دمشق - قُدس الإخبارية: واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي سياسة توجيه ضربات عدوانية، لمواقع في سوريا، ضمن مسار انطلق قبل سنوات يزعم أنه يستهدف من خلاله "عمليات تهريب سلاح للمقاومة في لبنان أو بناء قواعد عسكرية لمجموعات معادية له".
يوم أمس، أعلنت مصادر رسمية سورية عن استشهاد جنديين وإصابة 6 آخرين في عدوان صاروخي نفذه جيش الاحتلال من البحر الأبيض المتوسط على مواقع للدفاع الجوي، في طرطوس، وفي وقت لاحق قالت الوكالة الرسمية السورية إن طيران الاحتلال نفذ غارات على أهداف في محيط حماة من فوق شمال لبنان.
تتبع الأخبار التي تنشرها الوكالة الرسمية السورية يظهر على أنه لم يمر شهر من العام، إلا ونفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي فيه عدواناً صاروخياً وجوياً على مواقع داخل سوريا.
بدأ العام الحالي بغارة نفذها طيران الاحتلال من اتجاه شمال شرق بحيرة طبريا نحو محيط مطار دمشق الدولية، وأدت لاستشهاد جنديين وإصابة إثنين آخرين، وفقاً للوكالة الرسمية. وكانت الحصيلة الأعلى من الشهداء في العدوان الذي نفذه الاحتلال على دمشق ومحيطها وطال أحياء سكنية، في شهر شباط/ فبراير الماضي، وأدى لاستشهاد 5 أشخاص وإصابة 15 آخرين، وتدمير عدة منازل وإلحاق أضرار بالأحياء التي استهدفها.
وفي السابع من شهر أغسطس/ آب الماضي، أعلنت الوكالة السورية عن استشهاد أربعة عسكريين وإصابة أربعة آخرين جراء قصف جوي نفذه طيران الاحتلال من اتجاه الجولان السوري المحتل، نحو نقاط في محيط دمشق، وقالت إن "وسائط الدفاع الجوي تصدت وأسقطت بعض الصواريخ".
وفي الأشهر الماضية، نفذ جيش الاحتلال عدة غارات استهدفت محيط دمشق وحمص، عدة مرات، وفي المناطق الجنوبية من سوريا، ومدينة حلب ومطارها، وطرطوس، وحماة كما تنوعت نقاط العدوان من مناطق فلسطين المحتلة "طبريا ومواقع أخرى في الشمال"، أو من فوق الجولان السوري المحتل، وفي بعض الحالات من البحر الأبيض المتوسط، أو من فوق الأراضي اللبنانية.
تكرر خلال الشهور الماضية أيضاً إعلان السلطات السورية عن خروج مطار حلب عن الخدمة، جراء القصف الإسرائيلي المتكرر له، وهو يشير إلى أهداف جيش الاحتلال من الغارات المستمرة التي ينفذها في سوريا، وهي تدمير أي موقع يراه هاماً في سياق ما يقول إنها عمليات نقل سلاح أو عتاد للقوى المعادية له.
عمليات القصف طالت أيضاً موانئ هامة في سوريا مثل اللاذقية وبانياس، ومعابر برية مع العراق مثل البوكمال، في سياق سياسة الاحتلال لتقليل أو منع القوافل التي يقول إنها تحمل أسلحة مختلفة بينها استراتيجية، من الوصول إلى المقاومة في لبنان وغيرها، ولم تتوقف الاستهدافات للقوافل على تلك التي يعتقد الاحتلال أنها تحمل السلاح، بل طالت أيضاً شاحنات مواد غذائية ومحروقات.
"المعركة ما بين الحروب"... استراتيجية الاحتلال في سوريا
الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة "تل أبيب"، عيدان كدوري، قالت في دراسة حول قضية "المعركة بين الحروب" والعمل العسكري الإسرائيلي المستمر في سوريا، إن جيش الاحتلال شن 145 غارة جوية في سوريا في الفترة ما بين 2018 - 2022.
وأطلق جيش الاحتلال استراتيجية "المعركة بين الحروب"، قبل أكثر من 10 سنوات، وتقوم على شن عمليات محدودة لإحباط جهود أعداء "إسرائيل" لتطوير قدراتهم العسكرية وبناء بنية تحتية استراتيجية وأمنية لتنفيذ هجمات أكثر نوعية، في المستقبل، دون الوصول إلى حالة حرب شاملة.
رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، غادي آيزنكوت، يعتبر نفسه "الأب الروحي" الذي أطلق هذه النظرية، في المعركة، ضد أعداء "إسرائيل"، ويرى أنها حققت "نجاحات على مستوى التحديد الاستخباراتي للأهداف التي يجب ضربها وتحييدها عن الوجود"، حسب زعمه، دون الوصول إلى حرب شاملة.
وتعرضت النظرية لانتقادات من جانب مسؤولين سابقين في الأجهزة الأمنية والعسكرية، في دولة الاحتلال، وباحثين في المراكز الاستراتيجية الإسرائيلية الذين اعتبروا أن استراتيجية "المعركة بين الحروب" لم تمنع قوى المقاومة، في المنطقة، من تطوير قدراتها التي قد تظهر في أية حرب شاملة مقبلة، في ظل مساعيها لتثبيت استراتيجية "وحدة الساحات"، التي قد تتعرض خلالها دولة الاحتلال لقصف صاروخي عنيف من أكثر من جبهة، بالإضافة لاستخدام الطائرات المسيرة، وقوات النخبة التي قد تقدم على احتلال مواقع ومستوطنات، في الداخل المحتل.
وترى مستويات أمنية عليا في دولة الاحتلال أن استراتيجية "المعركة بين الحروب" قد تؤثر على استعداد الجيش للحرب المقبلة، وقد تؤدي إلى تآكل الردع في ظل "الخطوط الحمراء" الموضوعة من قبل قيادة الجيش، في العمل العسكري، خلال هذه الفترة لتجنب وقوع حرب شاملة.
الرئيس السابق لشعبة العمليات في جيش الاحتلال، نيتسان ألون، قال إن الخبرات التي تخلقها "المعركة بين الحروب" لا تتجاوز فكرة أن غالبية القوات التابعة للجيش لا تشارك فيها، والتركيز يكون على الجو والاستخبارات وقطاعات أخرى محددة، وهذا قد يخلق وهماً حول الإنجازات التي تخلقها هذه العمليات على كل الجيش، بينما قد تفقد بقية الأذرع قدرتها في الحرب الشاملة.