فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: قرار شركات الاتصالات إضافة "شاقل" على فواتير المستخدمين، لمدة 12 شهراً، بناء على "قرار بقانون" من الرئيس محمود عباس تحت عنوان "دعم صمود القدس المحتلة" انتقادات شعبية ومن قبل مختصين قانونيين اعتبروا أن هذا الإجراء القانون تجاوز للدستور.
"احتجاج شعبي"
على الصعيد الشعبي، أعلن فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي أنهم قد يتوجدهون للقضاء للطعن في القرار الذي اعتبروه مخالفاَ للقانون وللعقد الذي أبرموه مع الشركات.
محمد مشمش من قطاع غزة أعلن على حسابه في "الفيسبوك" أعلن أنه سينظم وقفة أمام مقر شركة الاتصالات التي يحصل منها على الخدمة، وأكد على أنه سيتوجه إلى القضاء لمحاكمتها بعد تنفيذ القرار.
مشمش أوضح لــ"شبكة قدس" أن نية التوجه للقضاء موجودة لكن بعد أن يجري تنفيذ القرار فعليا، وقال: بعد الخصم سأتوجه إلى الجهات القانونية المختصة لتقديم شكوى عبر النائب العام في غزة.
وعن دوافع رفض قرار الشركات، اعتبر أن الشعب الفلسطيني "لا يثق" بالجهة التي ستذهب لها هذه الأموال، وأشار إلى تجارب سابقة في صندوق وقفة عز ومستشفى خالد الحسن وغيره، حسب تعبيره، وأضاف أن "عدم قانونية" الخطوة يجعل رفضها أكبر.
ماذا يقول القانونيون؟
"استخفاف بعقول الناس واستجلاب العواطف في سياق أفعال تندرج في إطار الفساد" هكذا وصف الخبير في الشؤون القانونية والحقوقية، عصام عابدين، التعميم الذي أصدرته شركات الاتصالات للمستخدمين، يوم أمس، حول خصم "شاقل" لصالح القدس كما جاء في نص الرسالة.
عابدين وصف في لقاء مع "شبكة قدس" "القرار بأنه "استخفاف وانتقاص" من القدس المحتلة، قائلاً: أهل القدس وأنا منهم لسنا بحاجة إلى ما وصفه رئيس إحدى الشركات بأنه "أقل عملة" ولا لإحسان مزيف فيه انتهاك صارخ للدستور الفلسطيني.
وفي المجال الدستوري، أكد عابدين أن القرار مخالف للدستور الذي ينص على أن أي قانون في القضايا المالية يجب أن يصدر عن البرلمان، وقال: لا يمكن إصدار قانون فيما يخص الموازنة مثلاً أو رسوم المحاكم وغيرها أو الموازنات إلا عن جهة واحدة هي البرلمان.
ورداً على حجة "عدم وجود برلمان" التي يحتج بها مؤيدو القرارات بقانون التي أصدرها الرئيس خلال السنوات الماضية، أضاف: الحل بسيط هو في الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني، هل عدم وجود برلمان مبرر لسحق الدستور؟ الرئيس الآن في عامه التاسع عشر في الرئاسة وقد يصل إلى عامه الخامس والعشرين وهم يحتجون بذات الحجة، الحل هو في الذهاب إلى الانتخابات يختار فيها الناس ممثليهم، جيل أقل من 35 عاماً في الضفة وغزة لم يجرب الانتخاب مرة واحدة.
"حلقة مفرغة" يصف عابدين الأوضاع الفلسطينية، منذ سنوات، نتيجة ظروف مختلفة أهمها "غياب البرلمان" وهو السلطة التشريعية المناط بها إقرار القوانين وحماية مصالح الناس، "هل البرلمان ينزل بالمظلة؟" يقول رداً على المحتجين بغيابه ويدعو إلى إجراء انتخابات في أسرع وقت للخروج من المأزق.
"تقليل هيبة الدستور"
عابدين يحذر من الحط من "هيبة الدستور" الذي وصفه بأنه أحد "أعظم" الدساتير على مستوى المنطقة، قائلاً: عملت مستشاراً في البرلمان السابق وقت إعداد الدستور، وهو من أعظم الدساتير في المنطقة، لكن للأسف يجري التقليل من هيبته، لا حل من هذا المأزق القانوني والتشريعي الذي نعيش إلا باحترام الدستور، الناس هم مصدر السلطات التي من المفترض أن تستمد شرعيتها منهم، لا يحترمون الدستور.
"المادة 88" من الدستور الفلسطيني تنص على أنه يمنع أخذ مال من الناس دون قرار أو قانون من البرلمان، يؤكد عابدين، وهو يشير إلى المخالفات المتتالية التي ترتكب بحق الدستور، وقال: سواء كان هذا "الشاقل" للقدس أو للأقصى أو للكعبة أو حتى إقرار موازنات حكومية لا يجوز أن يجري دون البرلمان.
