شبكة قدس الإخبارية

جيش "الانقسامات الاجتماعية"... الأزمة السياسية الإسرائيلية تهدد جيش الاحتلال

20230303090907
أحمد العاروري

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: الأزمة السياسية التي تمر بها دولة الاحتلال الإسرائيلي امتدت تداعياتها إلى أحد مؤسسة الجيش، التي يتعدى دورها في مجتمع المستوطنين الأدوار المعروفة للمؤسسات العسكرية في دول أخرى، إلى محور مركزي في عمليات البناء السياسي والاجتماعي الاستعماري.

في الأيام الماضية، انضم ضباط وجنود احتياط في وحدات "استراتيجية" في جيش الاحتلال إلى المحتجين على خطة "التعديلات القضائية" التي تعمل حكومة بنيامين نتنياهو على إقرارها، وتعتبرها فئات في مجتمع المستوطنين تدميراً لما تسميه "الديمقراطية الإسرائيلية".

تعتبر قوات الاحتياط مركزية في الفعل والعقل العسكري الإسرائيلي لما تمثله من "مخزون" يجري استثماره في العمليات والحروب على الفلسطينيين والعرب، ويمثل فرعاً هاماً في مفهوم "جيش الشعب" الذي حاولت قيادات الحركة الصهيونية قبل وبعد قيام دولة الاحتلال تكريسه في العقل الجماعي لمجتمع المستوطنين، وهو المفهوم الذي تضرر في السنوات الأخيرة، في ظل الانتقادات من جانب ضباط وقادة عسكريين سابقين لإهمال تدريب قوات الاحتياط والضعف خاصة في سلاح البر، الذي ظهر في الحروب التي خاضتها "إسرائيل" مع قوى المقاومة.

التهديد الذي يزداد يومياً أمام المؤسسة العسكرية في جيش الاحتلال هو تزايد ظاهرة "الامتناع عن الخدمة الإجبارية"، خاصة مع إعلان ضباط وجنود احتياط عن إحجامهم عن الاستجابة لطلبات التدريب والتجنيد، احتجاجاً على خطة "التعديلات القضائية"، وهو ما دفع رئيس أركان جيش الاحتلال هيرتسي هليفي إلى تحذير نتنياهو من تبعات هذه الظاهرة على قدرة الجيش على مواجهة التحديات التي تتزايد في الميدان.

يعتبر سلاح الطيران "استراتيجياً" في النظام العملاني والأداتي في الحروب والعمليات العسكرية التي ينفذها جيش الاحتلال، وهو ما يجعل التدريبات والمتابعة المستمرة لأوضاع طياريه مهمة حساسة. يوم أمس أعلن 37 طيارياً احتياطياً من السرب "69" الذي يقود طائرات F - 15  أنهم ينوون مقاطعة التدريب المقرر، يوم الأربعاء، احتجاجاً على خطوات الانقلاب القضائي، كما وصفوها.

150 جندياَ وضابطاً في وحدات متخصصة بمجالات "السايبر" قالوا في رسائل لقادة أجهزة "الشاباك"، و"الموساد"، والاستخبارات العسكرية ولرئيس هيئة الأركان، إنهم سيقاطعون الخدمة، في حال إقرار خطة "التعديلات القضائية".

"إبنك الذي لم يمسك سلاحاً في حياته يصفنا بالإرهابيين"، كان هذا جانباً من الرسالة التي بعثها جنود خدموا في وحدة "سيرت متكال" التي تعتبر من وحدات "النخبة"، في جيش الاحتلال، لنتنياهو احتجاجاً على وصف المشاركين في التظاهرات ضد "التعديلات القضائية" من قبل أركان الحكومة ونجل رئيسها بــ"الإرهابيين".

الجنود الذين شاركوا في عملية مطار "عنتيبي" في أوغندا، عام 1976، بعد خطف خلية للمقاومة الفلسطينية طائرة على متنها عشرات الإسرائيليين وقتل خلالها يوني نتنياهو شقيق بنيامين نتنياهو أحد أعضاء القوة، خلال العملية، انضموا إلى أعضاء وحدات أخرى مثل الاستخبارات والمدفعية شاركوا في الاحتجاجات.

رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، غادي آيزنكوت، والذي يعتبر أحد المفكرين الاستراتيجيين الإسرائيليين اعتبر أن حكومة نتنياهو ألحقت "الضرر بالوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي والمكانية الدولية لإسرائيل وهو ما سينعكس على أمنها في ظل الواقع الميداني المتفجر في الضفة في ظل التحديات على مستوى الملف النووي الإيراني". انتقادات الجنرال آيزنكوت لسلوك حكومة نتنياهو يأتي في سياق دخول ضباط كبار سابقين في المستويات الأمنية والعسكرية في الصراع الداخلي الإسرائيلي، ونرى تجلياته في مشاركة إيهود باراك ورئيس "الشاباك" السابق وضباط في جهاز "الموساد"، في التظاهرات، وتصريحات رئيس الأركان السابق كوخافي قبل مغادرته منصبه حول خطورة "تقسيم صلاحيات الجيش" بين وزراء الحكومة، ونقل مسؤوليات من وزارة الحرب إلى وزراء "الصهيونية الدينية".

