شبكة قدس الإخبارية

قراءة في نتائج انتخابات "الكنيست" ومآلات تشكيل الائتلاف الحكومي

311946699_2078744545656438_1595591170861693500_n
أحمد الطناني

وضعت انتخابات الكنيست الـ25 في دولة الاحتلال أثقالها، بعد معركة ألقت فيها كل مكونات المشهد السياسي الصهيوني ثقلها لتحقيق انتصار يُخرج الكيان من أزمته الداخلية المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات بلا ائتلاف حكومي مستقر.
انتهى مساء الخميس، فرز جميع الأصوات في انتخابات الاحتلال، حيث حسمت النتيجة حصول معسكر رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو، على أغلبية واضحة في الكنيست (البرلمان) بـ64 مقعداً من أصل 120 مقعدا.
ووفقاً للنتائج فقد حصل حزب “الليكود” بقيادة نتنياهو على 32 مقعدا، و”الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير على 14 مقعدا، وحزب “شاس” على 11 مقعدا، وحزب “يهودوت هتوراه” على 7 مقاعد.
بالمقابل، وفي المعسكر المعارض حصل حزب “هناك مستقبل- يش عتيد” برئاسة رئيس الحكومة يائير لابيد على 24 مقعدا، وحزب “معسكر الدولة” برئاسة وزير الجيش بيني غانتس على 12 مقعدا، و”إسرائيل بيتنا” برئاسة وزير المالية أفيغدور ليبرمان على 6 مقاعد، وحزب “العمل” على 4 مقاعد.
كما حصلت “القائمة العربية الموحدة” برئاسة منصور عباس على 5 مقاعد، وتحالف “الجبهة الديمقراطية” و”القائمة العربية للتغيير” برئاسة أيمن عودة وأحمد الطيبي على 5 مقاعد.
في ما لم يتمكن كلاً من حزب “ميرتس” اليساري والتجمع الوطني الديمقراطي من تجاوز نسبة الحسم والحصول على مقاعد في "الكنيست".
جنوح قديم- جديد نحو اليمين المتطرف
في واقع الأمر، لا تُعد النتيجة صادمة من حيث توجهات الجمهور نحو دعم اليمين الديني المتطرف في كيان الاحتلال، والذي تمثّل بالشكل الأكثر وضوحاً في الزيادة الجليّة في عدد مقاعد قائمة “الصهيونية الدينية” (14 مقعد) مقارنة بما حصلت عليه بالانتخابات السابقة (6 مقاعد)، لأنّ القاعدة الجماهيرية اليمينية الدينية المؤيدة للإستيطان والمنخرطة في الجيش، هي ذات القاعدة الجماهيرية، إلا أنّ جزءاً أساسياً من أصواتها كان يصبّ لصالح حزب “يمينا” بقيادة نفتالي بينيت، الذي اختار التحالف مع يائير لابيد وغانتس لإقصاء نتنياهو من سدة الحكم بدورة الكنيست السابقة، وبعد انهيار الائتلاف الحكومي قرر اعتزال الحياة السياسية.
كانت حصة حزب “يمينا” في مقاعد الكنيست السابق، “الكنيست الـ24” (7 مقاعد) ذهب جمهورها في الغالب إلى من غطّى مساحة خطاب اليمين الديني الإستيطاني، “الصهيونية الدينية” بقيادة سموتريتش وبن غفير، بالإضافة لمقعد خسره حزب “إسرائيل بيتنا” بقيادة أفيغدور ليبرمان لصالح الصهيونية الدينية أيضا، مضافاً إليه الجمهور اليميني الذي كان يصوّت لصالح حزب “أمل جديد” بقيادة جدعون ساعر الذي شكّل مع غانتس وايزنكوت حزب “معسكر الدولة”، وبالتالي لم يعد يرى الجمهور اليميني في هذا الحزب تعبيراً عن توجهاته وافكاره.
