ترجمات - قدس الإخبارية: منذ حوالي شهر، لا تعلم شيماء أبو خاطر ما حدث لابنتها المولودة حديثًا. وبحلول الوقت الذي وُلدت فيه كندة في 30 تشرين الأول/ أكتوبر – قبل أكثر من شهر من الموعد المحدد لولادتها – كان منزل أبو خاطر في شمال غزة قد دُمر بسبب غارة جوية إسرائيلية، على حد قولها.
وكان الاحتلال يشير إلى أنه يخطط لاستهداف مستشفى الشفاء في مدينة غزة، حيث أنجبت شيماء. وكان مصير أكثر من 30 رضيع خُدّج، بما في ذلك ابنتها كندة، معلقًا.
نُقلت شيماء أبو خاطر، مع بقية العاملين في قسم الولادة في مستشفى الشفاء، إلى مستشفى آخر فور ولادتها، مع اقتراب القتال. وبقيت كندة، التي لم ترها إلا لفترة وجيزة، في الحاضنة. وكانت الأسابيع التي تلت ذلك جهنمية. حيال ذلك، قالت شيماء “كنت أبكي كل يوم”.
علمت من الراديو أن جنودا إسرائيليين حاصروا مستشفى الشفاء. ونفد الوقود من المستشفى لتشغيل الحاضنات. وكان الأطفال يموتون. لم تتمكن هي وزوجها سامر لولو (28 سنة) من الوصول إلى الطاقم الطبي هناك. وأخيرًا، في الأسبوع الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر، جاءت الأخبار من أقارب في الأردن، الذين شاهدوا قائمة على الإنترنت بأسماء الأطفال الذين تم إجلاؤهم من الشفاء، وكانت كندة في مصر على قيد الحياة.
قالت منظمة الصحة العالمية إن كندة كانت من بين 31 رضيعا حديث الولادة، ملفوفين ببطانيات من الألومنيوم وأدوات طبية، نُقلوا إلى مكان آمن نسبيًا من قبل بعثة تابعة للأمم المتحدة وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني “في ظل ظروف أمنية صعبة للغاية وشديدة الخطورة”. وتوفي ثمانية من الرضع الخدج البالغ عددهم 39 طفلاً قبل عملية الإنقاذ، وذلك وفقًا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين. وبقي ثلاثة في جنوب غزة.
يواجه الأطفال الرضع الثلاثة والعشرون الذين تم إجلاؤهم إلى مصر ونجوا مستقبلًا مليئًا بعدم اليقين. وتم جمع شمل بعضهم مع والديهم، لكنهم ما زالوا معرضين للخطر. ويبدو أن آخرين يعيشون بمفردهم في العالم، وقد ماتت عائلاتهم أو لا يمكن الوصول إليهم – مما يثير أسئلة محيرة حول هوية المسؤول عن رعايتهم، وماذا سيحدث لهم عندما تنتهي الحرب.
بدأت رحلة شيماء أبو خاطر إلى ابنتها برحلة مروعة جنوبًا خلال توقف القتال لمدة أسبوع في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. نام الزوجان في شوارع جنوب غزة حتى سُمح لشيماء – وليس زوجها – بالعبور إلى مصر في مطلع شهر كانون الأول/ ديسمبر.
كانت كِندة تعاني من التهاب في الكبد ومشاكل في الأمعاء. ولم تكن قادرة على تناول الطعام، وكانت تعيش على السوائل الوريدية. ولكن مع مرور الأسابيع في هذا المستشفى اللامع في العاصمة الإدارية الجديدة لمصر خارج القاهرة، أصبحت أكثر صحة وقوة. وفي هذا الشهر، خرجت كندة من الحاضنة.
قالت شيماء (23 سنة) عن لم شملهما، وهي تحتضن طفلتها – الصغيرة ذات العينين الواسعتين – في غرفتها بالمستشفى: “لقد شعرت بالأمومة، وقبل ذلك، لم أكن أشعر بأنني أم”. وفي أسفل القاعة، في غرفتين تصطف على جانبيهما أسرّة الأطفال، كان هناك ثمانية أطفال يرقدون دون أن يطالب بهم أحد. ولا يُعرفون إلا بأسماء أمهاتهم، المأخوذة من العلامات الملصقة على كاحل كل طفل عند الولادة.
