رام الله - خاص قدس الإخبارية: تعتبر سياسة العصا والجزرة أحد الأساليب الاقتصادية التي لجأ لها الاستعمار على مدار التاريخ لقمع الشعوب وثنيها عن المقاومة، حيث شهد التاريخ على استخدام هذه السياسة في أكثر من مكان لعل أبرزها فيتنام في حربها مع الولايات المتحدة.
أما فلسطينياً فبرزت هذه السياسة بشكل جلي وواضح مع مطلع الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" عام 1987 حينما كان يلجأ الاحتلال لأساليب اقتصادية تستهدف ثني الفلسطينيين عن ثورتهم ومحاولة تحويل نضالهم إلى مكاسب اقتصادية بحتة.
ومع توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 وإنشاء جسم السلطة الفلسطينية، أخذت هذه السياسة شكلاً مختلفاً يحمل مسمى "التسهيلات" وتقوم في صلبها على منع وقوع العمليات الفدائية مقابل تسهيلات اقتصادية ومعيشية كانت سابقاً موجودة بالأساس.
ويستغل الاحتلال تحكمه في مختلف مناحى الحياة بالذات الاقتصادية لتقديم بعض التحسينات في ملفات منها السجل المدني أو العمل داخل الأراضي المحتلة أو تسهيلات متعلقة بالمعابر التجارية، أو أموال المقاصة التي تجبى لصالح السلطة.
وعادة ما كان الاحتلال يتبع هذه السياسة في الأوقات التي تتعرض فيها منظومته الأمنية لضربات نوعية من المقاومة الفلسطينية، حيث يسير الاحتلال في مسارين أولهما أمني يشمل اعتقالات واغتيالات وآخر متعلق بتسهيلات اقتصادية.
وبرز هذا الأمر حين تم اغتيال المهندس يحيى عياش أحد أبرز المهندسين في تاريخ المقاومة الفلسطينية، وما صاحبها من عمليات أطلق عليها في حينه عمليات "الثأر المقدس"، حيث لجأ الاحتلال لسياسة "العصا والجزرة" مستخدماً التنسيق الأمني كاستراتيجية تلتزم بها السلطة للقيام بعمليات اعتقال في المقابل تنفيذ تسهيلات متعلقة بالعمل داخل الأراضي المحتلة وتقديم تسهيلات خاصة بالسلطة.
وظل المشهد يراوح مكانه حتى حلول انتفاضة الأقصى عام 2000 والتي شهدت عودة عمليات المقاومة الفلسطينية بقوة غير مسبوقة، حيث كانت عمليات تفجير الباصات التي نفذتها الأذرع العسكرية للمقاومة بمختلف تشكيلاتها بما يضم سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام وأبو علي مصطفى مع بقية القوى الأخرى للمقاومة.
وخلال هذه الانتفاضة ركز الاحتلال على عمليات الاغتيال كوسيلة ضغط أساسية على الفصائل الفلسطينية حيث دفعت الفصائل فيها فقدان الصف الأول من مختلف القيادات بها، عدا عن عمليات الاعتقال المتتالية ضمن سياسة يطلق عليها "جز العشب"، في الوقت الذي تم التضييق على الفلسطينيين فيه اقتصادياً ووقف التسهيلات وتقليص العاملين داخل الأراضي المحتلة كما حصل مع قطاع غزة الذي تم إيقاف جميع العمال منذ انطلاق الانتفاضة.
وبنهاية عام 2005 ومع وصول الرئيس محمود عباس إلى سدة الحكم عمد الاحتلال إلى إعادة سياسة التسهيلات الاقتصادية المقدمة للفلسطينيين تحت بند "إجراءات إعادة بناء الثقة" والتي حملت أشكالاً متعددة مثل لم الشمل أو العمل داخل الأراضي المحتلة أو التصاريح الخاصة بالشخصيات الفلسطينية إلى جانب إطلاق سراح بعض الأسرى في مرحلة لاحقة أو تسليم جثامين شهداء محتجزة، غير أن هذه التسهيلات لم تكتمل وتوقفت في مرحلة متقدمة.
ومع حدوث الانقسام الفلسطيني الداخلي، وانقسام التمثيل السياسي الفلسطيني لجأ الاحتلال إلى أسلوب جديد يعتمد على فرض واقع مختلف في كل بقعة جغرافية ففي الوقت الذي عمد فيه على تقديم تسهيلات اقتصادية في الضفة الغربية المحتلة، لجأ الاحتلال إلى أسلوب "الخطوط الحمراء" في غزة والذي يعتمد على خطة عسكرية وحكومية تحدد عدد السعرات الحرارية الخاصة بالسكان من أجل بقائهم على قيد الحياة، والتي كشف عنها عام 2010.
ومع تطور المقاومة الفلسطينية بشكل نوعي في القطاع، أخذت هذه السياسة أشكالاً عدة لعل أبرزها كان بعد أن نجحت المقاومة في قصف تل أبيب والقدس لأول مرة عام 2012 قبل أن تكررها عام 2014، حيث بدأ وزراء الاحتلال يقدمون خططاً اقتصادية تقوم على إنعاش القطاع اقتصادياً وتنجب الحرب معه بهدف الضغط على المقاومة شعبياً ومنعها من التطور عسكرياً.
وجاءت معركة سيف القدس لتنسف جزءاً من هذه المعادلة حينما كانت تقديرات الاحتلال حتى اللحظة الأخيرة للمعركة تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية لن تضحى بالتسهيلات المقدمة مقابل الدخول في مواجهة، وهو ما نفته الضرب الأولى التي وجهت للقدس بصواريخ المقاومة واستهداف الجيب العسكري شمال القطاع بصاروخ موجه.
وفي سياق الحديث عن "الأمن مقابل الاقتصاد" أو "العصا مقابل الجزرة" يعتبر المختص في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة أن هذه السياسة فشلت فلسطينياً على مدار تاريخ الاحتلال استخدامها سواء في الضفة الغربية المحتلة أو قطاع غزة.
ويقول جعارة لـ "شبكة قدس" إن المقاومة الفلسطينية في غزة وجهت صواريخها تجاه المدن المحتلة عام 1948 غير مكترثة بالتسهيلات، وفي الضفة المحتلة تشهد حالة مقاومة متصاعدة منذ بداية العام وهو ما يتضح في عدد العمليات والشهداء الكبير.
ويشير إلى فارق الإمكانيات الذي يمتلكه الفلسطينيون في الضفة المحتلة مقارنة بقطاع غزة الذي يمتلك ترسانة عسكرية مختلفة تماماً، غير أن كلا البقعتين الجغرافيتين أكد أن هذه التسهيلات لن تنجح في وقف المقاومة أو ضمان الأمن.