القدس المحتلة - خاص شبكة قُدس: بعد انقضاء شهرِ رمضان، المليء بالاقتحامات للمسجد الأقصى، ومحاصرة المصلين ووقوع مئات الإصابات في صفوفهم، تتجه الأنظار إلى المسجد الأقصى المبارك يوم غدٍ الخميس 5 أيار\ مايو 2022، في ذكرى ما يسمى "عيد الاستقلال" اليهودي، أي النكبة الفلسطينية، وفيه يحشد المستوطنون أنفسهم لاقتحام المسجد الأقصى وممارسة طقوس العيد في باحاته.
اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى في "عيد الاستقلال" ليس بالشيء المستحدث هذا العام، إذ لطالما سجل التاريخ اقتحامات للمستوطنين في مثل هذه الأعياد، وسط تأمين من قوات الاحتلال منعًا من حدوث مواجهات مع الفلسطينيين أصحاب الأرض والمسجد، إلا أن الجديد هذا العام، هو السياق الذي تأتي فيه هذه الدعوات الضخمة بين صفوف المستوطنين في الاقتحامات، وقد سجل رمضان المنصرم أعلى نسبة اقتحامات استيطانية للمسجد الأقصى، فضلًا عن إعلان قوات الاحتلال رسميًا تأمين الاقتحام بعدما رفضت تأمين مسيرة الأعلام الأخيرة قبل أسبوعين أمام تهديدات المقاومة، إضافة إلى خطاب حركة حماس الأخير شديد اللهجة – وفق محللين- والذي شدد على معادلة غزة – القدس.
محاولة استعادة حكومة الاحتلال هيبتها
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي يؤكد أن مشروع تهويد المسجد الأقصى المبارك، وفرض السيطرة عليه من قبل سلطات الاحتلال هو مشروع محوري أساسي بالنسبة للاحتلال، ولا يمكن أن يتنازل عنه بسهولة، بل وضعه على رأس أولوياته ودعم هذا المشروع لكي يستمر.
ويوضح الهدمي في حديثه لـ "شبكة قدس"، أن هدف الاحتلال المنشود هو بناء الهيكل الأسطوري مكان المسجد الأقصى المبارك، وهناك جمعيات استيطانية تعمل على جمع تبرعات وتهيئة الظروف لتحقيق ذلك، لم يتم نفي هذا التوجه أو محاربته على اعتبار أنه سيشعل المنطقة وسيدخل الاحتلال في مواجهة عسكرية وحرب دينية إقليمية في المكان.
وفي أعقاب الخطاب الذي ألقاه رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار والذي أكد فيه على أن المسجد الأقصى يتجاوز الاعتبارات السياسية، اجتمعت حكومة الاحتلال بشكل طارئ، وهو ما يقرأ فيه الهدمي إحساسها بالإهانة وبتغير لغة الخطاب ورفع سقف التوقعات الفلسطينية والحالة الثورية التي أنتجها خطاب السنوار، وهو ما استلزم عليها اتخاذ خطوات تستعيد من خلالها "ماء الوجه"، وهيبتها أمام جمهورها بالذات.
ويشير رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد أن موافقة حكومة الاحتلال على الاقتحام وإعطاء مجال أكبر للمستوطنين بمناسبة ما يسميه "عيد الاستقلال"، نستطيع ترجمته ضمن حرص الاحتلال على الحفاظ على "أيقونة السيادة والسيطرة " على الأرض الفلسطينية، وصولًا للمرحلة التي يقول فيها إن المسجد الأقصى جزء من ما يسمى "إسرائيل"، وأن المصليات هي للمسلمين الذين يستطيعون أن يصلوا فيه، أما الساحات عامة، فقد أدرجها الاحتلال على قائمة الأماكن التي يزورها طلاب المدارس اليهود، سعيًا منه لأن يزورها كل اليهود.
ويفسر الهدمي تقدم حكومة الاحتلال في هذه الاتجاه رغبة منها في تحقيق أهدافها المتمثلة في الحصول على دعم المستوطنين لهذه الحكومة وتثبيتها لأنها تنفذ المخططات المركزية لنظام "دولة الاحتلال"، وكسر شوكة الشعب الفلسطيني، وفي النهاية تريد أن تثبت استقلال "شعب إسرائيل" وأن يستطيع أن يفعل ما يشاء في "عاصمته" التي تم الاعتراف فيها من قبل الحكومة الأمريكية.
الحفاظ على الوضع الراهن
بدوره، يقول المختص في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة لـ "شبكة قدس"، إن كل الأطراف لا تريد المواجهة الشاملة في الوقت الراهن، مع عدم رغبة أي طرف من الأطراف في التخلي عن طموحاته وأحلامه فيما يخص عن مدينة القدس.