بالنسبة لاثنين منهم على الأقل، توفر التقارير الإخبارية ومنشورات منصات التواصل الاجتماعي أدلة على المآسي التي ميزت أيامهم الأولى: كان ابن فاطمة الحرش، الذي ينام على وجهه في لباس داخلي مخطط، الناجي الوحيد من غارة جوية أسفرت عن مقتل 11 من أفراد عائلته في تشرين الأول/ أكتوبر. وقد تم إخراجه من بطن أمه قبل أن تفارق الحياة متأثرة بجراحها في أحد مستشفيات شمال غزة، وذلك حسب تقارير إخبارية في ذلك الوقت.
ولا يستطيع ابن حليمة عبد ربه فتح عينه اليمنى التي أصيبت في هجوم. وتظهر صورة لملفه الطبي، تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، ملاحظة مكتوبة بخط اليد: “أفراد الأسرة شهداء”.
عندما وصل الأطفال إلى المستشفى، اعتقد الطاقم الطبي أن فرصتهم في البقاء على قيد الحياة أقل من 20 بالمئة، وذلك وفقًا لخالد راشد، طبيب الأطفال حديثي الولادة. لقد كانوا يعانون من الجفاف الشديد، وكانوا “مريضين للغاية” ولم يتمكنوا من التنفس بمفردهم.
ويزن معظمهم حوالي ثلاثة أرطال. وأضاف أنهم أصيبوا بالعدوى أثناء الرحلة، مما تسبب في تعفن الدم، وهو “القاتل الأكبر لحديثي الولادة”. وقد توفي خمسة من الأطفال الـ 28 منذ وصولهم إلى مصر. وذكر راشد الأسبوع الماضي، وهو يتفقد حضانة مليئة بالرضع النائمين، إن “جميع الموظفين هنا بذلوا قصارى جهدهم للحفاظ على حياتهم، والحمد لله نجحوا في إنقاذ حياة هؤلاء الأطفال”.
رافقت خمس أمهات، اللاتي قام العاملون الصحيون في غزة بتتبع معلومات الاتصال الخاصة بهم وكتبوها على القائمة، أطفالهن إلى مصر، وذلك وفقًا لأسامة النمس، وهو ممرض من غزة وصل معهن وبقي هناك لمدة شهرين تقريبًا. وأوضح قائلا: “تركنا أرقام هواتفنا في كل مكان ليتواصل معنا أهالي الأطفال”. وخلال الهدنة في تشرين الثاني/ نوفمبر، تواصلت ثماني أمهات وأب إضافيين وتمت الموافقة عليهم فيما بعد للسفر إلى مصر. وجميع الأطفال تقريبًا في مستشفى منطقة القاهرة هم الآن خارج العناية المركزة. وباتوا يأخذون الرضاعات ويتنفسون من تلقاء أنفسهم كما أن وزنهم زاد.
وبالنسبة للرضع الثمانية الذين لم يطالب بهم أحد، يبدو أن لا أحد يعرف مكان ذويهم أو ما إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة. ويقول موظفو المستشفى إن لديهم القليل من المعلومات للاستمرار في البحث، وليس من مهمتهم التحقيق.
قال رمزي منير عبد العظيم، مدير عام المستشفى، إنه بعد حوالي ثلاثة أشهر من رعايتهم، “أصبحت جميع الممرضات أمهاتهم الآن”. وقد قالت الممرضة وفاء إبراهيم (24 سنة) إنها أصبحت تتعرف على لمحات من شخصياتهم: ابنة سندس الكرد، الطفلة المبتسمة ذات الشعر المحمر، هي الأكثر صراخا (“ستصرخ وتصرخ حتى ترضع”). والطفلة هبة صلاح – التي تمكن والدها من القدوم إلى مصر لكنه يقيم على بعد ساعة بالسيارة – تحتاج إلى “المودة والحنان”، وأضافت إبراهيم وهي تهز الطفلة الباكية حتى تهدأ: “لا أعرف ماذا سيحدث لهم. أنا خائفة عليهم”.
وحسب السفير الفلسطيني في القاهرة دياب اللوح، تم إجلاء مئات الأطفال الآخرين من غزة إلى مصر لتلقي العلاج و”عدد قليل جدًا” منهم وصلوا بمفردهم، لكنه أقر بأنه “ليس لدينا قائمة مفصلة”. وتقول منظمات الإغاثة والسلطات الفلسطينية إن القتال المستمر والاتصالات غير المكتملة وانهيار الحكم في قطاع غزة أدى إلى تعقيد محاولات تحديد مكان أقارب الأطفال غير المصحوبين بذويهم من غزة. لقد قضت التفجيرات الإسرائيلية على عائلات كبيرة بأكملها أو شردتها، مما جعل عملية البحث أكثر صعوبة.
