شبكة قدس الإخبارية

منعطفات تاريخية واجهتها حماس .. فهل فرضية القضاء عليها منطقية؟

 منعطفات تاريخية واجهتها حماس .. فهل فرضية القضاء علىها منطقية؟
هيئة التحرير

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: كانت صواريخ ورصاصات المجموعات المقاتلة التي انطلقت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بأمر من قيادة كتائب القسام نحو مستوطنات "غلاف غزة" والمواقع العسكرية فيها، تصيب ليس فقط منظومة الاحتلال الأمنية والعسكرية بل كل التقديرات الاستراتيجية والاستخبارية والسياسية والبحثية الصادرة عن جهات مختلفة في العالم حول "احتواء" حماس بعد سنوات من توليها المسؤولية عن قطاع غزة المحاصر منذ سنوات طويلة.

منذ تأسيسها نجحت حركة حماس في التملص وتجاوز أزمات شديدة التعقيد واجهتها، بفعل الملاحقة المستمرة من قبل أجهزة الاحتلال، بالإضافة للتعقيدات السياسية التي عاشتها الضفة المحتلة وقطاع غزة، خاصة في مرحلة ما بعد اتفاقية أوسلو، وتأسيس السلطة الفلسطينية، ثم انتفاضة الأقصى والانتخابات التشريعية، وأحداث الاشتباكات مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة، ثم سيطرتها على القطاع، والحروب المتلاحقة التي تعرضت لها، وملاحقة كوادرها وجهازها التنظيمي في الضفة، وأخيراً معركة "طوفان الأقصى".


حماس الحركة التي قامت إلى الوجود من بيئة اجتماعية ترسخت في المجتمع الفلسطيني، وامتلكت مع السنوات مؤسسات اجتماعية ومحددات للهوية تحمل عناصر مختلفة تنتسب بعضها إلى الطبيعة الاجتماعية الفلسطينية، خاصة التي تشكلت على إثر كارثة النكبة، وفي الوقت ذاته رؤية إسلامية للصراع تستند أساساً إلى الفلسفة التي قدمتها جماعة الإخوان المسلمين مع مؤسسها حسن البنا، وما حصل عليها من تطورات لاحقاً مع انخراطها الأكبر في السياسة الفلسطينية وامتلاكها شعبية في طبقات مختلفة تتفق معها في النضال ضد الاحتلال وقد تختلف في القضايا الاجتماعية.

الحركة التي تأسست بعد اجتماع مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين، في بيت الشيخ أحمد ياسين الذي سيصبح رمزها، لم تخرج إلى العمل السياسي الفلسطيني من فراغ بل استندت إلى بيئة اجتماعية ومؤسسات كانت قد ترسخت خاصة في قطاع غزة، في سنوات ما قبل انتفاضة الحجارة في 1987، وطوال سنوات صراعها مع الاحتلال كانت تتقوى بهذه البنى التنظيمية والاجتماعية المختلفة.

الانطلاقة… درب الأشواك

بدأت حماس فعاليتها بقوة مع انطلاق انتفاضة الحجارة، ومنذ الشهور الأولى تعرضت لحملات قمع واعتقالات من قبل قوة الاحتلال التي كانت تسيطر حينها بالإضافة للضفة المحتلة على قطاع غزة، ورغم قوة القمع استطاعت ترسيخ بناء تنظيمي حافظ على إدارة مختلف الملفات السياسية والنضالية والاجتماعية فيها، واكتسبت في وقت قصير نسبياً كما تؤكد مختلف الدراسات التاريخية شعبية متزايدة، حتى في مواقع كانت السيطرة فيها لقوى الحركة الوطنية الفلسطينية خاصة فتح والأحزاب اليسارية منها.

ومنذ البدايات بدأ كوادرها تأسيس خلايا عسكرية ومحاولة الحصول على أدوات أكثر فتكاً بالاحتلال، وتعرض قادة الجهاز العسكري فيها للاعتقالات والاغتيالات خلال هذه المرحلة الشاقة من التأسيس، كما في حالة الشيخ صلاح شحادة ويحيى السنوار وروحي مشتهى وآخرين من القطاع والضفة، وفي الضربات التي تلت عمليات خطف الجنديين آفي سسبورتس وإيلان سعدون وأدت إلى تفكيك جهازي "المجاهدين الفلسطينيين" و"مجد" التي تعتبر من الأنوية الأولى للتنظيم العسكري في الحركة.

