غزة - قدس الإخبارية: داخل خيمة في مدينة رفح قرب الحدود المصرية تقف المعلمة صابرين أبو شعيبة منذ ثلاثة شهور داخل خيمتها وهي تستقبل الصغار النازحون في الخيام المجاورة لمراجعة بعض الدروس الحسابية والعربية والانجليزية لمختلف الاعمار، حيث هناك اقبال كثير من الطلبة الذين يصحبهم ذويهم بشكل يومي لمتابعة دروسهم.
أبو شعيبة صاحبة فكرة "الكُتاب" حولت خيمتها الصغيرة التي تسكنها هي وعائلتها في مخيم النزوح بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة إلى كُتاب يتلقى به الأطفال التعليم صباحًا وتسكنها هي وعائلتها مساءً.
تعليم الصغار داخل الخيمة يشبه تماما الصور التي ترد من أرشيف 1948 وقت النكبة، مما يثبت أهمية التعليم لدى الفلسطيني رغم ظروفه القاهرة.
تحكي المعلمة أبو شعيبة، أن هدفها هو تعليم الصغار الدروس الأساسية كالقراءة باللغتين العربي والانجليزية، بدلا من حالة الخوف والقلق ومشاهد القتل والدمار التي يشهدون عليها.
منذ اللحظة الأولى للحرب على قطاع غزة، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي المدارس والجامعات والكليات التي دمر معظمها بشكل كامل، ووفق إحصائية رسمية من قبل وزارة التربية والتعليم فإن6050 طالباً استُشهدوا و408 مدارس تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان "الإسرائيلي".
كما تعرضت 281 مدرسة حكومية و65 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" للتدمير الكلي والجزئي.
هيروشيما غزة
ولأن التعليم هو سلاح الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ظهرت العديد من المبادرات التعليمية بعد أسابيع قليلة من الحرب، لاسيما حين أدرك الأهالي والمختصون أن نهاية الحرب مجهولة لذا لابد من عودة الطلبة إلى دراستهم، فكانت مبادرة "هيروشيما غزة".
يقول محمد أبو ربيع أحد القائمين على "هيروشيما غزة" إن فكرة الاسم جاءت من المدينة التي سقطت عليها القنبلة النووية في الحرب العالمية الثانية، متابعا: ولأن هذه المدينة أصبحت من أفضل المدن إنتاجياً أطلقت مبادرة هيروشيما غزة التي سقط عليها أربعة أضعاف القنبلة النووية التي سقطت على مدينة هيروشيما.
وأضاف:" انطلاقاً من إيماننا بأن بالعلم تبنى الأمم انطلقنا بهذه المبادرة، لاستهداف الأطفال النازحين في دير البلح ورفح وخلق مساحة امنة للطلاب للتعليم الغير رسمي، ولتذكير الصغار بضرورة الالتحاق بالصفوف الدراسية كي لا ينقطعون عن التعليم".
ومن خلال الفصول التوعوية التي تتبناها "هيروشيما غزة" يقبل الطلبة على المواظبة في تلقي التعليم، فكما يقول أحد الطلبة وهو موسى الأسطل الذي من المفترض أن يكون بالصف السابع:" اشتقنا للمدرسة كثيرا، في البداية لم نتأثر بالانقطاع عن الدراسة لكن بعد ذلك بدأنا نشتاق للحصص ونحزن حين نرى الاحتلال يستهدف مدارسنا بعدما تحولت إلى مأوى للنازحين".
ويضيف بأنه استفاد كثيرا من الدروس التي تلقاها بين الخيام التعليمية والمبادرات المعلن عنها في أماكن النزوح، لاسيما وأن والدته تراجع معه كامل الدروس بعد شهر من الحرب، وتصنع لهم الامتحانات وتسمع لهم القصائد والآيات القرآنية المطلوب حفظها".
وحقيقة تشهد منصات الاحتفاء بالطلبة المتفوقين سواء محليا أو عربيا أو حتى دوليا أن عدد كبيرا من قطاع غزة سواء على المستوى المدرسي أو الجامعي.
منذ بداية الحرب نزحت طالبة الثانوية العامة حلا البردويل برفقة عائلتها من حي النصر إلى النصيرات، وأول شيء حملته على كتفها حقيبتها المدرسية، تقول: بعد يومين من الحرب نزحنا وكان من المفترض أن يكون في اليوم الرابع امتحان لغة انجليزية حملت كتبي لمراجعة دروسي لكن لم نعد حتى اليوم، وطيلة الوقت أقلب بدروسي السابقة وأراجعها، وكذلك أحاول حفظ بعض الدروس كالتاريخ والجغرافيا خشية العودة للمدارس، فهذا العام مفصلي في حياتنا طلبة التوجيهي".
