فلسطين المحتلة - خاص شبكة قُدس: وضع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، ومرافقه، إيران في مواجهة مباشرة جديدة مع دولة الاحتلال، تفتح الأفق على احتمالات لواقع جديد في الصراع بعد شهور من حرب إبادة الجماعية في قطاع غزة، ودخول أطراف في محور المقاومة في عملية الاشتباك والإسناد للمقاومة الفلسطينية.
منذ الساعات الأولى عقب جريمة الاغتيال أكد قادة إيران، وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي، أن الثأر للقائد هنية ومرافقه من واجباتهم، لأسباب مختلفة أهمها هو وقوع العملية على أرض الدولة وفي عاصمتها طهران، وهو ما يمثل خرقاً هائلاً واعتداء من جانب دولة الاحتلال، وتهديداً للأمن القومي الإيراني، كما أكد محللون وقادة.
ورغم أن الأيام الماضية حملت محاولات أمريكية مع أطراف في المنطقة والإقليم لإقناع إيران بعدم الرد، أو تنظيم عملية الثأر في إطار محدود، عبر حزمة من الوسائل بعضها الدبلوماسي وآخر بالتهديد، إلا أن المسؤولين الإيرانيين أكدوا أن الانتقام لاغتيال الشهيد هنية ومرافقه قادم بصورة "حازمة"، حسب تعبيرهم.
انطلقت أجهزة الدولة الإيرانية بعد الاغتيال في عمليات دبلوماسية على مستوى العالم والمنطقة، قرأها محللون على أنها تمهيد قانوني وإعلامي لعملية الرد، في سياق أن العمليات العسكرية التي ستنفذها إيران ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، انتقاماً لرئيس المكتب السياسي لحماس ومرافقه، تأتي في "واقع إقليمي ودولي معقد" وقد تحسب دولياً على أنها "ضربة من دولة لدولة"، حسب وصفهم.
بعد الاغتيال أجرى القائم بأعمال وزارة الخارجية الإيرانية، علي باقري كني، اتصالاً مع السعودية للتأكيد على حق إيران في الرد على جريمة الاغتيال، ثم مع الأردن التي طار وزير خارجيتها إلى إيران في زيارة نادرة، التقى خلالها مع المسؤولين هناك وقيل في التسريبات الإعلامية والتحليلات إنه حمل معه رسائل واستمع إلى رسائل أيضاً من الإيرانيين حول الرد وأخرى للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي سياق العمل الدبلوماسي المكثف تمهيداً للرد اتصل وزير الخارجية الإيراني أيضاً مع مصر وتركيا بوصفها قوى كبيرة، في المنطقة، ولها تماس مباشر مع القضية الفلسطينية، كما يؤكد محللون.
حاولت إيران توحيد موقف إسلامي حول ضرورة الرد على عملية الاغتيال، ودعت إلى عقد اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد الأسبوع الماضي، وأكد على إدانة الجريمة وسيادة إيران التي اخترقتها العملية الإسرائيلية.
وفي الساعات الماضية، في أوج الضخ الإعلامي والتحليلات من جانب فضائيات عربية ودولية وإسرائيلية حول "هل تراجعت إيران عن الرد" خاصة بعد الإعلان الثلاثي الأمريكي - المصري - القطري حول استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة والتوصل لصفقة التبادل، الذي اعتبره محللون جزء من محاولات عرقلة إيران عن تنظيم عملية ثأر للشهيدين هنية ومرافقه، أعلنت الخارجية الإيرانية أن كني أجرى سلسلة اتصالات للتأكيد على الحق في الرد على الجريمة.
القائم بأعمال الخارجية الإيرانية قال في اتصال مع وزيرة الخارجية البلجيكية حاجة لحبيب إن الرد الإيراني "مشروع وحاسم وسيجعل الكيان الصهيوني يندم على جرائمه"، كما جاء في الوكالة الإيرانية الرسمية، التي ذكرت أن كني أجرى اتصالات أيضاً مع وزير الخارجية الهولندي وأكد له أن عملية الرد ستكون "وفقاً للقوانين والمقررات الدولية وميثاق الأمم المتحدة"، قائلاً: "لو أن جريمة واحدة من جرائم الكيان الصهيوني قد ارتكبت من قبل طرف آخر، لكان الغرب رفع راية حقوق الإنسان ضده".
