كما كان متوقعاً منذ أن صدرت إشارة رسمية من الحكومة الصينية بإبداء الاستعداد لرعاية مفاوضات تسوية على الساحة الفلسطينية، فإن الصين ستواصل الإعداد لهذه الخطوة. وقد تأكد ذلك من خلال الزيارة التي أعدت لها لرئيس م.ت.ف محمود عباس، لزيارة الصين خلال الأسبوع الفائت، وذلك بعد أن أخذت موافقته على تحركها بهذا الاتجاه.
وقد صدر من الصين ما يفيد بأنها ماضية ضمن هذا التوجه، الأمر الذي يشير إلى احتمال قوي بأنها قطعت شوطاً بهذا التوجه مع حكومة نتنياهو، وإلاّ ما كانت لتعلن عن رغبتها، بالاستناد إلى الموافقة الرسمية الفلسطينية فقط.
وهنا يمكن أن يُستنتج الأمر نفسه إذا ما أُخذ بعين الاعتبار استمرار التباعد بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونتنياهو، مما قد يدفع الأخير للعب بالورقة الصينية، رداً على هذا التباعد.
تاريخ الصين مع القضية الفلسطينية مرّ بمرحلة صداقة حميمة، تأييداً للقضية الفلسطينية ودعماً للمقاومة، وكان موقفها الأفضل عالمياً حتى اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. ثم بدأ بالتراجع النسبي إلى أن انتهى بعودة الاعتراف بدولة "إسرائيل"، وتبني أخيراً مشروع "حلّ الدولتين"، مع علاقات اقتصادية وسياسية قوية مع الكيان الصهيوني.
وقد وصلت تلك العلاقات الأوج في الآونة الأخيرة، من حيث الاتفاقات الاقتصادية والتعاون التكنولوجي، وشراء شركة صهيونية لـ"تحسين مظهر المستوطنات"، كما اعتبار المقاومة عمل تخريبي، أو تأييد سياسة "إسرائيل" كوطن قومي ليهود العالم.
هذا كله يفترض بفصائل المقاومة، ولا سيما الرافضة لاتفاقيات أوسلو أو لحلّ الدولتين، أن تدخل مع الصين بمحادثات جادّة، بعيداً من المجاملة، وذلك لإيضاح الحق الفلسطيني على كامل الأرض الفلسطينية، كما الحق بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وباعتماد استراتيجية المقاومة، كما رفض حلّ الدولتين، أو حلّ الدولة الواحدة. وهذا الحلّ يعطي للمستوطنين شرعية الوجود في فلسطين، والتفاوض على حق تقرير مصيرها، وذلك عندما يعطي حق المواطنة المتساوية، وهو المستوطن الاقتلاعي الإحلالي غير الشرعي.
ليس ثمة فارق بين تمسك الصين بحقها الكامل في تايوان، وتمسّك الفلسطينيين بحقهم الكامل في فلسطين. وأما الفارق، فبقاء تايوان صينية، ولم تفقد هويتها الصينية، فيما فلسطين احتُلت من مستوطنين، غزاة غرباء، جاء بهم الاستعمار البريطاني، ومكّن لهم من اقتلاع ثلثي الشعب الفلسطيني، والحلول مكانه، وإقامة كيان يستهدف تهويد فلسطين بالكامل، وإفقادها لهويتها، الأمر الذي يجعل التمسّك بالحق الفلسطيني أشدّ إلحاحاً، وواجباً وضرورة.
وإذا كانت الصين لأسباب تخصها، لا تقبل بالطرح الفلسطيني، فهذا لا يمنع أن تقوم علاقات صداقة وتعاون بين الصين والشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية، ولكن شريطة ألاّ تتدخل الصين في الضغط للتسوية، وحلّ الدولتين، لأنه في هذه الحالة يعدّ تدخلاً في الشأن الداخلي، وإثارة نقاط خلافية تسيء لما يمكن أن يقوم ويطوّر من علاقات صداقة وتعاون.
هنا تجب الإشارة عند تناول موضوع العلاقات والمستقبل، إلى أن موقف الدول العربية وأغلب الدول الإسلامية يختلف عن موقف الشعوب العربية والإسلامية، ويختلف عن موقف فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني، لأن الدول سبق لها وتراجعت عن الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في فلسطين، وتخلت عن عدم الاعتراف بما تمّ من اقتلاع وإحلال، وما هو قائم من ظلم فادح للقضية الفلسطينية. من هنا فإن موقف الدول العربية والإسلامية، كما السلطة الفلسطينية، سوف يتغير بالنسبة للقضية الفلسطينية، مع نهوض الشعوب وتحرّرها ووحدتها، وهو أمر آتٍ لا محالة.
الظاهر في الموقف الصيني هو الدعوة لحلّ الدولتين، أما مسألة شراء الصين للشركة التي تعنى بالاستيطان، والموقف من المقاومة الفلسطينية، ومن الدولة القومية اليهودية، فيشكل كارثة، من ناحية مخالفة القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، كما يتناقض مع سقف الدول العربية والإسلامية، وحتى دول العالم، فكيف بالنسبة إلى الشعوب. لذلك يجب التراجع عن هذه السياسات، لأنها تضر بالعلاقات الجيدة والمستقبلية، وتفرض أن يُعاد النظر فيها، بالنسبة للسياسة الصينية عموماً.