شبكة قدس الإخبارية

الصراع بين جيش وحكومة الاحتلال... ماذا تغير بين حرب 67 وطوفان الأقصى؟

photo_2024-08-07_14-17-59

فلسطين المحتلة - خاص شبكة قُدس: قد لا تتكرر أحداث التاريخ إلا من جهة تشابهات في التفاصيل، وفي أحداث الصراع بين الفلسطينيين والعرب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي كثيراً من يجنح المراقبون والمؤرخون والمحللون إلى رصد تشابه مع أحداث سابقة للتخفيف من وطأة "اللايقين" و"المجهول" الذي يكلل الحالة الحالية التي دخلت فيها المنطقة مرحلة هي لكل الخيارات أقرب، وإن كان أقربها خيار الصدام، بعد جرائم الاغتيالات التي نفذتها استخبارات الاحتلال بحق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، والقائد العسكري الكبير في حزب الله، فؤاد شكر، في طهران والضاحية الجنوبية من لبنان، وتعد إيران وحزب الله وقوى محور المقاومة الرد.

كانت الأيام الماضية ساحة مفتوحة للتحليلات والتوقعات ووضع السيناريوهات، عن القادم على المنطقة، وطبيعة الرد الإيراني ومن حزب الله ومحور المقاومة، وهل نتجه إلى حرب شاملة بعد شهور من معركة أساسية في قطاع غزة وجبهات إسناد محيطة، وانتشر تحليل يرى أن جيش الاحتلال قد يقدم على عمل عسكري استباقي قبل عملية الرد على اغتيال هنية وشكر، وعززت منه دعوات رسمية وغير رسمية إسرائيلية تدعو المستوى السياسي والعسكري للمبادرة في الهجوم.

وسائل إعلام إسرائيلية قالت إن قادة جيش الاحتلال طلبوا من المستوى السياسي التحرك لتنفيذ عملية استباقية، في لبنان، بينما نقلت أخرى عن مسؤولين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية رفضهم هذا التوجه، وبين التعارض في التسريبات، والعوامل الموضوعية والذاتية التي تحكم كل طرف في المعادلة، باتجاه التصعيد أو التزام الحالة القائمة، احتمالات أخرى للانفجار تبقى قائمة في ظل أن الحروب تحمل معها عوامل انفجارها أو خمودها.

الأجواء التي تعيشها المنطقة من تهديدات، واحتمالات حرب شاملة، وترقب، وضغوط للتصعيد أو التهدئة تعيد التذكير بالمناخ قبل حرب حزيران/ يونيو 1967، وإن كانت أحداث التاريخ مرة أخرى لا تتكرر والظروف مختلفة، لكن العودة إلى الصراعات حينها داخل دولة الاحتلال قد يساعد في فهم العلاقة الملتبسة والمعقدة بين المستوى السياسي والأمني والعسكري.

كشفت الوثائق التي سمح الاحتلال بنشرها في السنوات التالية على حرب 1967، وشهادات القادة العسكريين والسياسيين في تلك المرحلة، والكتب التاريخية الصادرة عن مؤرخين إسرائيليين، عن صراع بين رئيس الحكومة حينها ليفي أشكول وقادة الجيش الذين ضغطوا باتجاه توجيه ضربة عسكرية استباقية للجيش والدولة المصرية.

يظهر من محاضر الاجتماعات بين أشكول وقادة الجيش، قبل الحرب، أن رئيس الحكومة كان يمتنع عن المبادرة في هجوم على الجيش المصري خشية من الموقف الدولي والأمريكي الذي اعتبر أنه سيضع دولة الاحتلال في موقع "المعتدي"، ويقودها إلى وضع حرج أمام المنظومة الدولية.

اعتبر قادة جيش الاحتلال أن القوات مستعدة لضرب مقدرات الجيش المصري وقدراته العسكرية، قبل نجاحه في تطوير هجوم يدمر فيه القدرات الإسرائيلية، خاصة في حالة التوتر التي كانت سائدة في المنطقة بعد إغلاق مصر مضائق تيران، ورصد حشودات عسكرية لها في سيناء.

اللواء عوزي نركيس قائد المنطقة المركزية في جيش الاحتلال حينها وصف العلاقات بين المستوى السياسي والعسكري بأنها "أزمة حادة من عدم الثقة"، وقال إنها المرة الأولى التي يشعر فيها بالخطر على "الديمقراطية الإسرائيلية"، حسب تعبيره، وهو يلخص المناوشات والمواجهات التي كانت تشهدها جلسات تقدير وتقييم الموقف بين أعضاء هيئة الأركان العامة وأشكول.

كبار ضباط جيش الاحتلال وجهوا لرئيس الحكومة أشكول انتقادات حادة وقاسية، وكانوا يصرخون في وجهه، هكذا تقول محاضر الجلسات التي نشرت من الأرشيف الإسرائيلي، واعتبروا أن تأخير الهجوم على مصر يعرض دولة الاحتلال لخطر شديد.

