شبكة قدس الإخبارية

كوخافي وجنى زكارنة.. حين يصبح القتل خيالًا هندسيًا

F210503SD18-scaled

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: طوال سنوات، طور "الجنرال الفيلسوف" كما تحب أوساط صحفية إسرائيلية تسميته، رئيس أركان جيش الاحتلال الحالي أفيف كوخافي، الذي يستعد لمغادرة منصبه قريباً بعد انتهاء ولايته، مفهوماً في القتال يقوم على حمولة نظرية فلسفية تقوم على "الإبداع"، كما يزعم، رغم أن المواجهات الأخيرة مع قوى المقاومة الفلسطينية عادت بالخيبة على الجنرال الطامح بدخول الحياة السياسية بعد نهاية مسيرته العسكرية.

المبنى الأساسي في فلسفة كوخافي القتالية يقوم على إلحاق الضرر بكل العناصر المكونة في الميدان الجغرافي، في البيئة المعادية لجيش الاحتلال، لذلك من حق الجيش وفقاً لرؤيته توجيه ضربات فتاكة نحو المجتمع والبيئة المدنية والتحتية، خلال المواجهة مع المقاومة.

ويرى كوخافي أن حركة القوات في الميدان هي الأساس في المعركة، لذلك يشرع للجنود استهداف المدنيين في المنازل وأسطح البنايات، الذين قد يكشفوا تحركات الجنود، وهذا يظهر في تركيز الإعلام الإسرائيلي على الفلسطينيين الذين يظهرون في كل اقتحام من نوافذ وأسطح منازلهم، على أنهم "مراقبون" لمجموعات المقاومة، وهذا كله في سياق واحد هو "شرعنة" الجرائم ضد المدنيين.

بينما كانت تلعب مع قطتها على سطح منزلها، في جنين، وجه قناص من جيش الاحتلال عشرات الرصاصات نحو الطفلة جنى زكارنة وأرادها قتيلة تسبح في دمها. هذا القتل الموجه والمركز لكل هدف هو التعبير الأوضح، على إسقاط التقسيمة التقليدية من تفكير جيش الاحتلال بين "مدني وعسكري"، وهي وإن كانت سياسة ثابتة منذ ما قبل قيام دولة الاحتلال، إلا أنها مع كوخافي تكتسب أبعاداً "فلسفية/ فكرية" تجعل استهداف المدنيين في البيئة المعادية مشروعة، من أجل بناء تحول مفاهيمي في بنية الجيش في حربه مع مجموعات مقاومة "أقل من جيوش كلاسيكية".

"اختراق الجدران"

"نجم" الجنرال القادم من قوات "المظليين" ارتفع في الصحافة وداخل الأروقة العسكرية بعد الفلسفة التي اعتبرها ابتكاراً حينها، في مهاجمة مخيم بلاطة والبلدة القديمة في نابلس، خلال العملية العسكرية الواسعة التي شنها جيش الاحتلال لاستئصال البنية التحتية والبشرية لمجموعات المقاومة، خلال انتفاضة الأقصى.

كوخافي دارس الفلسفة زعم حينها أن تكتيك "اختراق الجدران" الذي طبقه كان "إبداعاً" عسكرياً، وقد ساهمت هذه الدعاية في صعوده لاحقاً على أنه "مفكر مبدع" في المؤسسة العسكرية، رغم أن هذا الأسلوب العسكري استخدم سابقاً في تاريخ الحروب في أكثر من معركة.

يحاول رئيس أركان جيش الاحتلال باستمرار إعطاء أبعاد فلسفية "عميقة" لأفكاره العملياتية، ويحرص على طرح أفكار "مختلفة" كما يقول عن حركة القوات في الميدان، وينظر في أن فكرة "السير عبر الجدران" هي تطبيق لفلسفة ما بعد حداثية تعتمد "الهندسة المعكوسة".

"جيش فتاك"

هذه اللغة الفلسفية "المعقدة" يمكن اعتبارها عملية بناء غطاء "أيدولوجي" لعمليات القتل والتدمير الواسع التي نفذتها قوات العدو، في كل مناطق المواجهة مع المقاومة، وهي أحد أدواته في تحقيق "نصر" عملي واضح كما يقول بديلاً عن فكرة "النصر" الذهني، في ظل "الأزمة" التي دخلت فيها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية منذ سنوات، بعد عجزها عن انتزاع "صورة النصر" من مجموعات مقاومة تعمل وفقاً لتكتيكات "حرب العصابات"، وليست في حجم الجيوش التي قاتلت "إسرائيل" منذ حرب النكبة حتى سنوات السبعينات من القرن الماضي.

