شبكة قدس الإخبارية

التجمعات البدوية... جدار التصدي للاستيطان هل يتهدم؟

373467863_250896890681162_7727445714768419832_n
هيئة التحرير

الضفة المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: تبني مؤسسات الاحتلال السياسية والأمنية سياساتها تجاه التجمعات البدوية الفلسطينية، في الضفة المحتلة، على أساس "استراتيجي" يتعامل معها على أنها "تهديد" أمام حركة الاستيطان يجب إزالته بكل الطرق، أولها التضييق والخنق وآخرها التهجير الكامل.

الشهور الماضية شهدت حركة تهجير كبيرة لتجمعات بدوية تقع في مناطق ينظر الاحتلال إليها على أنها حساسة، في سياق مشروعه الاستيطاني للسيطرة على الضفة المحتلة، وهو ما يجدد الأسئلة حول المطلوب من المجتمع والفصائل الفلسطينية لمواجهة هذا التهديد الذي تصنفه مؤسسات مختصة في الاستيطان بأنه "استراتيجي"، على مستقبل الوجود الفلسطيني في المناطق المصنفة "ج"، التي تشكل نحو 60% من الضفة المحتلة.

يتنشر في الضفة المحتلة نحو 46 تجمعاً بدويا فلسطينياً على الطول السلسلة الشرقية الجبلية، أي من طوباس في الأغوار إلى جبال الخليل جنوباً، ويعيش فيها أكثر من 14 ألف فلسطيني، يعيشون حياة مريرة في ظل التضييق الإسرائيلي المستمر عليهم وحرمانهم من أسباب عيشهم المعروفة، وهي حركة تنقل بالمواشي في الجبال والمراعي، و"التقصير من جانب المؤسسات الحكومية والحزبية" بحقهم، كما يؤكدون.

معظم سكان التجمعات البدوية من اللاجئين الذين هجرتهم العصابات الصهيونية، من بئر السبع ومحيطها، خلال حرب 1948، وبعد احتلال الضفة في عام 1967 واجهوا تهجيراً جديداً وحرباً أخرى على وجودهم البشري والمادي.

في محضر اجتماع عقده في عام 1979 مع شعبة الاستيطان في منظمة الصهيونية العالمية، قال أرئيل شارون الذي كان يشغل حينها منصب وزير الزراعة في حكومة الاحتلال، إن أحد الأهداف التي عمل عليها من خلال فرض قوانين "مناطق إطلاق النار"، في التجمعات البدوية الفلسطينية جنوب الخليل، مثل "مسافر يطا"، هو قطع الاتصال بين البدو الفلسطينيين في النقب وأولئك الذين ينتشرون في المنطقة الجبلية جنوب الخليل، هذا التقدير الاستراتيجي لأهمية التجمعات البدوية في الصراع مع الاحتلال، من جانب شارون، الذي يعتبر أحد عتاة دعم المشروع الاستيطاني، يشير إلى الأهمية الكبيرة التي توليها مؤسسات الاحتلال لتهجير هذه التجمعات.

التجمعات البدوية… حائط صد أمام الاستيطان

حسن مليحات من مؤسسة "البيدر" للدفاع عن حقوق التجمعات البدوية، أشار في لقاء مع "شبكة قدس" إلى أن اعتداءات المستوطنين المنظمة بدعم وحماية من جيش الاحتلال أسهمت في تهجير تجمع عين سامية الذي يقع شرق رام الله، في شهر أيار/ مايو الماضي، وكان يعيش فيه 300 فلسطيني، وبعد أسابيع أكمل الاحتلال تهجير تجمع "راس التين" في المنطقة الشرقية من رام الله أيضاً، ثم ذاق أهالي تجمع "البقعة" قرب قرية مخماس شمال شرقي القدس المحتلة، بالإضافة لتجمع "القبون"، و"المرج".

"تهجير التجمعات البدوية يعني القضاء على الوجود الفلسطيني في المناطق المصنفة ج في الضفة المحتلة"، يختصر مليحات الخطر الاستراتيجي المحدق بالضفة المحتلة في حال أكمل الاحتلال مشروع تهجير الفلسطينيين من التجمعات البدوية المنتشرة على سلسلة جبال الضفة من الأغوار إلى جنوب الخليل، ويؤكد على أن التجمعات البدوية تشكل "حائط الصد" أمام امتداد المشروع الاستيطاني إلى هذه المناطق الاستراتيجية.