في واقع الأمر لم تتغير الكتلة الجماهيرية لليمين الصهيوني المتطرف، إلا أنّه قد أُعيد توزيعها بما يضمن الوصول لهذه النتيجة، وهي عملية حرص حزب “الليكود” ورئيسه بنيامين نتنياهو على أن تخلوَ من أي أخطاء لضمان تحقيق أغلبية يمينية مرتاحة.
“المزاحمة الذاتية” في معسكر الوسط ويسار الوسط والفشل في إدارة الانقسام
على المقلب الآخر، فشل المعسكر المعارض، الذي يُحسب في جزء منه على معسكر “الوسط” و”يسار الوسط” في إدارة خلافاته وانقساماته بذات الذكاء الذي حرص نتنياهو بشكل مباشر على إدارته وترتيبه في المعسكر اليميني.
حيث سادت “المزاحمة الذاتية” هذا المعسكر، إذ نافس يائير لابيد أحزاب اليسار ويسار الوسط على جمهورهم حيث بيّنت النتائج تقدماً لحزب “يش عتيد” على حساب حزبي “العمل” و”ميرتس” في المدن المركزية الأعلى تصويتاً لهم مثل تل ابيب ورمات جان، إذ عزّز لابيد مركزه بأكثر من 10%، على حساب الأحزاب الأخرى في كتلة يسار الوسط، وتراجع حزب “العمل” من 14.76% إلى 9.28%، وحزب “ميرتس” من 13.99% إلى 10.97%.
كما تنافس “ميرتس” والأحزاب العربية على ذات الجمهور وسط استقطاب عربي حاد أدى إلى انخفاض في حصته من أصواتهم، على سبيل المثال مدينة الناصرة وهي كبرى المدن العربية في الداخل المحتل، “ميرتس” الذي حصل على ما يقرب من 4% في الانتخابات السابقة، هذه المرة حصل على 1.68% أي أقل من النصف لصالح الأحزاب العربية المتنافسة، التي نجحت في حصد أصوات أكثر من 91% من مُصوّتي المدينة مقابل 88% في الانتخابات السابقة.
هذه النماذج وغيرها من التنافس الداخلي بين كتل ذات المعسكر، سبقه انقسامات وعدم النجاح في جسْر هوة الخلافات التي لم تكن بغالبها برامجية بقدر ما هي خلافات تفصيلية على ترتيب المقاعد وإدارة التمثيل في الكنيست والحكومة المستقبلية، فلم ينجح حزبي “العمل” و”ميرتس” في الوصول إلى صيغة توافق لخوض الانتخابات مجتمعين، وهو ما نتج عنه خسارة عدد كبير من المقاعد في تشتيت الأصوات التي حصدها “ميرتس” دون أن يتمكن من تخطي نسبة الحسم لأول مرة منذ تأسيسه بالعام 1992.
هذا الانقسام ذاته حصل في “القائمة المشتركة”، التي لم تتمكن من الوصول ليوم الانتخابات بقائمة موحدة، أدت إلى مشاركة حزب “التجمع” بقيادة سامي أبو شحادة بقائمة منفردة عن “القائمة المشتركة”، إضافة لـ”القائمة العربية الموحدة” بقيادة منصور عباس، صحيح أنّ هذه المشاركة رفعت من حدة الاستقطاب في صفوف الناخبين العرب من فلسطينيي الداخل المحتل، إلا أنّها في ذات الوقت حرمت القائمة المشتركة من تمثيل أعلى في عدد المقاعد، كان قد وصل إلى 15 مقعداً في العام 2020، انخفض إلى 5 مقاعد لـ”المشتركة”، و5 مقاعد لـ”الموحدة”، وعدم نجاح “التجمع” في تخطي نسبة الحسم، صحيح أنّ لابيد لعب دوراً في تعزيز الانقسام العربي، لإقصاء التجمع خارج المشهد لضمان أصوات “المشتركة” له في حال نجح في حصد أغلبية متواضعة في الكنيست، إلا أنّ السحر انقلب على الساحر وبالرغم عدم تمكن التجمع من تجاوز الحسم، إلا أنّه استطاع أن يؤثّر على حصص الآخرين، بما فيهم “ميرتس” الذي لو تمكن من تجاوز نسبة الحسم لاختلفت كل المعادلة والأمر سيان بالنسبة لـ”التجمع”.
