النقب المحتل - خاص قدس الإخبارية: بدأ عام 2022 في النقب المحتل جنوب فلسطين المحتلة بشكل مزدحم بالأحداث، إذ تشهد الصحراء الفلسطينية هبة شعبية في وجه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي شرعت في مصادرة 800 ألف دونم من أراضي قرى النقب غير المعترف فيها، وذلك من خلال عمليات تجريف وتحريش تنفذها آليات "الصندوق الدائم لإسرائيل – كاكال"، في قرية الأطرش في النقب المحتل.
خلال العقود الماضية، يشهد النقب احتجاجات على واقع معيشة 35 قرية عربية لا تعترف بها حكومة الاحتلال، يقطنها 150 ألف نسمة من أصل 300 ألف عربي في النقب، محرومون من الخدمات الأساسية من المياه والكهرباء والبنية التحتية، ويوجهون مشاريع استيطانية أطلق على آخرها "الاستيطان الأخضر"، بهدف إقامة 12 مستوطنة جديدة وعشرات المزارع الفردية لليهود على أراضي بدو النقب.
من التنديد إلى الهبة الشعبية
في عام 2010، انطلقت سلسلة فعاليات ووقفات احتجاجية في صحراء النقب المحتل، رُفعت فيها اللافتات، ووزعت فيها المناشير رفضًا لسياسية هدم البيوت، ومصادرة الأراضي، وفي حزيران 2013، كانت نقطة سياسة فارقة بإقرار الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى قانونًا لتهجير سكان عشرات القرى البدويّة في النقب، ويتضمن تجميعهم فيما يسمى "بلديّات التركيز"، وذلك وفق مشروع "بارفر- بيغن" لتهجير سكان النقب، ومؤخرًا عام 2021 نظمت مظاهرات احتجاجية على توزيع أوامر هدم خاصة في قرية عرب العقبي.
على الرغم من أن الاحتجاجات ليست جديدة في النقب كما هي حال محاولات التهجير والاستيطان، إلا أن اللافت في هذه المرة أن المظاهرات أخذت طابع الهبة الشعبية المقاومة، وقد التف حولها الفلسطينيون من مختلف مناطق الداخل المحتل عام 1948، ووقفوا جميعًا أمام جرافات الاحتلال وشرطته، وهتفوا فيها للأرض وفلسطين.
حول ذلك، يعقّب منسق مركز لجنة التوجيه العليا للعرب في النقب جمعة الزبارقة في حديثه لـ "شبكة قدس" بأن الهبة الشعبية التي يخوضها النقب حاليًا جاءت لوقف الظلم والإجحاف الذي يجري بحقهم، وهي نتاج لإجراءات الاحتلال المتعاقبة منذ والتي لم تتعامل بإنصاف.
وحول اشتعال الهبة الشعبية المقاومة بعيدًا عن مطالة حكومة الاحتلال بالكف عن إجراءاتها في النقب، يقول الزبارقة إن الموضوع أبعد من الموضوع القانوني، وأن "إسرائيل" لا تحكمها قوانين، متسائلًا: "أي دولة ديموقراطية – كما تدعي- يوجد فيها سكان في قرى غير معترف فيها، أي دولة منذ 73 عامًا تحرم الناس من المياه والكهرباء والبنى التحتية"
ويتابع الزبارقة: "نحن نتكلم عن قضية أرض وهذه الاحتجاجات امتدت، لأن الشباب شاركت من كل القرى المجاورة سواء المعترف بها وغير المعترف بها، ما تبقى لنا من الأرض هو نسبة ضئيلة أقل من 5٪، ونحن نكون 32٪ من سكان النقب، وصراعنا على هذه المساحة من الأرض، إن صراعنا مع الفكر الصهيوني."
وفي الهبة المندلعة مؤخرًا في النقب، تعالى فيها صوت فلسطين وعاد الالتفاف الفلسطيني من جديد لقضية الأرض ومقاومة الاحتلال، وهو بحسب منسق مركز لجنة التوجيه العليا لأن القضية مرتبطة بشكل أساسي بالأرض الفلسطينية، "فعندما توضع الأرض على المحك، تجد بأن الناس كلها تنتفض بالاحتجاجات، حيث يتم تضييق الحيز الفلسطيني يومًا بعد يوم"، يصف زبارقة.
انعكاس انتصارات الداخل 2021
في حديثه لـ "شبكة قدس"، يقول الكاتب والمحلل السياسي في الداخل المحتل ساهر غزاوي إن هذا الحراك الجماهيري الشعبي الذي يقوده جيل الشباب في منطقة النقب ليس بعيدًا عن مركز دائرة الأحداث الساخنة في القدس والمسجد الأقصى المبارك.
ويرى بأن أهل الداخل الفلسطيني لعبوا دورًا هامًا ومركزيًا في الأحداث والهبات الأخيرة، وشاركوا في كسر إرادة الاحتلال وتسجيل نقاط لصالح الشعب الفلسطيني، موضحًا، "لذلك ما نراه اليوم في النقب وقبله في اللد والحراك الشبابي في أم الفحم وهبة أهالي يافا قبيل اندلاع هبة الكرامة في أيار الماضي بأسابيع قليلة، هو ارتداد طبيعي من مركز الحدث."
ويقرأ الكاتب والمحلل السياسي في هبة الشباب في النقب بأن هذا الجيل هو الذي يقود الحراكات الجماهيرية والشعبية في النقب وغيرها، وقد وضع أمامه جميع التجارب والمحاولات لتحصيل الحقوق وللدفاع عن الأرض والمقدسات والإنسان ولا ينتظر الإذن من أحد ليخرج إلى الشارع ويقوم بواجبه.
ويتابع: " أيقن هذا الجيل أن مسار الكنيست ما هو إلا مضيعة للوقت، ورأى أن صلاحيات السلطات المحلية مقيدة بشروط تعجيزية، ويعلم أن القضاء الإسرائيلي مُسيسٌ لا يخدم إلا المشاريع الصهيونية ولا ينصف العرب الفلسطينيين، ورأى المناكفات السياسية الجارية اليوم بين التيار انتخابات الكنيست نفسه، ورأى الكثير من مشاريع مضيعة الوقت ونتائجها الصفرية."
ويشدد على أن الشباب المنتفض أدرك أن هذه الحراكات تزعج سلطات الاحتلال، لذلك اتخذها وسيلة ضغط لتحقيق أهدافه مع ترك مساحات للمسارات القانونية والسياسية الأخرى.