وفي السياق ذاته، اتصل كني مع وزير الخارجية الإندونيسية ريتنو مرسودي، وللتأكيد على ضرورة اتخاذ مواقف مشتركة من قبل الدولة الإسلامية لوقف حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
يمكن قراءة الاتصالات الإيرانية الدبلوماسية على مستوى العالم والإقليم في إطار استراتيجية عامة ترى في تقعيد أي فعل عسكري ضمن "قواعد قانونية" وشرعنة سياسية، كما في الاتصالات المكثفة والحراك الذي قاده وزير الخارجية السابق حسين أمير عبد اللهيان، الذي قضى مع الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث الطائرة، قبل عملية ضرب أهداف في دولة الاحتلال في نيسان/ إبريل الماضي، عقب قصف طيران الاحتلال السفارة الإيرانية في دمشق.
وفي هذا الإطار، وجه مساعد الشؤون الدولية في السلطة القضائية الإيرانية، كاظم غريب آبادي رسالة للمفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، قال فيها إن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية مصداق بارز لـ"القتل التعسفي"، و"بقاء الصهاينة الإرهابيين دون عقاب يلحق ضررًا كبيرًا بحقوق الإنسان"، حسب وصفه.
تشير هذه العملية الدبلوماسية ومحاولات تقعيد الرد في إطار قانوني وشرعي دولي إلى التعقيدات التي تحكم صناع القرار، في إيران، قبل عمليات الرد العسكري التي ستكون مباشرة على دولة الاحتلال كما أكدت قادتها، وآخرهم رئيس مجلس الشورى قاليباف في تصريحات صحفية، صباح اليوم، بعد سنوات من حرب الظلال مع دولة الاحتلال.
حملت معركة "طوفان الأقصى" تحديات إقليمية لكل القوى، في المنطقة، بين إعلانها عن عدم تفضليها خيار "الحرب الشاملة"، ومساعي الولايات المتحدة الأمريكية لمنع توسع المواجهة في المنطقة مع الاستمرار في دعم حرب الإبادة الجماعية في غزة، وعدم فرض وقف إطلاق النار على دولة الاحتلال، التي كسرت كثيراً من القواعد من خلال قصفها اليمن، وقبلها السفارة الإيرانية في دمشق، ثم اغتيال قائد حزب الله العسكري فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت، بعد شهور من استشهاد نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري اغتيالاً في ذات المنطقة، وأخيراً قتل القائد إسماعيل هنية ونائبه في العاصمة الإيرانية طهران.
مثلت عملية الرد على قصف السفارة الإيرانية في دمشق، في نيسان/ إبريل الماضي، انتقالاً في النموذج الحاكم للمواجهة بين إيران ودولة الاحتلال، إلى احتكاك عسكري مباشر، بعد سنوات من حرب الظلال التي تنوعت أدواتها وأهمها عمليات الاغتيال للمسؤولين والعلماء والقادة العسكريين المنخرطين في البرامج الإيرانية الاستراتيجية وخاصة البرنامج النووي، وانخراط إيران في عملية دعم لقوى المقاومة في المنطقة بينها حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي وغيرها، وهذا التحول الذي لم يتحول بعد إلى نسق دائم ومستمر يحمل معه حاجات إيرانية لعمليات دبلوماسية وقانونية، ترى أنها ضرورية ولازمة، حسب تعبير قادتها والمحللين الإيرانيين، وفي المقابل يراها خصومها ومراقبون مؤشرات بالغة على التزام النظام بالقواعد المرسومة حتى اللحظة، فهل يحمل اغتيال القائد هنية ومرافقه تبدلاً حاداً في نسق المواجهة يطال كل الإقليم؟ أم أن الرد سيكون مضبوطاً على معايير تراوح على حافة الهاوية؟
تجزم إيران عبر مسؤوليها أنها لن تتراجع عن قرار الرد على الاغتيال، لما يمثله من انتهاك خطير لسيادتها وأمنها القومي، لكن شكل الرد وحجمه لم يحسم بعد وبقي في إطار التخمينات والتوقعات والإغراق المعلوماتي من جانب وسائل إعلام بسياسات مختلفة، ويبقى المستقبل القريب مفتوحاً أمام سيناريوهات مختلفة، وأهمها هل تصل المنطقة إلى السيناريو الذي صار قريباً وبعيداً في نفس الوقت: الحرب الشاملة.