هذه الانقسامات، لم ينجح لابيد الذي قدّم نفسه كقائد لمعسكر “الوسط- يسار الوسط”، في منعها على غرار الدور الذي لعبه نتنياهو في المعسكر اليميني، الذي منع انقسام قائمة “الصهيونية الدينية” ونجح في جسْر هوة الخلاف بين سموتريتش وبن غفير.
بطبيعة الحال، هذه الانقسامات وهذا الاستقطاب بين الأحزاب المتنافسة نجحا في رفع نسبة التصويت في الكيان حيث شارك قرابة خمسة ملايين في انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين، التي سجلت أعلى نسبة مشاركة منذ عام 1999، وهو ما انعكس على تقدُّم معسكر اليمين الذي أدار معركته بذكاء وحنكة أعلى من المعسكر المقابل على اختلافاته.
حكومة يمينة بائتلاف متجانس، ولكن؟
صحيح أنّ نتنياهو يحظى الآن بكتلة يمينية متجانسة ومتماسكة، إلا أنّها ليست بيئة مستقرة ومتناسقة في الأهداف والطموحات، وفي التفاصيل هناك الكثير من القضايا المتفجرة، التي تحملها البرامج المختلفة لمكونات الكتلة اليمينية صاحبة الأغلبية في الكنيست الحالي.
في غالب الأمر، سيشكّل نتنياهو حكومته السادسة وستتمتع بأغلبية مطلقة، إلا أنّ مدى استقرارها يرجع لإمكانية إدارة الخلافات داخل الائتلاف حيث لخصت الكاتبة العبرية موران أزولاي في مقال لها على صحيفة “يديعوت أحرونوت” مجموعة من العناوين التي يمكن أن تتحول إلى أزمات داخل ائتلاف نتنياهو الحاكم، حيث ركز المقال على التالي:
• إصرار بن غفير على اقتحام المستوطنين المسجد الأقصى والسماح لهم بالصلاة هناك، حيث يرى الحريديم في ذلك تدنيساً للهيكل المزعوم وأنّ بن غفير يتصرف بما يخالف رأي معظم كبار الحاخامات في هذه القضية، حيث سيُقابل إصرار بن غفير على هذا الطرح بهجمات من شاس ويهدوت هتوراة خاصة وإن كان هذا النهج في ظل وضع أمني متفجر.
• البؤر الإستيطانية والبناء في المستوطنات، ستشكّل قضية التوسع الإستيطاني عنواناً للخلاف فبالرغم من يمينية نتنياهو وانحيازه لصالح التوسع الإستيطاني رغم وعوده مؤخراً بتنظيم “إستيطان الفتيان” وهو اللقب الذي يُطلق على البؤر الإستيطانية في الضفة الغربية، إلا أنّ نتنياهو لم يسبق أن نفّذ هذا الوعد في ولايته السابقة، بسبب حساسية هذا الطرح وحجم الجدل بشأنه إضافة لأنّه قد يثير غضباً دوليا، لكن في الحكومة اليمينية الناشئة -التي تثير بالفعل انتقادات دولية حذرة بعد انضمام بن غفير المتوقع إليها– ليس من الواضح ما هو مقدار مساحة المناورة التي ستكون لنتنياهو، خصوصاً وأنّ سقف “الصهيونية الدينية” و”عوتسما يهوديت” أعلى بكثير من سقف نتنياهو بما يخص التوسع الإستيطاني وشرعنته.