خلال مشاركته في الحملة العسكرية على نابلس، خلال عملية "السور الواقي"، اقترح كوخافي كما يقول في مقابلة معه قطع التيار الكهربائي والماء عن السكان، لفرض عقوبات جماعية عليهم تدفعهم نحو الانفكاك عن مجموعات المقاومة، في سياق فلسفته التي تعتمد على معاقبة كل المحيط المعادي لـ"إسرائيل".

"الجيش الفتاك" الذي طالما تحدث عنه كوخافي ظهرت آثار فلسفة الأخير الإجرامية في الدمار الواسع الذي ألحقه جيش الاحتلال، في غزة، خلال معركتي "سيف القدس" و"وحدة الساحات" خلال أيام فقط، هذا التدمير والاستهداف الممنهج للمدنيين عبَر عنه رئيس الأركان في التهديد المباشر الذي وجهه للمدنيين في جنوب لبنان وقطاع غزة، خلال تصريحات له قبل شهور، حول "الثمن الباهظ" الذي ستتلقاه هذه المجتمعات في أية حرب مقبلة.

"تفسير الفضاء بصورة مختلفة"

يتحدث كوخافي في المقابلات معه عن تفسيرات "مختلفة" للميدان، تجعل حركة الجنود عبر البنايات بعيداً عن الدروب الكلاسيكية في الحركة، واستهداف المدنيين الذين اعتادوا مشاهدة الاقتحامات عبر البيوت والسطوح، فكرة "إبداعية" تقلب الطاولة على العدو.

"فلسفة" كوخافي حول التعامل مع الميدان والسير فيه بطريقة قتالية مختلفة، حسب مزاعمه، تسمح للجنود باستهداف المحيط المدني في موقع القتال، لذلك يجري التركيز في كل اقتحام لمدن وبلدات الضفة، على نشر القناصة على أسطح البنايات السكنية واستهداف كل شيء يتحرك حتى ممن لا يحملون السلاح.

هذه "الألعاب اللغوية/ الفلسفية" التي يحترفها كوخافي حتى حين وصفه مجموعات المقاومة بـ"جيوش الإرهاب" بدلاً من "مجموعات إرهاب"، كما قال في خطاب سابق له، هي تعبير ربما عن أزمة جيش الاحتلال في التعامل مع الواقع المعقد الذي خلقه عدم قدرته على "الحسم" أمام مجموعات المقاومة، خاصة في لبنان وغزة.

هذا التوصيف لمجموعات المقاومة، خاصة في غزة ولبنان، ينطلق أساساً من شرعنة استهداف البيئة الجغرافية الاجتماعية التي تتمركز فيها وتنشط بقوة "صاعقة"، تلحقه بها أضراراً بشرية ونفسية هائلة تقرَب جيش الاحتلال من النصر، كما يدعي.

الميزة الأساسية في مجموعات المقاومة هي في تحللها من مراكز "القوى" الكبيرة والرئيسية، التي تجعل استهدافها يحسم المعركة، لذلك فإن هذه المحاولات لإجراء تغييرات مفاهيمية في البنية الفكرية لجيش الاحتلال، ربما يمكن فهمها في سياق محاولة التغلب على هذا "الاستعصاء" الذي فاقم منه تراجع قدرات القوات البرية، حتى تحولت إلى "جهاز شرطة" يلاحق راشقي الحجارة ومطلقي النار، كما يؤكد صحفيون ومحللون إسرائيليون في سياق انتقاداتهم للمؤسسة العسكرية.

رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، غادي آيزنكوت، وضع ضمن فلسفة العمليات العسكرية فكرة مراعاة مسألة "الشرعية الدولية"، لكن كوخافي يتعامل بصيغة مختلفة مع مسائل القانون والأخلاق العسكرية، إذ يرى أن استهداف مواقع في المناطق المأهولة بالسكان يخضع لمبدأ "قيمة الهدف" من ناحية العسكرية قياساً ب"الآثار الجانبية" أي ضحايا الاستهداف.

الأفكار "الإبداعية" التي بشَر بها كوخافي اصطدمت كثيراً بالواقع، وفي معركة "سيف القدس" نجحت المقاومة من خلال جهود استخباراتية كبيرة في إفشال مخطط "مترو الأنفاق" الذي كان من "إبداعات" كوخافي، وأراد أن يلحق مجزرة بالمقاومة، وفي نهايات عهده شهدت الضفة المحتلة عهداً جديداً مع عودة المقاومة المسلحة إلى صدارة الأحداث.

#كوخافي #جيش - الاحتلال #جنى - زكارنة