صحيفة "إسرائيل اليوم" وجهت انتقادات لرئيس الأركان، هرتسي هليفي، وقالت إن عليه الخروج والتوضيح لمجتمع المستوطنين خطورة انتقال الخلافات السياسية والاجتماعية في الشارع إلى الجيش. هليفي الذي تولى منصبه في وقت شديد الحساسية بعد توسع الخلافات السياسية بين النخب الحاكمة والمعارضة وقضية تقسيم "صلاحيات" الجيش بين وزير الحرب غالانت وسموتريتش وبن غبير من "الصهيونية الدينية".

في خطابه خلال حفل تنصيبه رئيساً لأركان جيش الاحتلال، ألمح هليفي إلى تأثير هذه الخلافات على الجيش "سنقوي الجيش الإسرائيلي بعيداً عن اعتبار آخر غير الأمن"، في ظل الحملة الشرسة التي تعرضت لها قيادة الجيش في تلك المرحلة بعد العقوبات التي فرضتها على جندي اعتدى على ناشط يساري، في الخليل، وهو ما اعتبره رئيس الأركان السابق كوخافي وضباط في الوحدات العليا تدخلاً في خصوصيات الجيش وتقسيماً له.

"حروب الجنرالات"

تاريخياً عصفت بجيش الاحتلال خلافات تفاوتت طبيعتها بين مرحلة وأخرى، من بين أبرز هذه الصراعات كان ما أطلق عليه "حرب الجنرالات"، في الفترة خاصة ما بعد حرب 1967، بين عدد من الجنرالات أبرزهم موشيه دايان، وشارون، وبارليف، وغونين، وبونديك.

في هذه المرحلة، اشتبك أرئيل شارون مع أكثر من جنرال وعبَر عن شكوكه بقدرة موشيه دايان عن "قيادة الحكومة"، رغم وصفه إياه ب"الشجاع ميدانياً" إلا أنه "جبان في اتخاذ القرارات الكبرى. عارض شارون إقامة خط "بارليف" لصد القوات المصرية في سيناء، واعتبر أنه سيشكل مصيدة للجنود الإسرائيليين خلال أي هجوم.

اشتبك شارون مع الجنرال "بوندك" خلال تولي الأخير قيادة المنطقة الجنوبية، على الطريقة المثلى لقمع المقاومة التي أرقت "إسرائيل" سنوات في قطاع غزة. اختار شارون كعادته الحسم العسكري بتنفيذ عمليات عدوانية واسعة، تستهدف خلايا المقاومة وحواضنها الشعبية، ونفذ عمليات تهجير وتغيير في جغرافية المخيمات. بينما اختار "بوندك" الوسائل الاقتصادية الناعمة لقتل التأييد للمقاومة.

وفي حرب تشرين 1973، خالف شارون أوامر قائد المنطقة "غورديش" ونفذ عمليات في الجبهة الغربية من سيناء، واندلع وسط المعركة خلاف بين الجنرالين.

الهزيمة في حرب 1973 على الجبهتين المصرية والسورية امتدت آثارها لسنوات على المؤسستين العسكرية والسياسية، في دولة الاحتلال، وإن كانت لجنة التحقيق وضعت المسؤولية الأساسية في الفشل خلال الحرب على جهاز الاستخبارات العسكرية، إلا أنها طالت أيضاً قيادات سياسية تاريخية مثل موشيه دايان، وغولدا مائير.

هذه الأزمات بقيت في إطار تستطيع قيادة المؤسسة العسكرية السيطرة عليه بعيداً عن الانقسامات المجتمعية التي تميَز مجتمع المستوطنين، في ظل انخفاض الثقة بأداء الجيش بعد فشله طوال سنوات في "حسم" المعركة مع المقاومة في فلسطين ولبنان، خاصة منذ مرحلة انتفاضة الأقصى وحرب لبنان 2006 والحروب على قطاع غزة.

هل هو فعلاً جيش الشعب؟

يتعرض مفهوم "جيش الشعب" الذي صاغه القادة المؤسسون للمؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية لشكوك تزداد، في كل مرحلة حساسة تمر بها دولة الاحتلال، خاصة أن الانقسامات الاجتماعية والطبقية في مجتمع المستوطنين انتقلت لتشكل طبيعة المجندين في الوحدات العسكرية، وبذلك أصبحت قدرة مؤسسة الجيش على "صهر" هذه المكونات غير المتجانسة مهددة مع مرور الوقت.

تشير دراسات إلى أن أعداد المجندين من الفئات "الأقل" أو المحسوبة على اليهود الشرقيين و"الصهيونية الدينية في الوحدات القتالية وخاصة في سلاح البر ازدادت، في السنوات الأخيرة، بينما يحظى أبناء الطبقات الغنية بالخدمة في الوحدات الاستخباراتية و"السايبر" التي توفر لهم مستقبلاً في الشركات التكنولوجية، في الأسواق الإسرائيلية أو العالمية.