ويشير عابدين إلى ما وصفه بــ"فساد" آخر في سياق الانتهاكات للدستور، وهو إقرار الموازنة العامة دون برلمان، ويقول: كيف يجوز أن تعد الموازنة وتحدد النفقات ثم تقرها وأنت تراقب على نفسك؟ هل هناك فساد أكبر من هذا؟ لا يوجد دولة في العالم ديمقراطية أو ديكتاتورية ترتكب هذا الانتهاك.
صلاحيات الرئيس "حصرية"
ينص القانون الأساسي الفلسطيني على أن صلاحيات الرئيس "حصرية"، يضيف عابدين، وهو يشير إلى أن الدستور الذي يضم 121 مادة لا يمنح الرئيس صلاحيات سوى التي بينها القانون كما جاء في المادة "38" التي تنص على: "يمارس رئيس السلطة الوطنية مهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون".
ويوضح أن "حصرية" كانت هي فلسفة التعديل الذي أجرى على القانون الأساسي، خلال تولي الرئيس محمود عباس مهام رئاسة الحكومة، في عهد الرئيس ياسر عرفات.
وعن معضلة القرارات بقانون التي صدرت طوال السنوات الماضية وعلاقتها بالدستور، يوضح عابدين أن القرار بقانون هو "أقل من الدستور والقانون العادي" لذلك يجب أن لا يضيف صلاحيات غير موجودة في الدستور، ويضيف: لنفترض أن القرار بقانون صدر وهي يحقق الشروط لكنه يضيف صلاحيات غير موجودة في الدستور، فهذا يعني عملياً أن هذه الجهة تجري تعديلاً على الدستور.
المادة "120" من القانون الأساسي الفلسطيني تنص على: "لا تعدل أحكام هذا القانون الأساسي المعدل إلا بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني"، ويقول عابدين: عندما تضيف صلاحية على الصلاحيات الحصرية المحددة لك في نص الدستور، عن طريق القرار بقانون، إذا أنت تجري تعديلات في الدستور وهذا لا يجوز وفقاً لأحكام هذه المادة، الدستور هو أعلى قانون في البلد ويسمو على كل شيء سواء قرار بقانون أو مرسوم رئاسي أو غيره من التشريعات الأخرى.
ويتطرق عابدين إلى مسألة مركزية في جمع التبرعات وهي "الشفافية"، قائلاً: قبل سنوات أعلنت الحكومة عن خصم من رواتب الموظفين لصالح مدينة القدس، هل صدر بعدها توضيح مصدق من ديوان الرقابة يوضح حجم الأموال التي جمعت ومصارفها؟ هل هذا يجوز قانوناً؟ هذا أمر مخالف لمنطق "الشفافية" و"الحوكمة" الذي هو مقياس عالمي اليوم في كل الدول.
"استخاف بالناس وعواطفهم" يصف الخبير القانوني والحقوقي قضية عدم "الشفافية في الإعلان عن التبرعات"، ويندرج في سياق "استغلال العواطف" من خلال قضية مثل القدس في شعارات "لبيك يا قدس" وغيرها، حسب وصفه.
"قانون العاصمة"
يشير عابدين إلى "قانون العاصمة" الذي أقره المجلس التشريعي السابق، ويوضح: هذا القانون الذي أقره المجلس التشريعي في عام 2002 وينص على أنه "تخصص حصة خاصة سنويا من الموازنة العامة إلى مدينة القدس الشريف وتوضع البرامج والخطط لتشجيع الاستثمار العام والخاص فيها وتظل منطقة تطوير (1) ذات أولوية خاصة".
ويضيف: الموازنات العامة في أعوام 2003 و2004 و2005 و2006 وحتى اليوم لم تقر موازنة خاصة للقدس، كما نص هذا القانون، وأنا اتحدى أن يخرجوا لي بنص موازنة خاصة للمدينة.
ويعتبر أن الحكومات المتعاقبة لو "احترمت نص هذا القانون" لكان وضع القدس أفضل، ويضيف: نص القانون واضح وهو أن تكون القدس منطقة تطوير "أ" وتخصص لها موازنة وبرامج تطوير كاملة، لكن ما يجري هو مخالفة لنص القانون ولقانون المحافظين وقانون الموازنة العامة لعام 1998.
ورداً على أن هذه الأموال توجه لدعم القطاعات التعليمية والخدماتية في القدس، يقول عابدين: أين خطة التعليم مثلاً التي بناء عليها يجري جمع التبرعات أو أموال الناس؟ مبدأ الشفافية ينص على أن تكون كل القضايا واضحة أمام الناس، كيف يجري جمع تبرعات دون توضيح الخطة التي ستخصص لها هذه الأموال؟ أين مبدأ الرقابة الشعبية؟ ما المبرر لعدم نشر الخطط أمام الإعلام والناس؟.