تجاوزت الحركة هذه الضربات ونجحت في تجديد أجهزتها التنظيمية بالاستفادة من وجود كوادر لها في الخارج، مثل الدكتور موسى أبو مرزوق، وفي بدايات عقد التسعينات انطلقت مبادرات جديدة من كوادرها لتأسيس جهاز عسكري يقود العمليات ضد الاحتلال، فكان الشيخ صلاح شحادة يوجه من السجن بالتزامن مع جهود من عناصر شابة بينهم محمد الضيف، في قطاع غزة، وآخرين في الضفة المحتلة مثل الشيخ صالح العاروري وإبراهيم حامد وعادل عوض الله وخالد الزير وعدنان مرعي وعلي عاصي وزاهر جبارين وغيرهم.

أتاحت الحرية النسبية في التنقل بين الضفة المحتلة وقطاع غزة حينها للحركة الاستفادة من انتشار كوادرها في المنطقتين، وتجاوزت قضية العدد الكبير للمطاردين في القطاع وحاجتهم للدعم اللوجستي وأماكن الحماية وغيرها، ونقلت عدداً منهم بينهم عماد عقل ومحمد الضيف إلى الضفة المحتلة، واستفادت في زيادة التنسيق وتطوير العمل.

عقب عمليات خطف الجنود التي نفذتها ما عرفت حينها "الوحدة الخاصة" في كتائب القسام، بقيادة الأسير محمود عيسى، أقدم رئيس حكومة الاحتلال حينها اسحاق رابين على إبعاد مئات من قيادات وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان، في محاولة للقضاء على التنظيمين اللذين كانا يكتسبان قوة جماهيرية ومعها تصاعداً في العمل العسكري، لكن هذه المحنة انقلبت إلى منحة كما يقول من عايشوا هذه المرحلة، إذ استفادتا من الإبعاد في بناء علاقات مع قوى عربية وإسلامية وإقليمية، واستطاع القيادات والكوادر الالتقاء لأول مرة برفاقهم من مناطق أخرى، واكتسبوا مهارات قيادية ووصل صوتهم وصورتهم إلى العالم.

ولم توثر عمليات الإبعاد على استمرار العمل العسكري في الضفة المحتلة وقطاع غزة، وشنت خلايا الحركة التي تعمل في طابع شديد السرية سلسلة عمليات على أهداف الاحتلال، وكانت هذه المرحلة تشهد بروز اسم سيبقى من أهم معالم الصراع الفلسطيني مع الاحتلال وفي تاريخ الحركة الإسلامية هو يحيى عياش المعروف باسم "المهندس".

ما بعد أوسلو… المطاردة المزدوجة

انطلقت حماس منذ البدايات بخطاب معارض لتوجهات قيادة منظمة التحرير، وأعلنت رفضها لمسار التسوية وعارضت اتفاقية أوسلو التي أفرزت تأسيس السلطة الفلسطينية، وكانت النتيجة الحتمية لهذا الموقف واستمرار الحركة في العمل العسكري ضد الاحتلال، هي الصدام بين الطرفين.

واجهت حماس بعد تأسيس السلطة إحدى أعقد المراحل في تاريخها، فكانت المنطقة تتجه نحو ترسيخ مرحلة الانطلاق في التسوية مع دولة الاحتلال، وكان عملها العسكري والتنظيمي مهدداً بخطر ملاحقة جديدة من نوعها من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تأسست على وقع اتفاقية أوسلو التي تفرض على الجانب الفلسطيني التزامات أمنية، في ظل استمرار الاحتلال الذي انسحب من قلب المدن واستمر في توسعه الاستيطاني.

نفذت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في السنوات ما بين تأسيس السلطة وانتفاضة الأقصى عدة حملات اعتقالات بحق كوادر حماس، خاصة القيادية منها وتلك التي نفذت عمليات عسكرية أو انخرطت في الجهاز العسكري والأمني، خاصة مع استمرار الحركة في عملياتها والاستشهادية منها التي كان للشهيد يحيى عياش مع خلايا في الضفة وقطاع غزة الدور الأبرز فيها.