يؤكد الباحث في العلوم الاجتماعية والعسكرية، خالد عودة، على فكرة انقسام وحدات الجيش بناء على الانقسامات في مجتمع المستوطنين، ويوضح: بعض الوحدات العسكرية مثل الاستخبارات و"السايبر" وسلاح الطيران يعتبر المجندون فيها من المقربين من اليسار والفئات الليبرالية.

كل وحدة من الجيش لها أصولها السياسية والطبقية والمناطقية، يقول عودة الله في لقاء مع "شبكة قدس"، ويشير إلى مثال منطقة المركز "غوش دان" التي تعتبر مخزناً للمجندين في سلاح الطيران والاستخبارات وغيرها من الوحدات النخبوية، ويضيف أن معظم المحتجين من جنود وضباط الاحتياط على "التعديلات القضائية" من هذه الوحدات.

وعن تأثير هذا الإحجام عن الخدمة بين هذه القوات، يقول عودة الله: حتى اللحظة لا يوجد إحجام في الوحدات النظامية والاحتجاجات تتركز في وحدات الاحتياط وفي سلاح الجو تحديداً، وأحجم هؤلاء عن الالتزام بالتدريبات العسكرية الدورية.

ويرى عودة الله أن "الخط الأحمر" الذي قد يدفع حكومة نتنياهو إلى تقديم "تنازلات" للوصول إلى "حل وسط" مع المعارضة، هو تنفيذ تهديدات ضباط وجنود بالامتناع عن "الخدمة العسكرية"، ويشير إلى أن وصول التهديد إلى قضية هامة مثل "الخدمة العسكرية" قد يشكل "فرصة" للحل.

دوافع إعلان جنود وضباط من الاحتياط في هذه الوحدات انخراطهم في الاحتجاجات على خطة "التعديلات القضائية"، تتفاوت بين "الانتماء القيمي والأيدلوجي" و"الخوف على المصالح"، كما يوضح الأستاذ خالد عودة الله، ويشير إلى أن هؤلاء الجنود والضباط من الفئات الاجتماعية التي ستضرر من هذه الخطة.

وفي الوقت ذاته، فإن لدى هذه الفئات مخاوف من أن تسهل "التعديلات القضائية" عمليات الملاحقة لهم في المحاكم الدولية على خلفية جرائم الحرب التي ارتكبوها خلال خدمتهم العسكرية، ويوضح عودة الله: المسألة تتراوح بين البعد القيمي والأيدلوجي والشخصي أو مسألة "الدفاع عن النفس" نظراً لخطورة هذه الإصلاحات في قضية ملاحقتهم أمام المحاكم الجنائية.

خبراء في وزارة القضاء الإسرائيلية و"الكنيست" ومختلف الأجهزة الأمنية والسيادية حذروا نتنياهو من أن "التعديلات القضائية" التي تضر بمكانة ما تسمى "المحكمة العليا"، قد يسهل ملاحقة الضباط والجنود أمام المحاكم الدولية، على خلفية دعاوى ضدهم لارتكابهم جرائم حرب، نظراً لأن القانون الدولي يعتبر أن ضعف النظام القضائي في دولة ما يجعل ملاحقة المجرمين غير ممكنة.

"تضارب الأوامر"

تحديات أخرى أمام الجيش فرضتها أحوال السياسة في دولة الاحتلال، بعد الاتفاقيات الائتلافية التي توصل لها "الليكود" مع أحزاب "الصهيونية الدينية" لمنحهم صلاحيات تتعلق بعمل الجيش فيما يخص الضفة المحتلة خاصة.

يرى الأستاذ خالد عودة الله أن أحد التحديات أمام جيش الاحتلال، في هذه المرحلة، هو تضارب الأوامر في ظل هذا "التشظي" في المسؤوليات بين وزير الحرب ووزير المالية سموتريتش والأمن القومي بن غبير.

وقال: هذه إشكالية ضخمة، العلاقة بين الجيش والمؤسسات المدنية في النظم الديمقراطية تجعل المؤسسة العسكرية خارج هذه التجاذبات، فكيف عندما تكون الخلافات السياسية في داخل المؤسسة العسكرية وقد تتظهر على صيغة أوامر متناقضة؟

وعن تأثير خلافات سموتريتش وبن غبير مع المؤسسة العسكرية ووزير الجيش، يضيف: الجيش تعبير عن طبيعة المجتمع، وصول الخلافات لداخل المؤسسة العسكرية خطير لكنه قد يكون دافع للوصول إلى تسوية ما بين هذه الأطراف.

ويحذر من فكرة "نقل المعركة إلى الخارج" وهي أحد الوسائل لنقل الصراع من المجتمع إلى "الأعداء" وتصدير الأزمة لهم.

 

#نتنياهو #الشاباك #جيش الاحتلال #الموساد #الاستخبارات #شارون #السايبر #الصهيونية الدينية #سلاح الجو #آيزنكوت #الاستخبارات العسكرية #التعديلات القضائية #بن غبير #بارليف #سموتريتش #دايان #عملية عنتيبي #سيرت متكال #جيش الشعب