أما في مدينة الزهرة وسط قطاع غزة، كان عدد السكان وقت الحرب لا يتجاوز المئة شخص، وكانت المدينة شبه محاصرة كونها قرب الخط الفاصل بين شمال وجنوب القطاع.
قرر الأطفال هناك أن يؤسسوا مدرسة، يُدرس فيها من هم في المرحلة الإعدادية والثانوية، حيث يعلمون إخوتهم بعض الدروس الأساسية عبر جدول دراسي.
إحدى الصغيرات وهي بانة البرديني كانت تلتزم بالدروس كافة، تحكي لشقيقها الذي كان يدرسها اللغة العربية أنها لمحت على هاتف والدتها صورة لمدرستهما "الراهبات الوردية" التي دمرها الاحتلال وخط عليها عبارات، وأن "السستر" – المديرة – وعدت بإصلاح المدرسة، وأن جنود الاحتلال أحرقوا الصليب.
إنقاذ المسيرة التعليمية
ويعاني طلبة الجامعات أيضا من تعطيل دراستهم الجامعية لاسيما من هم في السنة الأخيرة من الدراسة، وبعد مناشدات طويلة، أعلنت جامعة الأزهر في بيان لها ذكرت فيه أنه "انسجاماً مع رؤية وزارة التعليم العالي بشأن استئناف العملية التعليمية في مؤسسات التعليم العالي في المحافظات الجنوبية والتي تتضمن إمكانية التحاق طلبة الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة ولمن يتوفر لديه الوسائل اللازمة بنظرائها في جامعات الضفة الغربية كطلبة زائرين لحين انتهاء الحرب وعلى ضوء ذلك تعلن الشؤون الأكاديمية في جامعة الأزهر-غزة عن توزيع الطلبة وفق تخصصاتهم على جامعات المحافظات الشمالية للتعليم الإلكتروني بما يتوافق مع الخطط الدراسية المعتمدة .
وفي وقت سابق تحدث مدير مديرية التعليم في مدينة رفح أحمد لافي عن مستقبل العملية التعليمية، وأكد على أن الصورة قاتمة، ولا يمكن أن يتنبأ أحد بمستقبل واقع هذه العملية إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها تماما.
وقال:" لا يمكن تصور ما سيكون عليه التعليم وجميع المدارس يشغلها النازحون، أو تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي جراء الاستهداف الإسرائيلي"، معتقدا أن الخطر الأكبر يعصف بطلبة الثانوية العامة الذين لم يجلسوا على مقاعد الدراسة سوى شهر واحد فقط، و"هؤلاء مستقبلهم مجهول، كونهم يتقدمون لامتحانات موحدة على مستوى قطاع غزة والضفة الغربية والقدس".
ويرى لافي أنه لا يمكن تصور السيناريوهات المتاحة لاحقا لإنقاذ المسيرة التعليمية، بما فيها التعليم الإلكتروني، ويعدّه أمرا معقدا للغاية في ظل الدمار الهائل في المنازل السكنية والمنشآت، وعدم توفر الكهرباء، وتردي خدمات الاتصالات والإنترنت.
كما وأكد بيان مشترك -أصدرته الأونروا ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم (اليونسكو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بمناسبة اليوم العالمي للتعليم- أن أكثر من 625 ألف طالب قد حرموا من التعليم منذ بدء الحرب على غزة، في حين فقد 22 ألف مدرس وظائفهم في قطاع التعليم.
ووفق "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" فقد طال الاستهداف الإسرائيلي 90% من الأبنية المدرسية الحكومية التي تعرضت لأضرار مباشرة وغير مباشرة، فيما تُستخدم 133 مدرسة حكومية كمراكز إيواء.
ووثق المرصد استشهاد 94 من أساتذة الجامعات، ومئات المعلمين وآلاف الطلبة في إطار "جريمة الإبادة الجماعية الشاملة" التي يرتكبها الاحتلال في غزة.
ويبرز من بين قائمة الشهداء الأكاديميين، 17 شخصية تحمل درجة البروفيسور، و59 درجة الدكتوراه، و18 درجة الماجستير.
ووفق رئيس المرصد رامي عبده، فإن هذه الحصيلة غير نهائية، إذ تشير التقديرات إلى وجود أعداد أخرى من الأكاديميين المستهدفين، ومن حملة الشهادات العليا لم يتم حصرهم نتيجة صعوبات التوثيق الناجمة عن تعذر الحركة بحرية وانقطاع الاتصالات والإنترنت ووجود آلاف المفقودين.