ويضيف هلسة: "نحن نعلم من تجربتنا الطويلة مع الاحتلال أنه لا يمكن أن يتراجع خطوة إلى الوراء، بل يتخذ خطوات تكتيكية إجرائية على الأرض وفقًا للظروف والعطيات، لكنه ليس مستعدًا لأن يتراجع إلا إذا وجد نفسه في مواجهة الحديد والنار وطرف يستعصي على الكسر.
ويصف هلسة الأوضاع في المسجد الأقصى وكأن "الجميع يمشي على خيط دقيق داخل مدينة القدس، ولا أحد يمكنه التنبؤ بما يجري أو يمكن أن يجري بعد ساعة أو يومٍ من الآن، الكل يطلق التصريحات ويتوعد ويهدد والمشهد في المدينة صعب فيما يمكن أن تؤول إليه الأمور، خاصة مع تمترس كل طرف خلف قناعاته، أن كل هذا الفر والكر ما هو إلا حرب؟".
ويؤكد المختص في الشأن الإسرائيلي على أن حكومة الاحتلال تدرك تداعيات انفجار المشهد داخل المدينة المقدسة، ولا تريد جر الساحات المختلفة إلى المواجهة، وفصائل المقاومة تدرك تداعيات دخول واقتحام المستوطنين وجماعات الهيكل للمسجد الأقصى وتحقيق مآربهم.
من جانبه، يلفتُ الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي، إلى أن أقرب سيناريو متوقع هو ما حصل خلال الفترة من 21 رمضان إلى نهاية الشهر، فمستوى التصعيد خلال هذه الفترات لم يكن عالياً بالقياس إلى ما كان متوقعاً من قبل الاحتلال وبقية الأطراف.
ويستكمل عرابي حديثه لـ "شبكة قدس" أن السيناريو الذي كان سائداً خلال الفترة الأخيرة لم يكن بمستوى ما حصل خلال شهري نيسان وآذار، وكذلك خلال فترة معركة سيف القدس وتصدي الفلسطينيين لاقتحام 28 رمضان، والاحتلال مرر الاقتحامات بأقل قدر ممكن من التصعيد.
ويتابع: "المرجح أنه لن يكون تصعيد كبير إلا إذا حصلت تطورات مفاجئة مثل أن يكون هناك نوع من المواجهة لهذه الاقتحامات، ولكن تجربة الاحتلال تشير إلى أنه سيكون قادرا على تأمين هذه الاقتحامات على غرار ما حصل في شهر رمضان".
وبحسب عرابي فإن تصريحات رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار رفعت السقف عاليًا، وبالتالي يبقى تدخل المقاومة في القطاع أمر متوقع، ولكن نموذج الاقتحامات الأخيرة في رمضان لم يصحبه تصعيد واسع أو كبير.
ويشير إلى أن المقاومة الفلسطينية في غزة لها حساباتها على اعتبار أنها خرجت من حرب قبل عام، ولديها الحسابات المتعلقة بظروفها والحاضنة الاجتماعية والبنية التحتية في القطاع، إلى جانب الظرف الإقليمي والدولي وهو ما يجعلها تقدر الظرف.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل إن حكومة الاحتلال الإسرائيلية الحالية تدرك أن أي تصعيد يجر إلى انفجار الوضع مع قطاع غزة ستكون له تبعات كثيرة على الاحتلال، ومن ضمنها الحكومة القائمة الآن والتي من المرجح أن تقسط.
ويضيف عوكل لـ "شبكة قدس": "هناك اعتراف واضح من رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت بعد تصريحات رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار بأن الحركة تسعى لإسقاط حكومته، وبالتالي فإنه وحرصاً على الحكومة فهي لن تسمح بتصعيد من هذا المستوى يؤدي إلى انفجار الوضع".
ووفقًا للكاتب والمحلل السياسي فإن الحكومة الحالية ستسعى لضبط الأوضاع والمشهد إلى أكبر قدر ممكن، بموازاة التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن والذي أشار فيها إلى الجهد الكبير والصعوبة التي جرت لتهدئة الأوضاع خلال رمضان في ظل التصعيد القائم في المسجد الأقصى.
ويردف عوكل قائلاً: "هناك إقرار أمريكي بأن حكومة الاحتلال الحالية تحاول التصرف "بمسؤولية" وألا ترفع الاستفزاز لمستوى يؤدي لانفجار الوضع، والاحتلال سيحاول فعل كل ما يلزم لعدم انفجار الأوضاع، وهو ما يعني أن الاقتحامات ستكون محدودة وتقليدية".
ووفقا لعوكل، فإن المشهد سيبقى مفتوحاً لمزيد من الصدام مستقبلاً إن مرت هذه الاقتحامات ولم تكن بمستوى كبير كما هو مرجح، إضافة إلى أن سلوك المقاومة بات مختلفاً في التعامل مع الأحداث عبر إبقاء المواجهة والتصعيد قائمين، متوقعًا أن يكون التصعيد هو عنوان المرحلة في ضوء سلوك المقاومة الفلسطينية القائم حاليًا وتعاملها مع الأحداث الميدانية.