رام الله - خاص قدس الإخبارية: يستمر المحامون في خطواتهم التصعيدية احتجاجًا على القرارات بقانون التي أصدرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبتنسيب من رئيس مجلس القضاء الأعلى عيسى أبو شرار، كانت آخر خطواتهم اعتصامٌ مركزي ومبيت أمام محكمة رام الله، وإضراب مستمر عن العمل، ومساندة قضاة في المحكمة العليا لخطوات النقابة.
مؤخرًا، عقد اجتماع المجلس التنسيقي لقطاع العدالة الذي يضم كلًا من رئيس مجلس القضاء الأعلى كرئيس للمجلس، والمستشار القانوني للرئيس الفلسطيني، ووزير العدل، والنائب العام، والشرطة، ونقابة المحامين، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وقد أصدر المجلس بيانًا قال فيه إن نقيب المحامين تحفظ على توصيات المجلس بخصوص نشر القرارات بقانون المعدلة لقانون النفاذ وقانون أصول المحاكمات المدنية، مع موافقته على وقف نفاذ القرار بقانون المعدل قانون الإجراءات الجزائية، فيما وافق بقية الأعضاء على جميع التوصيات.
من جانبها، أصدرت نقابة المحامين بيانًا حملت فيه المسؤولية "التاريخية والوطنية للمجلس التنسيقي لقطاع العدالة عما ستؤول إليها الأمور نتيجة فشل جلسة الحوار"، وأعلنت عن مزيدٍ من خطواتها الاحتجاجية وصولًا إلى الخطوة غير المسبوقة المتمثلة في نقلٍ جماعي وطوعي للمحامين إلى سجلات غير المزاولين آخر شهر يوليو\ تموز الحالي.
تراشق المسؤوليات بين النقابة والمجلس التنسيقي، واستمرار إضراب المحامين وتعطل سير المحاكم، والوضوح الكامل في بيان كلا الطرفين أن القرارات بقانون هي مفجر الأزمة، يقود بالسؤال إلى من المسؤول عن وصول الحال القضائي وقطاع العدالة إلى ما آل إليه اليوم من تعطلٍ في العمل؟.
أبو شرار.. إما الاستقالة أو نفاذ القرارات بقانون
تشير مصادر مطلعة لـ شبكة قدس إلى أن رئيس مجلس القضاء الأعلى أبو شرار رفض الرد على ملاحظات نقابة المحامين التي كانت قد بعثت بها لمكتب الرئيس، وهو ما لاقى استياء لدى الجهات القانونية في مكتب الرئيس كونها هي من تواصلت معه بهدف التعليق على الملاحظات. بالإضافة لرفض رئيس الوزراء محمد اشتية التدخل بالقضية تحت ذريعة أنه لا يريد إقحام نفسه بالقضايا القضائية والقانونية حفاظا على استقلال القضاء وعدم رغبته بالدخول في أزمة مع أبو شرار.
وتوضح المصادر أن بداية الأزمة بدأت بعد اجتماع عقد في 30 مايو الماضي بين نقابة المحامين وأبو شرار، حيث تم الاتفاق على أن يطلب من الرئيس تجميد نفاذ القرارات بقانون حتى 1 أيلول القادم، وذلك بصفته رئيسا للمجلس التنسيقي لقطاع العدالة، وهو المجلس الذي كان قد أشار الرئيس عباس في وقت سابق أن ما يصدر عنه معتمد بالنسبة له.
وتقول المصادر إن اختيار موعد 1 أيلول كان بهدف منح المحامين فرصة تقديم مذكرات احتجاج قانونية، وقد تم تقديم عدد من الملاحظات على القرارات بقانون بعد اجتماع مايو، لكن المفاجأة كانت أن أبو شرار رفض كل الملاحظات ولم يقبل بها أو حتى مناقشتها. وعلى العكس تماما، قام بإبلاغ رؤساء المحاكم بأنه يتوجب عليهم البدء في تطبيق ما ورد في القرارات بقانون.
وتشير المصادر إلى أن رئيس مجلس القضاء الأعلى أبو شرار هدد بالاستقالة بعدما طلبت جهات قانونية في مكتب الرئيس منه ردا على ملاحظات نقابة المحامين أو تأجيل نفاذ القرارات إلى 1 أيلول ليتسنى للمجلس التنسيقي نقاشها، وقال إنه يرفض مناقشة كل ما يتعلق بهذه القرارات.