• الإصلاحات بعيدة المدى التي يروّج لها بتسلئيل سموتريش وبن غفير في النظام القضائي: رئيس الصهيونية الدينية أعلن قبل الانتخابات عن خطة واسعة دعا فيها أيضاً إلى إلغاء جريمة الاحتيال وخيانة الأمانة –بطريقة قال إنّها لن تؤثّر على محاكمة نتنياهو– ولكن من ناحية أخرى، طالب بن غفير نفسه بسن قانون فرنسي بأثر رجعي، قانون من شأنه أن يؤدي بالفعل إلى إلغاء المحاكمة، لقد عارض سموتريتش هذه المبادرة من شريكه، لكن في الوقت الحالي يرفض حزب الليكود خطته بسبب التأثير المباشر على نتنياهو، الذي يريد منع المبادرات المتعلقة بمحاكمته وذكر أنّه يريدها أن تستمر.
• السياسة المتوازنة لنتنياهو بشأن القضايا الأمنية مقابل طموحات شركائه: في خطابه ليلة الانتخابات حاول نتنياهو التعبير عن اعتدال كبير، حيث أكد أنّه سيقود سياسة متوازنة بشأن القضايا الأمنية وأنّ إسرائيل “لن تدخل في مغامرات غير ضرورية”، وأنّ حكومته “ستتصرف بدافع الاهتمام الحقيقي والمسؤولية عن كل جندي ومواطن عن كل أم وأب يأتمننا على أبنائه”، لكن في الخلفية هناك سموتريتش في الخلفية تتجه عيناه إلى وزارة الجيش، وبن غفير الذي تتجه عيناه بإتجاه وزارة الأمن الداخلي!.
على الرغم من الخلافات التي قد تلقي بظلالها على الحكومة المستقبلية، سيسعى نتنياهو إلى استكمال تشكيلها في أسرع وقت ممكن وفعلياً قد بدأ في المحادثات الأولى في طريق تشكيل الحكومة. وهدفه هو محاولة تشكيل حكومة بحلول أداء القسم للكنيست في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، وجعلها تؤدي القَسَم في نفس اليوم. ولكن بسبب المطالب الكبيرة للشركاء، فإنّ فرصة النجاح في تشكيلها في هذه المدة ضئيلة.
كخلاصة: نجح نتنياهو في حصد انتصار طال انتظاره، وسط عدم استقرار استمر أكثر من ثلاث سنوات ونصف في كيان الاحتلال، ولم يكن نجاحاً عاديا، بل حقّق فيه كتلة يمينية مستقرة، ونجح في إقصاء اليسار الصهيوني المتمثل في حزب “ميرتس” إلى خارج الكنيست لأول مرة بتاريخه، وترك آثاراً في خصومه لن يكون من السهل معالجتها، في الوقت الذي سيحظى هو فيه بائتلاف حكومي متماسك إلى حد ما.
الخلافات المتوقعة داخل الائتلاف الحكومي لن تشكّل عقبة أمام دهاء وحنكة وبراغماتية نتنياهو في التعامل مع القضايا المتفجرة، وحتى في التدخل بالشأن الداخلي لحلفائه كما خصومه، فمن المرجح أن لا يمرر نتنياهو وجود بن غفير كقوة بحجم كتلة “الصهيونية الدينية” وسيُسهل عملية الانفصال بينه وبين رئيس الكتلة سموتريتش الذي يختلف مع بن غفير في عدد من العناوين ولولا تدخل نتنياهو لخاض كلاً منهما الانتخابات بقائمة منفصلة، ولما حصد اليمين هذا النصر الذهبي.
لن يقبل نتنياهو أن يبقى رهينة لأي طرف داخل ائتلافه الحكومي، وسيعمل على فكفكة العقد والمشاكل شيئاً فشيئاً مع حفاظه على استقرار ائتلافه الحكومي، وفي سياساته القادمة سيوازن ما بين إرضاء طموحات حلفائه، وحفاظه على خطه السياسي اليميني.

#الكنيست