخوض الحرب

في أدبيات حزب الله ومقابلات وخطابات قادته، في سنوات ما بعد حرب 2006، يشدد على أن العدوان الإسرائيلي على لبنان كان قادماً سواء نفذ عملية أسر الجنود أم لا، ويقول إن الإدارة الأمريكية كانت تطالب دولة الاحتلال بشن حرب على لبنان وسوريا، ضمن ترتيبات لبناء "الشرق الأوسط" الجديد، حسب توصيف وزيرة الخارجية الأمريكية حينها، كونداليزا رايس.

يصر الحزب أنه أفشل مشروع تغيير المنطقة لصالح تكريس دولة الاحتلال، وتحطيم قوى المقاومة، وتشير يوميا الحرب وسلوك الإدارة الأمريكية ودعمها لدولة الاحتلال على المستوى العسكري والسياسي وفي المؤسسات الدولية والزيارات التي أجراها المسؤولون في الولايات المتحدة للمنطقة، والضغوط على قوى ودول المنطقة، ومحاولات كسر حزب الله سياسياً من الداخل، إلى أن الاحتلال كان يخوض الحرب وإدارة بوش هي التي تخطط وتقود.

منذ بدايات حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة تصدرت الولايات المتحدة شرعنة ودعم وتخطيط تفاصيل تدمير قطاع غزة، والشعب الفلسطيني، وعملت إدارة بايدن على ترتيب كل الخطوات التي نفذتها دولة الاحتلال في الحرب، وقدمت لها الدعم الكامل على المستوى العسكري والسياسي والدبلوماسي.

ورغم الإغراق في أخبار "الخلافات" بين بايدن ونتنياهو، إلا أن اعتراضات الإدارة الأمريكية على بعض تفاصيل الحرب تأتي من باب الحرص على "مصالح إسرائيل"، وبعد كل مجزرة كانت الولايات المتحدة تسارع للدفاع عن دولة الاحتلال، ومنع اتخاذ إجراءات عقابية لها من قبل المؤسسات الدولية، وعملت على المستوى السياسي والدولي لمنح حكومة نتنياهو الفرصة الكافية للاستمرار في حرب الإبادة الجماعية.

مضاد الدروع… سلاح استراتيجي في المعركة

نجح حزب الله باستخدام الأسلحة المضادة للدروع في تكبيد سلاح المدرعات في جيش الاحتلال خسائر فادحة، خاصة خلال محاولة التقدم عبر وادي سلوقي، في الأيام الأخيرة من الحرب.

وكان لسلاح "الكورنيت" خاصة مفاجأة تكتيكية واستراتيجية لجيش الاحتلال، خلال المناورة البرية، في جنوب لبنان وبقيت صور المدرعات المدمرة حضور أليم في الذاكرة الإسرائيلية.

تفتقر المقاومة في غزة لكثير من الإمكانيات التي تملكها المقاومة في لبنان، بسبب حصار قطاع غزة المشدد المستمر منذ سنوات طويلة، وانفتاح الجبهة الجنوبية على سوريا وغيرها، لكنها تملك كميات غير معروفة من أسلحة مضادة للدروع مثل "الكورنيت" و"السهم الأحمر" وغيرها، واستخدمتها في تدمير مدرعات وآليات الاحتلال.

اعتمدت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، في القتال البري، على الأسلحة المضادة للدروع التي طورتها داخل ورش التصنيع الخاصة بها، مثل "الياسين 105" الذي دخل بقوة في عمليات الالتحام بين مقاتلي القسام ومجموعات المقاومة في القتال ضد الدروع والقوات البرية في مختلف مناطق الاشتباك.

اعترف جيش الاحتلال بأن قوات المدرعات فيه تكبدت خسائر فادحة، خلال القتال البري، في قطاع غزة رغم محاولات التكتيم الإعلامي على حجم الخسائر.

المجزرة… سلاح الاحتلال

في حرب 2006 واصل الاحتلال سياسته المعتادة في قتل الأطفال والمدنيين، كسلاح استراتيجي لتدمير المجتمع المحتضن للمقاومة، وحضرت "عقيدة الضاحية" التي طورها رئيس أركان جيش الاحتلال السابق غادي آيزنكوت، وتتركز أساساً على تدمير المجتمع بما فيه من سكان وبنية تحتية ومدنية بهدف الضغط على المقاومين، بشكل صارخ في الحرب.

المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال خلال الحرب، كما في حالة مجزرة قانا الثانية، دفعت دولاً وقوى مختلفة في العالم للضغط على حكومة أولمرت للقبول بوقف الحرب رغم عدم تحقيقها أهدافها التي رفعتها في البداية وهي تدمير حزب الله.