تعرضت أجهزة الحركة في هذه المرحلة لضربات قاسية من الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية، إلا أن كوادرها نجحوا في إعادة الترميم والاستمرار في بناء نسق يسمح بتنفيذ عمليات ضد أهداف الاحتلال، وكان لقيادات معينة دور تاريخي في حماية التنظيم خاصة العسكري من الانهيار.

بعد اغتيال الاحتلال للمهندس يحيى عياش خلال مرحلة مطاردته في قطاع غزة، نجحت حماس في تنفيذ عمليات انتقام، بالتعاون بين قيادات وكوادر الجهاز في قطاع غزة والضفة المحتلة، وعلى رأسهم حسن سلامة ومحيي الدين الشريف ومحمد الضيف وعادل وعماد عوض الله وغيرهم.

مرحلة ما بعد الانتقام لاغتيال المهندس كانت شديدة القسوة على الحركة وجهازها العسكري، إذ شن الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية حملة ضارية ضدها، وفي قطاع غزة "ضاقت الأرض" على كوادر حماس، كما يروي من عايش هذه المرحلة، لكن قيادات مثل الضيف الذي سيبقى اسماً مركزياً في كل مراحلها وإبراهيم المقادمة وغيرهم حمت التنظيم خاصة العسكري منه من الانهيار في القطاع، وكان للإفراج عن الشيخ أحمد ياسين بعد اعتقال جواسيس جهاز "الموساد" في الأردن دور في إعادة ترميم أجهزتها السياسية والاجتماعية.

تزامنت هذه الضربات مع مرحلة قاسية أخرى عاشتها الحركة، في الضفة المحتلة، بعد اغتيال المهندس محيي الدين الشريف والصدام مع السلطة على إثرها، لكن جهود القائد عادل عوض الله مع قيادات وكوادر آخرين في القسام والمكتب الإداري والسياسي للحركة استطاعت أن تبقي الجهاز العسكري فاعلاً إلى حد بعيد وأن تمنحه القدرة على تنفيذ عمليات ضد الاحتلال، ونجح عوض الله في تشكيل خلايا بقيادة مركزية تعود له في كل أنحاء الضفة والقدس المحتلتين.

انتفاضة الأقصى… الفرصة الاستراتيجية

اندلعت انتفاضة الأقصى في أيلول/ سبتمبر 2000 وتنظيم حماس السياسي والعسكري يعاني الاغتيالات والاعتقالات التي كابدها طوال سنوات التسعينات، وبدأ الحدث المفصلي في تاريخ الصراع مع الاحتلال وعدد كبير من قياداتها موزع بين سجون الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية.

كان للمبادرات الذاتية دور كبير في تاريخ الحركة، وقد برزت هذه الفلسفة في كثير من المحطات، وفي تاريخ ترميم الجهاز العسكري يمكن الاستدلال عليها بمبادرة الشهيد صلاح دروزة الذي أعاد نقاط التواصل مع المطاردين في شمال الضفة المحتلة، الذين عاد عدد منهم للعمل العسكري فور الإفراج عنه من السجون.

وفي غزة انطلقت الحركة في بناء جهازها العسكري على نمط تنظيمي جديد، وكان للشيخ صلاح شحادة ومحمد الضيف وأحمد الجعبري وعدنان الغول وسعد العرابيد وآخرين دور في تطوير عمل الحركة من الخلايا الصغيرة إلى تنظيم يشبه عمل الجيوش من ناحية الاتساع والسيطرة بالإضافة للسعي إلى تطوير الأدوات العسكرية. 

تزامنت هذه المجهودات مع انتعاش للعمل الجماهيري والاجتماعي في الضفة المحتلة وقطاع غزة، ونجحت الحركة من خلال مؤسساتها الاجتماعية في بناء شعبية خاصة بين الأجيال الصغيرة حينها، التي انجذبت إليها بعد انخراطها في العمل النضالي الفلسطيني وعملياتها النوعية، واعترفت المؤسسات الإسرائيلية والغربية خاصة الأمريكية منها أن الجهاز الاجتماعي في حماس الذي انخرط في رعاية الناس وبناء المؤسسات وخاصة في مجال المساجد وغيرها، كان له دور كبير في بقائها على قيد الحياة رغم الضربات المتوالية التي نزلت بها.