رئيس قسم العمليات في سلاح الجو بجيش الاحتلال، عيزر فايتسمان، هاجم أشكول وألقى برتبه العسكرية أمامه، وتساءل أرئيل شارون في الجلسات عن "سبب عدم المبادرة للهجوم على الجيش المصري"، وهو موقف الجنرال متتياهو بيليد، وتبنى اسحاق رابين الذي كان في منصب رئيس الأركان حينها موقف الجنرالات، وقد ظهر في عدة جلسات في موقف ضعيف في أداء دوره في إدارة النقاش والخلافات وتبادل الأفكار بين المستوى السياسي والعسكري.

بادرت المؤسسة العسكرية أيضاً للضغط على الأحزاب، ولجنة شؤون الأمن في "الكنيست"، للموافقة على شن حرب ضد مصر، واجتمع رابين مع زعيم حزب "المفدال"، حاييم موشيه شابيرا، الذي كان يعارض هذه الخطوة بسبب خشيته من تلقي دولة الاحتلال ضربة مدمرة.

أقنع قادة جيش الاحتلال ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية رئيس الحكومة أشكول أن الخطر على "إسرائيل" ليس إغلاق الرئيس المصري جمال عبد الناصر مضيق تيران، بل إدخال قوات إلى سيناء، وصاغوا رسالة إلى وزير خارجية الاحتلال حينها آبا إيبان الذي كان يزور الولايات المتحدة تعزز هذا السياق.

أشكول وقع تحت ضغط شديد من جانب جنرالات جيش الاحتلال الذين رفضوا المسار الدبلوماسي الذي كانت تشارك فيه الولايات المتحدة، لإقناع مصر بفتح المضائق، وطالبوه بشن عملية عسكرية فورية بعد أن عمدوا إلى أسلوب التهويل حول خطر الانتظار، رغم أن الشهادات التاريخية اللاحقة وتقدير الموقف الاستخباري ومن جانب المخابرات الأمريكية أيضاً كان يدفع بالنفي فكرة أن الجيش المصري يستعد لشن هجوم على دولة الاحتلال.

رئيس حكومة الاحتلال ظهر ضعيفاً أمام جمهور المستوطنين بعد أن تأتأ عدة مرات في الخطاب الذي ألقاه في الإذاعة الإسرائيلية، وزادت المطالبات له بالتخلي عن وزارة الجيش لصالح موشيه دايان، الذي انضم للحكومة قبل الحرب بعد تشكيل مجلس وزراء "وحدة وطنية".

لم تكتف المؤسسة العسكرية بأداء دورها المهني المرسوم في القوانين الأساسية، بل بادرت إلى ضغط شديد على رئيس حكومة الاحتلال حينها للذهاب نحو الحرب، عبر تهويل الموقف على الجبهة المصرية، والاتصال مع وسائل الإعلام والنخب وإقناعها بضرورة توجيه ضربة لمصر، والحط من قدرات أشكول خاصة على المستوى العسكري لدفعه نحو التنازل عن وزارة الحرب لصالح دايان، ودفعت نحو إرسال رئيس جهاز "الموساد" للولايات المتحدة لإقناعها بوجهة نظر الجيش في شن حرب.

في السنوات الماضية خرجت دراسات إسرائيلية ترى أن أشكول تعرض لــ"الظلم"، في هذه الفترة، عبر الحط من قدراته وأشارت إلى "الإنجازات" التي حققها لدولة الاحتلال، في سنوات ما قبل الحرب، من خلال تطوير القدرات العسكرية عبر التعاون مع فرنسا وغيرها، وبناء جهاز مخابرات بقدرات "مميزة"، حسب وصفها.

واعتبر باحثون أن دايان خطف الأضواء بعد نجاح جيش الاحتلال في تدمير عدة جيوش عربية، واحتلال سيناء والجولان والضفة وقطاع غزة، والسيطرة على القسم الشرقي من القدس والمسجد الأقصى، في مقابل ترسيخ رواية تاريخية عن "ضعف" أشكول.

في المقارنة التاريخية بين مرحلتين، تظهر المؤسسة العسكرية في دولة الاحتلال الآن أشد ضعفاً بعد فشلها أمام هجوم طوفان الأقصى، وعدم قدرتها على حسم المعركة ضد حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، أو وضع إجابات ميدانية وعسكرية عن التحدي على الجبهة الشمالية، وفي ظل الهجوم المكثف عليها من داخل حكومة الاحتلال وأحزاب "الصهيونية الدينية"، والهيمنة والديكتاتورية التي يتصرف بها بنيامين نتنياهو ومخططاته لاستبدال القادة الذين يقدمون آراء مختلفة عنه بآخرين من الموالين له.

 

#نتنياهو #جيش الاحتلال #طوفان_الأقصى