وقال أحمد مجدلاني، وزير التنمية الاجتماعية في رام الله، في رسالة عبر الواتساب، إن السلطة الفلسطينية شكلت لجنة لمعالجة هذه القضية، لكن “النتائج متواضعة للغاية”.
وفي حين أن مجموعات مثل اليونيسف واللجنة الدولية للصليب الأحمر لديها خبرة واسعة في البحث عن الأسر في مناطق النزاع، إلا أنها تقول إن هذه هي المرة الأولى التي تنشأ فيها الحاجة إلى ذلك في غزة، حيث توجد شبكات عائلية قوية. وقد قامت بحماية الأطفال إلى حد كبير خلال الصراعات الماضية. وكانت عمليات لم الشمل بين الآباء والأطفال في مصر، التي بلغ عددها تسعة في المجموع، إلى حد كبير نتيجة للأحاديث الشفهية والرحلات الخطيرة والكثير من الحظ.
عندما حاصرت قوات الاحتلال مستشفى الشفاء، فقدت هالة عروق (24 سنة) الاتصال بالموظفين الذين يعتنون بابنتها الرضيعة ماسة، ولم تكن تعلم أنه تم إجلاء الرضع حتى اتصلت عائلة زوجها في تركيا وأخبرتها بذلك. لم تتمكن هالة وزوجها من تجاوز نقطة تفتيش إسرائيلية للوصول إلى ماسة في جنوب غزة. واتصل أحد العاملين في المستشفى الإماراتي هناك بهالة لتأذن له بنقل الطفلة إلى مصر. وبعد أسبوعين من الانتظار، سُمح لها بالسفر إلى القاهرة برفقة ابنها بكر البالغ من العمر 3 سنوات.
علمت نور البنا (30 سنة) أنه تم إنقاذ ابنتيها التوأم، لين وليان، من مستشفى الشفاء من قبل شقيقة زوجها، التي تصادف أنها تعمل في وزارة الصحة في غزة، وشاهدت أسماء الطفلتين على القائمة. كانت البنا تحاول بشدة الوصول إليهما منذ أسابيع. لكنها ظلت عالقة في الجنوب، حيث قطع الجنود الإسرائيليون الطريق نحو الشمال. وقالت: “لقد كان الجو باردًا وخطيرًا. لم يُسمح بقيادة السيارات. وتتذكر قائلة: “قلت في نفسي: لقد انتهى الأمر، لقد رحلا. لن يكون لدي أطفال”.
وعندما علمت بإجلائهم، أسرعت البنا إلى رفح لتكون مع توأمها، ثم سافرت بهما إلى مصر. وقال الأطباء إن معظم الأطفال يتمتعون بصحة جيدة بما يكفي لخروجهم من المستشفى. لكن ليس لديهم مكان يذهبون إليه. وتم إرسال بعض الأطفال الشهر الماضي إلى دار لرعاية الأطفال في القاهرة مع أمهاتهم. لكن أصيب التوأم بنزلة برد هناك وتوفيا فيما بعد في المستشفيات، وقد سلطت وفاتهما الضوء على هشاشة الأطفال وأوقفت العمليات الإضافية لإخراجهم.
قال دياب اللوح إن الرضع سيبقون في المستشفى في الوقت الحالي. وقال مسؤول مصري، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة موضوع حساس، إن مصر ستواصل الاهتمام بهم “حتى يتم التنسيق مع السلطات الفلسطينية المعنية بشأن مستقبلهم”. ولم تستجب وزارتا الصحة والتضامن الاجتماعي المصريتان لطلبات التعليق. ومن جهتها، دعت منظمة اليونيسف إلى توفير الرعاية الأسرية بدلاً من الرعاية المؤسسية. وقال راشد، وهو طبيب مصري، إنه “إذا نجحنا في الاتصال بأسرهم، فإن هؤلاء الأطفال سينموون بشكل طبيعي، دون أي عجز عصبي”.
وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر، أصدرت وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية في رام الله قرارا بوقف تبني الأطفال من غزة دون تصريح وزاري. وقال اللوح، السفير في مصر، إنه “من المبكر للغاية الحديث عن هذا الآن لمعاملة هؤلاء الأطفال كأيتام. وبعد الحرب، سنبدأ بالبحث عن عائلاتهم”.
المصدر: واشنطن بوست، ترجمة: نون بوست