ومع اشتداد حملات الاحتلال ضد الحركة، خلال انتفاضة الأقصى، والاغتيالات والاعتقالات بحق قياداتها من الصف الأول وأدنى، بقيت حماس وجهازها العسكري يحافظان على مستوى منتظم من العمل العسكري، واستفادت من انسحاب الاحتلال من عمق القطاع عقب تأسيس السلطة في بناء بنية تحتية عسكرية وتنظيمية تساعد جناحها العسكري في التطوير الذاتي.

فقدت حماس في الانتفاضة مؤسسها الشيخ أحمد ياسين وقيادات أخرى كان لها دور مركزي في تاريخها، لكن بنيتها التنظيمية التي سعت إلى الحفاظ عليها أتاحت لها تصعيد قيادات جديدة وترميم الأضرار التي تنتج عن عمليات الاغتيال، وإن تفاوتت هذه القدرة بين الضفة المحتلة وقطاع غزة بسبب الظروف المختلفة بينهما.

مرحلة ما بعد 2007… تحدي التصفية والاحتواء

في انتخابات المجلس التشريعي حصدت حماس صعودها في الحياة النضالية الفلسطينية، بالإضافة لغضب المجتمع الفلسطيني من أداء السلطة وحزبها الحاكم فتح، في الحصول على فوز تاريخي، لكن هذا الاكتساح في صناديق الاقتراع فتح معه تحديات جديدة في تاريخ الحركة التي سعت إلى الحفاظ على خطابها المتمسك بالثوابت الفلسطينية دون تكرار تجربة منظمة التحرير، وتطبيق برنامجها في "إصلاح السلطة" و"بناء اقتصاد مقاوم" وغيرها من الشعارات التي حملها برنامجها حينها.

فرضت دولة الاحتلال والولايات المتحدة والقوى الغربية حصاراً مالياً على الحكومة الجديدة التي شكلتها حماس، وقادت الخلافات بين الحركة والرئاسة الفلسطينية وحركة فتح إلى صدامات بين الجانبين، انتهت إلى الاشتباكات في غزة والضفة، وسيطرتها على قطاع غزة.

عقب سيطرة حماس على قطاع غزة اندفعت السلطة الفلسطينية في حملة ملاحقة شرسة لكوادرها في الضفة المحتلة، وفككت مؤسساتها واعتقلت مئات من كوادرها، وتعرض جهازها العسكري الذي كان قد تلقى ضربات قاسية خلال الانتفاضة لمرحلة شديدة التعقيد، تزامناً مع حصار فرض على قطاع غزة وأدخله في مرحلة لا تقل قسوة.

منذ 2007 لم تتوقف محاولات الحركة لترميم جهازها السياسي والعسكري، في الضفة المحتلة، وانخرط كوادرها من مختلف المستويات في عمليات بناء خلايا نجح عدد منها في تنفيذ عمليات، خاصة في مدينة الخليل التي تملك فيها شعبية وكوادر صاحبة تجربة، كما في الخلايا التي شكلها الشهيد نشأت الكرمي في أوج مرحلة الملاحقة من قبل السلطة الفلسطينية، وفي هذه السنوات نجحت الحركة في بناء خلايا عسكرية وأجهزة تنظيمية في الخليل والقدس وبيت لحم ورام الله ونابلس وطولكرم وجنين ومختلف المحافظات والمناطق، وتمكنت كوادرها الطلابية من البقاء في الجامعات ونجحت في الفوز بمجالس الطلبة خاصة في جامعة بيرزيت، وسجلت شعبية في مختلف المناطق خاصة بين الجيل الصغير الذي لم يعرف مرحلة قوة حماس في الضفة، خلال انتفاضة الأقصى، لكنه تأثر بأدائها في الحروب مع الاحتلال خاصة في صيف 2014 وقبلها وبعدها.