عودةٌ إلى الوراء: تعديل قانون السلطة القضائية
حول ذلك، يقول مسؤول الشؤون السياساتية والقانونية في مركز مساواة إبراهيم برغوثي إن السلطة التنفيذية هي المتسبب الأول فيما يحدث، وذلك بانتهاكها استقلالية السلطة القضائية وحياديتها منذ عام 2019، حين أقدمت السلطة التنفيذية على تشكيل مجلس قضاء انتقالي وتعديل قانون السلطة القضائية على نحو يجزِئ تبعيتها للسلطة التنفيذية، وينشئ إدارة قضائية تُعيَّن من قبل الرئيس وما تبع ذلك من العديد من القرارات بقانون.
ويضيف البرغوثي في حديثه لـ "شبكة قدس"، أن جهات العدالة الحكومية الممثلة في المجلس التنسيقي، والذي تشكل بموجب مرسومٍ رئاسي، هي من تتحمل مسؤولية الأزمة الحالية أيضًا، وذلك بعد موافقتهم على رؤية مجلس القضاء الأعلى، بما فيهم الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان التي كان لها مواقف سابقة أوضحت فيها خطورة القرارات بقانون.
ويشير البرغوثي أن نقابة المحامين بقيت وحيدة في مواجهة سائر أعضاء المجلس، وذلك بعد تحفظها على بندين من أصل ثلاثة بحثها المجلس، ووافق عليها بقية الأعضاء، موضحًا، "لم يستجيبوا أو يتعاملوا بجدية مع ملاحظات نقابة المحامين على القرارات بقانون التفصيلية والتي تبين أوجه الخلل فيها، وبالتالي المسؤولية تتحملها السلطة التنفيذية وإفرازاتها والمجلس التنسيقي أحد إفرازات السلطة التنفيذية."
وبحسب الخبير في الشأن القانوني، فإن ما تلا تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى عيسى أبو شرار من قبل الرئيس من قرارات بقوانين تتعلق بالشأن القضائي والمحاكم الإدارية، لا تقلُ خطورة عن القرارات بقانون التي تحتج عليها نقابة المحامين، بل هي ضمن سلسلة من القرارات التي طالت الشأن القضائي منظومة العدالة على نحو لم يسبق له مثيل.
وشدد البرغوثي على أن مركز مساواة يرى "بضرورة إلغاء هذه القرارات بقوانين بالمطلق وليس تجميدها أو تعديلها، حيث لا يوجد في القانون الدستوري ما يسمى التجميد أو وقف النفاذ، بل إن القانون الأساسي والمادة الدستورية، تعرِفُ الإلغاء والتعديل، إما الحذف أو الإضافة، أو الإبقاء."
مجلس القضاء الأعلى: تدخلٌ في غير صلاحياته
المحامي والقاضي السابق أحمد الظاهر يرى أن الاستمرار في إصدار القرارات بقانون قبل سماع الرأي الآخر وسماع الاقتراحات حولها وإجراء التعديلات اللازمة عليها قبل نشرها وسريانها، هو ما قاد الحالَ إلى الأزمة القانونية الحالية، مضيفًا، "في ظل غياب المجلس التشريعي، كان من الأفضل أن تطرح القرارات بقانون للنقاش مع الفئات ذات الصلة، ويجب الاستماع لجميع الآراء ذات الصلة وعلى رأسها نقابة المحامين ثم الإقرار بصلاحية نفاذها من عدمه."
ويستنكر الظاهر في حديثه لـ "شبكة قدس" سرعة إصدار القرارات بقانون، بقوله: "إن التعديلات على القوانين، تصدر عن المجلس التشريعي بالقراءة الأولى والثانية والثالثة، بينما لا نرى القرارات بقانون الحالية إلا ونشرت في يومٍ واحد، دون طرحها للنقاش ودون معرفة الجهة التي قامت بتنسيبها، وحتى القول إنها طرحت للنقاش فإن ذلك يعني النقاش مع فئة قليلة تطمح في إصدار هذه القوانين لأهداف معينة، أما اللاعبون الأساسيون الذين تهمهم القوانين مغيبون ومستبعدون".
وبينما تنص ديباجة بعض القوانين على أنها صدرت بتنسيب من مجلس القضاء الأعلى، فإن المجلس، وفقًا للقاضي السابق، يكون قد خرج عن استقلاليته ووضع نفسه بموضع المشرع، فهو جهة تنفيذ وتطبيق للقوانين لا لإصدارها او التنسيب بها.
ويوضح الظاهر: "من الغريب جدًا في أي دولة أن ينسب الجهاز القضائي القوانين لإصدارها، وبحسب الدستور، لا يملك مجلس القضاء إلا تنسيب تعديل قانون السلطة القضائية فقط، أما أن يزج باسم مجلس القضاء الاعلى في تنسيب قرارات بقوانين تتعلق بالرسوم وغيرها، ذلك يشوّه منظومة العدالة ويضع الجهاز القضائي بصورة عدم الحيادية أو الاستقلالية".