مثلت حرب قطاع غزة نقلة شديدة القسوة في المجزرة المفتوحة التي يرتكبها الاحتلال، منذ النكبة. مارس جيش الاحتلال الإجرام بمستويات غير مسبوقة، قتل آلاف الأطفال والمدنيين، قصف البنية العمرانية والتحتية، ودمر المستشفيات والقطاع الطبي، وشن حرب تجويع، وفرض الحصار، ومنع إدخال المواد الأساسية، وأغرق غزة بالأمراض والكوارث الصحية، ومارس جرائم تعذيب وأخرى جنسية بحق الأسرى.

أكدت المؤسسات الدولية أن الحرب التي شنها جيش الاحتلال على غزة هي حرب إبادة جماعية، بهدف تدمير المجتمع الفلسطيني في القطاع، ودفعه إلى التهجير، ولكن رغم كل المشاهد والصور والمقاطع التي انتشرت في عهد التواصل الاجتماعي الذي لم يكن في حروب سابقة، والتقارير الدولية، والتظاهرات على مستوى العالم، والكره الذي ينتشر في المجتمعات الإنسانية لدولة الاحتلال، إلا أن المنظومة الدولية لم تتحرك حتى الآن لوقف العدوان بشكل جدي، وما زال يمنح نتنياهو فرصاً إضافية لتدمير الفلسطينيين.

حكومة تقاتل بعضها

في حرب 2006 كانت حكومة أولمرت في وضع لا يسمح لها بالانتصار في الحرب، كما أكدت لجنة التحقيق الإسرائيلية. أولمرت لم يحدد للجيش الأهداف الاستراتيجية من الحرب، ولم ينجح في قيادة الحرب بالشكل السليم، ووزير الجيش حينها عمير بيرتس القادم من خلفية نقابية لا يملك الخبرة في إدارة القضايا العسكرية، ورئيس الأركان دان حالوتس لم يوفر الصورة التفصيلية والميدانية والعملانية عن الجبهة اللبنانية للمستوى السياسي، وكانت الخلافات تدب داخل الجسم السياسي وفي مجلس الأمن المصغر "الكابينت".

في الحرب الحالية على قطاع غزة، نتنياهو في خلافات مع وزير الجيش على طريقة إدارة الحرب، والمؤسسة العسكرية تتعرض للهجوم والإهانات من وزراء محسوبين على اليمين و"الصهيونية الدينية"، وسموتريتش وبن غفير يرفعان برنامجاً من الحرب يحقق لهما برنامجهما التوراتي الديني الذي يعني تدمير العرب والفلسطينيين وتكريس "دولة اليهود" في كل البلاد، وغانتس وآيزنكوت صاحبا الخبرة العسكرية السابقة انسحبا من مجلس الحرب، بعد أن نجح رئيس حكومة الاحتلال في تهميشهما وتمرير الرؤية التي يريدها.

ولكل طرف في حكومة الاحتلال رؤية خاصة حول الحرب، والصراع على الجبهات المساندة في لبنان واليمن والعراق، ويمضي نتنياهو في تنفيذ ما يريد باستخدام قدراته المعروفة في الكذب والمراوغة والهيمنة والديكتاتورية.

الفشل في 2006 كانت ضربة شديدة لمستقبل أولمرت السياسي، وفي هذه الحرب ما زال نتنياهو يسعى لإبعاد أي محاولة لتحميله مسؤولية الفشل الكبير في السابع من أكتوبر، ومنع تشكيل لجان تحقيق، ويسعى لتحميل المؤسسة العسكرية والأمنية تبعات الفشل وأسبابه ونتائجه، وما زال مستقبله لم يحسم بعد بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة ونهاية الحرب.

الجيش … المستقبل المجهول

خرج جيش الاحتلال من حرب 2006 بجروح غائرة، بعد أن فشل في تحقيق الأهداف المركزية من العدوان على لبنان، وتكبد خسائر فادحة في الأفراد والآليات بسبب عدم قدرته على خوض مناورة برية بشكل سليم، كما ظهر من نتائج لجان التحقيق.

دخل جيش الاحتلال الحرب الحالية بضربة شديدة العمق بعد أن فشل في مواجهة هجوم "طوفان الأقصى"، وحملت السنوات الماضية زيادة في الشكوك في مجتمع المستوطنين بقدرة المؤسسة العسكرية على مواجهة الأعداء، وكان للفشل في هذه الحرب دافع لتيارات مثل "الصهيونية الدينية" لمهاجمة رئيس الأركان هليفي وبقية قادة المؤسسة العسكرية، بهدف تحقيق هدف أعلى وهو السيطرة على الجيش وإجراء تغييرات عميقة فيه، في إطار ما يسمى "إسرائيل الجديدة" مقابل "إسرائيل القديمة".