"أين القرار بقانون؟"
ويطرح عابدين تساؤلاً: "أين القرار بقانون؟"، ويوضح: قبل التعميم الذي أصدرته شركات الاتصالات لإضافة "شاقل" على الفواتير، قالوا إن قراراً بقانون صدر من الرئيس بهذا الخصوص، أين نصه الرسمي؟ لماذا لم ينشر؟.
ويرى عابدين أن القرار بقانون "لن ينشر"، وعن السبب يرى: هذا تشريع لصالح القدس وهو مخالف لاتفاقية "أوسلو"، لذلك فإنهم يخافون من مخالفة "أوسلو" وتوجد "استماتة" في الدفاع عن "حرفية الاتفاقية" التي داسها العدو بأقدامه وجنازير دباباته، وإذا نشر فسيكون بطريقة احتيالية، ومن حقنا كمجتمع أن نسأل: أين القرار الذي جرى بناء عليه خصم هذه الأموال؟.
وفي ذات السياق، وجه عابدين تساؤلاً لشركات الاتصالات: كيف يجري خصم أموال من الناس دون الإعلان عن نص القرار بقانون؟ هل إعلان "فيسبوك" كافي لجمع الأموال؟.
"مخالفة لمقاصد الشريعة"
ويعتبر أن على الناس الذي تأخذ منهم الأموال "التوجه للقضاء"، ويشير إلى مادة في القانون الأساسي وهي أن "مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، ويقول: مقاصد الشريعة تقوم على حفظ النفس والدين والعقل والنسل والمال، وهذا الإجراء إهدار لأموال الناس، كما أن القاعدة الشرعية تنص على أن "درء المفاسد أولى من جلب المصالح"، لذلك فإن منع الإضرار بالدستور والناس وأموالهم ومأسسة الفساد مقدم على المصالح.
ويشير إلى قضية "الأشخاص ذوي الإعاقة" الذين ناضلوا لسنوات واعتصموا أمام المجلس التشريعي، من أجل الحصول على حقوقهم في تأمين طبي، ويقول: لماذا لا يصدر قانون يوفر لهؤلاء الناس حقوقهم في الخدمات الطبية والكرامة الإنسانية؟ أليس حفظ النفس مقدم على أي شيء آخر؟ وهذا وارد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حرمة المسلم أقدس من الكعبة.
وحول قضية أن القرار اتخذ في اجتماع مع الوزراء العرب، يرد عابدين: أي قرار حتى لو اتخذ في الأمم المتحدة وفيه مخالفة للقانون الأساسي أو الدستور يجب أن يرفض، الدول الأوروبية مثلاً لو اتخذت قراراً في بروكسل يخالف دساتيرها فلن يمر، احترام الدستور مقدم على أي اتفاق مع الدول العربية أو الأوروبية وغيرها، المادة الأولى من الدستور الألماني ينص على "حفظ الكرامة الإنسانية" هل يجرؤ أحد على مخالفة هذه المادة بحجة اتفاق مع دول أخرى؟.
ويصف عابدين هذا الإجراء بأنه يعبر عن تحالف السلطة (النفوذ) مع (الشعوذة) و(رأس المال)، ويعود للسؤال: أين القرار بقانون؟ والمحاسبة والشفافية؟ وقانون العاصمة في الموازنات؟ وأين الخطط؟.
"الانتخابات أو العصيان"
ويرى الخبير القانوني والحقوقي أن الخروج من المأزق يتطلب التوجه لعقد انتخابات تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني، أو التوجه إلى "العصيان المدني".
ويوضح: هذا حق للناس وحصل في تجارب سابقة في دول مختلفة، مثل جنوب إفريقيا في زمن نيسلون مانديلا والهند بقيادة غاندي وحركة "الحقوق المدنية" بقيادة مارتن لوثر وغيرها، وهي وسيلة قانونية ومكفولة في الدستور.
"الناس هم مصدر السلطات والسيادة"، يقول عابدين، وهو يشير إلى أن أحد الوسائل لفرض الانتخابات يجب أن يكون "الاعتصام في الساحات العامة بطريقة حضارية وقانونية والامتناع عن دفع الضرائب" حتى تحقيق المطالب الشعبية.
ويعتبر أن الأوضاع الفلسطينية على المستويات كافة ذاهبة نحو مزيد من "التدهور" في حال لم يجري معالجة القضايا من جذورها من خلال منح الناس الحق في الانتخاب واختيار ممثليهم في برلمان يكفل لهم المراقبة والمحاسبة.
"التوجه للمحكمة الدستورية"
المحامي مصطفى شتات يرى أن على المشتركين في الشركات التوجه إلى "المحكمة الدستورية" لإبطال هذا الإجراء.
ويشير إلى أن المادة "88" من القانون الأساسي الفلسطيني تنص على: فرض الضرائب العامة والرسوم، وتعديلها وإلغاؤها، لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحـد من أدائها كلها أو بعضها، في غير الأحوال المبينة في القانون.
ويؤكد شتات في لقاء مع "شبكة قدس" على أن "من حق الناس فسخ العقد مع شركات الاتصالات بعد إضافة بند ليس فيه".