ويشدد على أن السيطرة الإسرائيلية على المناطق التي تحميها التجمعات البدوية، يعني مد الحزام الاستيطاني على طول هذه الجبال ويسمح للاحتلال بتوفير حصانة أمنية واستراتيجية له، خاصة في مناطق الأغوار التي يوليها أهمية كبيرة، في سياق مشروعه لفرض "السيطرة والسيادة" على الضفة المحتلة.

الاستيطان الرعوي: "حيث تقف أغنامنا حدود سيطرتنا"

ويشير مليحات إلى سياسة استيطانية انتشرت، في السنوات الماضية، وهي إقامة بؤر استيطانية رعوية في مناطق مختلفة من جبال الضفة المحتلة، خاصة القريبة من التجمعات البدوية الفلسطينية، تحت شعار "حيث تقف الأغنام تمتد حدود السيطرة".

تقول تقديرات المؤسسات المختصة بالاستيطان إن ميلشيات المستوطنين أقامت، خلال سنوات، نحو 84 بؤرة رعوية تسيطر على أكثر من 7% من الأراضي المصنفة "ج"، وتعمل من خلالها على تهجير التجمعات البدوية الفلسطينية، من خلال شن هجمات عدوانية عليها ومنع البدو الفلسطينيين من التنقل بمواشيهم في الأراضي المحيطة بتجمعاتهم، وتعمل على منع أهالي القرى المجاورة من الوصول لأراضيهم.

ويؤكد حسن مليحات أن ميلشيات المستوطنين تشكل أداة تنفيذية لمنظومة الاحتلال في مخطط تهجير التجمعات البدوية الفلسطينية، ويشير إلى الهجمات المنظمة التي شنتها على أهالي تجمعات عين سامية وراس التين والقابون وغيرها، وأدت لإجبار الأهالي على الهجرة، بعد أن تعرضوا للضرب والتضييق وسرقة المواشي ومنعهم من الرعي في الأراضي المحيطة بهم، بالإضافة لوسائل أخرى، طوال سنوات.

وأشار إلى هجوم شنته ميلشيات المستوطنين على تجمع بدوي شرق رام الله، قبل شهور، إذ حضرت قوات الاحتلال الخاصة بعدها وأغلقت المنطقة وأشرفت على الهجوم وحماية المستوطنين، في ظل افتقاد الأهالي لمن يحميهم، والأوضاع الصعبة التي يعيشونها نظراً لقلة الدعم والإسناد والأضرار الاقتصادية التي لحقت بهم جراء سيطرة المستوطنين على الأراضي، وغلاء المواد الأساسية، كما يقول.

واعتبر أن دولة الاحتلال تستخدم ميلشيات المستوطنين في محاولة للهروب من مسؤولياتها، عن الاعتداءات وعمليات التهجير، أمام الدول الأوروبية والعالمية.

"وحيدون في المواجهة"

ينقل مليحات عن أحد سكان التجمعات البدوية التي هجرها الاحتلال مؤخراً، قوله: "نحن لا نستطيع وحدنا مواجهة إسرائيل… أين الدعم والاسناد"، وهو يحمل المؤسسات الحكومية بينها الزراعية والتنموية بالإضافة للفصائل والتنظيمات الفلسطينية مسؤولية التقصير في بناء خطة استراتيجية لحماية التجمعات البدوية الفلسطينية من التهجير.

ويضيف: مطالب صغيرة سعى أهالي هذه التجمعات لسنوات من أجل تحقيقها لكنهم للأسف لم يحصلوا عليها، الدعم كان قليلاً لهم، في ظل غياب الاهتمام المطلوب بإسناد البدو الذين هم جزء من التشكيل الاجتماعي الفلسطيني، وينتشرون في مواقع استراتيجية وحساسة تواجه الاستيطان المدعوم من حكومة تنفق عليه ميزانيات ضخمة.

وتابع: التنظيمات الفلسطينية أيضاً مقصرة في هذا الاتجاه، رفع شعار العمل الوطني يعني أن تنشغل من ضمن تحركاتها وحراكاتها التنظيمية والسياسية والميدانية في دعم أهالي هذه التجمعات، وإبراز قضيتهم للمجتمع الفلسطيني وتحشيد كل الوسائل والإمكانيات لدعمهم في هذه المعركة.

وأكد على أهمية معركة التجمعات البدوية، قائلاً: إذا نجح الاحتلال في تهجير التجمعات البدوية المنتشرة في الضفة فإن الحديث عن "كيانية فلسطينية" أو "دولة فلسطينية" لا معنى له.