وقال عبده إن الأكاديميين المستهدفين موزعون على شتى علوم المعرفة، وغالبيتهم يمثلون مرتكزات العمل الأكاديمي في جامعات غزة.
ويُقدّر الناشط الحقوقي أن الأمر قد يحتاج سنوات حتى تتمكن الجامعات من استئناف الدراسة في بيئة مدمرة بالكامل.
ووفق صندوق النقد الدولي، فإن خسائر قطاع التعليم -بسبب الهدم والتدمير- تفوق 720 مليون دولار جراء تضرر 70% من المدارس والجامعات.
ويتفق مع رئيس المرصد الأورومتوسطي على أن الهدف الإسرائيلي من وراء ذلك هو "التجهيل وجعل غزة منطقة غير صالحة للعيش ودفع سكانها نحو الهجرة، عبر تدمير البنية التحتية والتعليمية والصحية وكل مقومات الحياة".
واختتم: العلم بالنسبة للشعب الفلسطيني، هو الأداة التي يتسلح بها في وجه الاحتلال، وعلى الرغم من التدمير، واستهداف الشخصيات العلمية، والفكرية البارزة، فإن غزة ما زالت مليئة بالنوابغ القادرين على النهوض بها مرة أخرى.
ولأن سياسة التجهيل كانت استراتيجية سعى الاحتلال من خلالها لعدم التحاق الفلسطينيين بالمدارس أو الجامعات تزامنًا مع إقبال فلسطيني منقطع النظير أسهم فيه تأسيس السلطة بعد عام 1993 وافتتاح المدارس الحكومية إلى جانب مدارس أونروا.
فالعلم هو الأداة التي يتسلح بها الفلسطيني في وجه الاحتلال، لكن اليوم يبدو مصير العملية التعليمية في غزة مجهولاً أمام عظم الدمار في البنية التحتية والمدارس ونزوح مئات الآلاف إلى المدارس، عدا عن عدم وجود نظام تكنولوجي يمكن الطلبة من الاعتماد عليه بعد فشل التجربة التي جرت خلال جائحة كورونا بسبب الإنترنت.
وهنا جملة من التوصيات يمكن العمل عليها لإلحاق جميع الطلبة في منظومة تعليم رسمية ومنها:
- كما يتم توفير كرفانات وخيام للإيواء، لابد من حث الجهات المانحة والمعنية لتوفير أماكن امنة لعودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة.
- التنسيق مع مدارس الضفة وتوفير دروس مشروحة عبر الانترنت يمكن للطلبة الاستفادة منها حيث تتوفر نقاط الانترنت لاسيما جنوب القطاع.
- محاولة الحاق طلبة الثانوية العامة في الشمال والجنوب لمقاعد الدراسة وتخفيف المنهج عنهم ومراجعته ليتمكنوا من تقديم امتحانات الثانوية العامة في الدور الثاني.
- أن يكون هناك موقف دولي من قبل اليونيسف لضمان تعليم الأطفال دون ملاحقتهم بالقتل أو الاعتقال عبر الحواجز عند النزوح من شمال القطاع إلى جنوبه.
- تدريب المعلمين الجدد أو المتطوعين الخريجين لتدريس الطلبة مختلف المواد الدراسية، وذلك حسب أماكن تواجدهم.
- أن تحذو بقية الجامعات الغزية كما جامعة الأزهر وتنسق مع جامعات الضفة ليتابع الطالب الجامعي خطته الدراسية حسب تخصصه.
- محاسبة الاحتلال عبر منصات حقوقية ودولية لقتله الطلبة والأكاديميين وهدم المرافق التعليمية.
- إلزام إسرائيل بإعلان "المدارس الآمنة" الذي تم مصادقة الدول عليه في العاصمة النرويجية، أوسلو، في أيار / مايو 2015، وينص على التزام سياسي لتوفير حماية أفضل للطلاب والمعلمين والمدارس والجامعات أثناء النزاعات المسلحة، ولدعم مواصلة التعليم أثناء الحرب، ولوضع إجراءات ملموسة لردع الاستخدام العسكري للمدارس.
- قيام السلطة في رام الله بدورها المنوط عبر المحافل الدولية وكشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي في مرافق التعليم واستهدافه للكوادر التعليمية والطلبة أيضا.
- وكذلك إيجاد وزارة التعليم في رام الله بالتعامل مع العاملين في ذات الوزارة في غزة، خطة طوارئ يمكن من خلالها الحاق أكبر عدد ممكن من الأطفال لمقاعد الدراسة داخل أماكن امنة.