وخاضت قيادات الحركة ومعها قيادة تنظيم الخارج خاصة الشيخ صالح العاروري وفريقه، بالإضافة لجهود من قطاع غزة، محاولات مستمرة في خضم الملاحقة الأمنية الشديدة، لتوجيه عمليات ضد الاحتلال وإعادة التنظيم في المناطق والمدن المختلفة للحياة بعد كل ضربة وحملة اعتقالات واغتيالات.

وفي غزة ورغم قسوة الحصار الذي طال كل مناحي الحياة ووصل إلى حد محاولة الاحتلال التحكم بالسعرات الحرارية التي تدخل إلى أجساد الفلسطينيين في القطاع، تكيَفت الحركة إلى حد بعيد وبقي جهازها العسكري يشق الطريق نحو تطوير إمكانياته، واستطاع الصمود أمام الحروب القاسية التي شنها جيش الاحتلال عليه خاصة مع الحرب الأول في 2008، التي تعلم منها كثيراً من خلال حملة التطوير اللاحقة خاصة في الخطة الدفاعية والأنفاق والأسلحة المختلفة.

وحاولت الحركة التملص من الأزمات المعيشية والسياسية التي فرضت عليها، بسبب الحصار، واستمرار الأزمة السياسية مع السلطة وحركة فتح التي لم تنجح كل اتفاقيات إنهاء الانقسام حلها، وخاضت مراحل قاسية في محاولة للتخفيف من انعكاسات الحصار على المجتمع الفلسطيني في القطاع، وطورت من علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية، وتجاوز الخلافات والاتفاق على برنامج واحد، والتواصل مع المجتمع الفلسطيني وحل ترسبات ما تحمله طبقات اجتماعية وسياسية من رؤية نحو الحركة.

بدأت معركة "طوفان الأقصى" في أوج مخططات الاحتلال لاحتواء الحركة من خلال زيادة الحصار على القطاع، وخنق الفلسطينيين فيه، وخاصة الفئات الشباب التي غرقت في البطالة والأزمات الاقتصادية، تزامناً مع سياسة "التصاريح" التي حاولت أجهزة الاحتلال من خلالها بناء نسق اقتصادي يجعل من هموم الحركة إدارة القطاع وتوفير لقمة العيش لأهله، وتعزيز فصل الضفة عن غزة.

قلبت العملية الطاولة على كل نظريات الاحتلال لاحتواء حماس وغزة، وأثبت فشل نظريات "إدارة الصراع" التي عمل عليها نتنياهو وقوى مختلفة في دولة الاحتلال، من خلال منح الفلسطينيين بعض القضايا الاقتصادية والمعيشية، ومنعهم من الحصول على دولة أو كيان قومي حتى لو على مساحة صغيرة من الضفة وغزة.

نجحت حماس طوال هذه السنوات بالاعتماد على بينتها الاجتماعية، واهتمامها بالبناء التنظيمي، والكوادر والقيادات التاريخية، والمبادرات الذاتية في اللحظات الحرجة، وتصميمها على تطوير قدراتها، بالإضافة لفشل مسارات التسوية في تحقيق أحلام الفلسطينيين وطموحاتهم، بالإضافة لاستمرار الاحتلال في مشروعه لتصفية الوجود الفلسطيني، في التملص من الأزمات والاستمرار في عملها المقاوم والصعود داخل المجتمع الفلسطيني بأشكال مختلفة، وزيادة حضورها على المستوى الإقليمي والعالمي، بعد التطويرات التي أدخلتها على خطابها وأدائها السياسي.

دخلت دولة الاحتلال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة ومعها شعارات استراتيجية كبيرة على رأسها "تدمير حماس"، وبعد 9 شهور من تدمير القطاع وشن حملة اعتقالات ضارية لكوادر الحركة في الضفة والقدس المحتلتين، يعلن قادة في جيش الاحتلال وضباط ومسؤولون سابقون في الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أن هذا الهدف الذي يرفعه نتنياهو خاصة غير واقعي، في ظل الشعبية والبنية الاجتماعية والعسكرية التي تملكها الحركة، وتمكنها من شن "حرب عصابات" وإدامة الاستنزاف.