ويشدد على ضرورة بناء خطة استراتيجية فلسطينية لدعم أهالي التجمعات البدوية الفلسطينية، و"ليس ضحك على اللحي" بالتعبير العامي الفلسطيني، كما يقول، ويجب أن تتضمن الخطة وفقاً لمليحات رصد ميزانيات ودعم كبير لصمود الأهالي، وحشد المجتمع الفلسطيني في هذا المشروع، والتغطية الإعلامية المكثفة على معاناة أهالي التجمعات البدوية، ودعمهم ميدانياً وسياسياً وعملياً، ونقل قضاياهم إلى المؤسسات الدولية ومحكمة العدل وغيرها، ونقل القضية إلى أنصار الشعب الفلسطيني في العالم للحصول على دعمهم في هذه المعركة.

استراتيجية شاملة

مدير وحدة مراقبة الاستيطان في مؤسسة "أريج"، سهيل خليلية، أكد على أن التجمعات البدوية الفلسطينية تقع في مناطق يهددها المشروع الاستيطاني الذي يريد بسط السيطرة على الضفة المحتلة كاملة، وأشار إلى تجمع "الخان الأحمر" شرقي القدس المحتلة الذي يقف في وجه أحد أضخم المشاريع الاستيطانية في المنطقة التي يطلق عليها الاحتلال اسم "E1"، ويطمح إلى ربط مستوطنة "معاليه أدوميم" بالقدس المحتلة من خلال البناء الاستيطاني فيها، وهو المشروع المعروف باسم "القدس الكبرى".

ويقول إن التجمعات البدوية الفلسطينية في جنوبي الخليل، مثل "مسافر يطا" وما حولها، مهددة أيضاً بالتهجير، لتسهيل مخططات الاحتلال بإقامة مدن استيطانية تحقق له هدف منع قيام كيان فلسطيني وإدامة السيطرة على الضفة المحتلة، وأضاف أن الاحتلال من خلال سياسة تحويل مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، حول التجمعات البدوية، إلى "مناطق عسكرية مغلقة" يسعى إلى منع هذه التجمعات من التمدد السكاني والجغرافي، ويحرمها من الاستفادة من الموارد الطبيعية.

وذكر مثالاً على هذه السياسة هي مناطق الأغوار، أحد أخطر المواقع التي يسعى الاحتلال للسيطرة عليها، إذ فرض سياسة "المواقع العسكرية المغلقة" على أكثر من 90% منها، ويمنع التجمعات البدوية الفلسطينية من التمدد فيها وممارسة حقها في الرعي والمسكن والمعيشة، ويهدم مساكن الفلسطينيين فيها بشكل دوري، لإجبارهم على الرحيل.

وأكد أن الاحتلال عمل منذ بدايات احتلال الضفة، في عام 1967، على السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الرعوية، ومنع الفلسطينيين من الاستفادة منها في نشاطاتهم المختلفة، بالإضافة لسرقة مصادر المياه التي تشكل شريان الحياة البدوية والزراعية الفلسطينية، بالإضافة لسياسة إغلاق الأراضي تحت مسمى "مناطق عسكرية"، وكلها هذه الأدوات بالإضافة لإطلاق ميلشيات المستوطنين في الاعتداء على الأهالي، ساهمت في مشروع تهجير التجمعات البدوية.

وقال إن النشاط الزراعي والرعوي تدهور بشكل كبير منذ بدايات الاحتلال ويواجه تهديداً كبيرا في هذه السنوات في ظل توسع وانتشار المشاريع الاستيطانية، وذكر أن الاحتلال استخدم قوانين من فترات سابقة مثل العهد العثماني، تنص على اعتبار أن الأراضي غير المستخدمة لفترة معينة تتحول لأراضي دولة، رغم أن هذا الفعل مخالف للقانون الدولي، كما يوضح، لأن الاحتلال غير وريث شرعي للدول والسلطات السابقة التي حكمت فلسطين.

وأكد على ضرورة بناء استراتيجية وطنية فلسطينية شاملة تتوزع مهماتها على الكل الفلسطيني لحماية ودعم صمود التجمعات البدوية الفلسطينية، واعتبر أن من الضروري تشكيل هيئة جامعة لقضية التجمعات البدوية وتساهم في تقديم الدعم لها، وتنسيق الجهود في هذا السياق.




 

#فلسطين #الاحتلال #الضفة #التجمعات البدوية #ميلشيات المستوطنين