رئيس أركان جيش الاحتلال خلال حرب 2006، دان حالوتس، القادم حينها من سلاح الجو كان يؤمن بشدة أن العمليات الجوية تغني عن الدخول البري إلى جنوب لبنان، لكن يوميات الحرب أجبرته على تنفيذ عملية برية لكنها ظهرت دون هدف واضح وبإخراج سيء، ورئيس أركان جيش الاحتلال الحالي هليفي الذي وصل إلى المنصب في أجواء سيئة بعد أن امتدت الاحتجاجات على خطة "الانقلاب القضائي" التي جاء بها وزير القضاء في حكومة نتنياهو، إلى داخل المؤسسة العسكرية، تلقى هجوم "طوفان الأقصى" وهو في بدايات محاولته تنفيذ خطة تطوير الجيش التي تأتي في سياق مشاريع لقادة أركان سابقين.

أثبتت حرب غزة أن مشاريع قادة أركان جيش الاحتلال السابقين، منذ حرب 2006، كانت فاشلة في الاستجابة للتحديات الأمنية والاستراتيجية. الحرب البرية أسقطت فكرة "الجيش الصغير والذكي" بديلاً عن الجيش الكبير الذي يعتمد على قوات الاحتياط، التي جرى إهمالها طوال سنوات، لصالح التركيز على التكنولوجيا.

حرب العصابات… في مواجهة التكنولوجيا

تخوض المقاومة بشكل أساس حرب الغوار أو "العصابات" بالتعبير العسكري المعتاد، في وصف المواجهات والمعارك بين قوى القتال الشعبي للشعوب المحتلة أو المعارضة لأنظمة الحكم، في مواجهة الجيوش النظامية. رغم أن المقاومة طورت في السنوات الماضية بنية تنظيمية تشبه في بعض الهيكليات الجيوش، إلا أنه تركيب هجين بين نظام الألوية والكتائب والفصائل ونظام حرب العصابات، باستخدام الأسلحة اللازمة لتدمير قوات ومدرعات الاحتلال.

خلال مجريات القتال في جنوب لبنان، خاضت مجموعات المقاومة حرب عصابات فرملت التطور التكنولوجي لجيش الاحتلال، بالاعتماد على بنية تحتية وقتالية تخدم مجموعات القتال الصغيرة، واستطاعت تكبيد القوات الغازية خسائر كبيرة.

بعد دخول قوات الاحتلال إلى قطاع غزة بدأت المقاومة تكييف أساليبها القتالية مع المرحلة، وشنت عمليات "حرب عصابات" متواصلة على الانتشار العسكري الإسرائيلي، باستخدام أسلحة مضادة للدروع وبواسطة الكمائن المختلفة وعمليات القصف التكتيكي بالهاون والصواريخ قصيرة المدى، وحققت إصابات كبيرة في صفوف عسكر الاحتلال.

يعترف ضباط سابقون ومحللون عسكريون إسرائيليون أن ما يزعمون أنها "نجاحات تكتيكية" للجيش، في القتال داخل قطاع غزة، إلا أنه تورط في حرب استنزاف قاسية خاصة على قوات الاحتياط التي تشكل الهيكل الأساسي في الحرب البرية، وأن كتائب القسام وسرايا القدس وبقية فصائل المقاومة نجحت باستخدام شبكة الأنفاق التي طورتها في السنوات الماضية شن حرب عصابات منعت قوات الاحتلال من تحقيق الاستقرار في المناطق التي اقتحمتها، وعادت إلى ذات المواقع عدة مرات خلال الحرب وواجهت مقاومة أشد في كل عملية برية.

أي مستقبل تحمله الحرب؟

كرست حرب 2006 معادلة ردع على جانبي الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان، واعتبرت المقاومة اللبنانية أن النتائج ذات طابع انتصاري لفكرة المقاومة على طريق تحقيق الهدف النهائي لهزيمة دولة الاحتلال.

تبدو حرب غزة أشد قسوة وخطورة من عدوان 2006 على لبنان، لجهة حجم الإجرام الإسرائيلي، والعجز الدولي، في ظل الاندفاع الأمريكي الضخم لدعم حكومة الاحتلال.

ما يميز حرب غزة أيضاً أنها تحولت إلى قضية إقليمية بعد التوتر العالي الذي تشهده المنطقة، بداية من دخول جبهات الإسناد، ثم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في لبنان وإيران وسوريا واليمن وغيرها، واحتمالات التصعيد العالية نحو حرب إقليمية، وحالة "اللايقين" التي تكلل الرؤية وتجعل من تقدير الموقف شديد الصعوبة.

لم تحسم بعد الرؤية النهائية للحرب على قطاع غزة وما زال كل طرف يقاتل لتكريس نجاح استراتيجي له، بين المقاومة التي بدأت الحرب بضربة نوعية، وتسعى لعدم منح الاحتلال فرصة تحقيق برنامجه من حرب الإبادة، وحكومة نتنياهو التي تحاول تدمير الواقع الفلسطيني وتكريس الوجود الإسرائيلي، رغم إقرار مستويات إسرائيلية من مختلف التيارات أن تدمير المقاومة بشكل كامل ونهائي هدف غير قابل للتحقق، وتحذيرات من حرب استنزاف طويلة، تدمر الاقتصاد الإسرائيلي وتزيد من العزلة في العالم وتقود إلى حرب إقليمية.