شبكة قدس الإخبارية

ما هي الأسباب التي تقف وراء العنف والاستقواء في الجامعات؟

264210955_737927177168374_253029974125092584_n

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: شهدت الجامعات الفلسطينية مؤخرا، مظاهر عنف وصلت حدّ مقتل شاب طعنا أمام الجامعة العربية الأمريكية في جنين، بالإضافة إلى اتخاذ عدد من الجامعات قرارات بتعليق الدوام فيها على خلفية الأزمات بين الحركات الطلابية.

تقول لينة ميعاري رئيسة نقابة العاملين في جامعة بيرزيت والأستاذة في دائرة العلوم الاجتماعية في جامعة بيرزيت، إنه يجب النظر إلى مؤسسات التعليم العالي كجزء من المنظومة المجتمعية التي تؤثر على ما يحدث اليوم في الجامعات.

وأضافت ميعاري في لقاء مع برنامج المسار الذي يبث عبر شبكة قُدس، أن بإمكان بعض مؤسسات التعليم العالي كالجامعات أن تحافظ على هامش وحيز للاختلاف.

وترى ميعاري، أن القيم الإيجابية للمنظومة المجتمعية  من التضامن والتآلف والمشروع الوطني التحرري، بدأت يتلاشى بعد أوسلو، وجزء منها انعكس على التفتت المجتمعي في ظل غياب مشروع وطني جامع، وبالتالي بدأت تغلب وتنتشر مظاهر العنف على كل المستويات بدءا من السلطوي وصولا إلى الجامعات. 

وأردفت: هناك العديد من الظواهر التي تكثفت بعد مقتل نزار بنات على يد الأجهزة الأمنية، وكلها بالإمكان النظر لها وكأنها مؤثر في الصورة الكلية الحاصلة، ومن المهم جدا أن نقرأ قراءة تحليلية وتفصيلية الجامعات في أوج المشروع التحرري حيث شهدت خلافات كثيرة وصلت إلى حد استخدام العنف بين الكتل الطلابية، والأمر ليس غريبا، ولكن المقلق هو وصولها إلى حالاتها القصوى، بعد أن كان بالإمكان السيطرة عليها  سابقا بسبب المرجعيات المجتمعية التي كانت قادرة على التوفيق بين المتخاصمين.

وتضيف: الأمور اليوم أصبحت مختلفة قليلا عن السابق، وهناك ظواهر من الاستقواء وفرض القوة، بعيدا عن الحوار والرؤى، وهو أمر مقلق خاصة في الجامعات. موضحة، أن جامعة بيرزيت لا تزال تحافظ على هامش اختلاف مختلف عن بقية الجامعات، "وهذا الهامش مبني على إرث الجامعة والعمل النقابي والطلابي القوي والواعي فيها، وكذلك إدراك إدارات الجامعة لأهمية الحفاظ على الجامعة بعيدا عن التدخلات والإملاءات الخارجية.

وبحسب ميعاري، فإنه "مع التحولات التي حدثت على جميع مفاصل المجتمع، تأثرت جامعة بيرزيت بها، وعلى الرغم من التنوع في وجهات النظر وحرية الاختلاف، إلا أن هناك مظاهر للملاحقات الأمنية لنشطاء وطنية من فصائل وكتل مختلفة، كما أن هناك وجود لطلبة يعملون كعناصر أمن".

وأكدت، أنه "من المهم جدا الحفاظ على هامش الاختلاف الموجود، لأنه في ظل غيابه سنصل لحالة من الدمار، ولا يمكن الحديث عن قدرة الجامعات على إنتاج معرفة نقدية وتحررية في ظل وجود بيئة مادية محكومة سلطويا، كما أن إشكالية خصخصة مرافق الجامعة وتحويلها لبيئة غير صالحة للتعليم  وإنتاج المعرفة أمر إشكالي، ومن المهم القول إن بيرزيت لها خصوصية، وهناك هامش من حرية الاختلاف من المهم الحفاظ عليه".

وتعقيبا على الأحداث الأخيرة في الجامعة، أكدت، أن لدى كافة مكونات الجامعة قناعة بأنه في حال عدم وجود بيئة عادلة ومنصفة بإمكانها محاسبة المسؤول عن أي خلل أو خروقات فهذا سيؤدي بالجامعة إلى الدمار.

من جانبه يرى خليل عساف، رئيس تجمع الشخصيات المستقلة بالضفة المحتلة، إن لكل جامعة خصوصيتها، مشيرا إلى أن جامعة بيرزيت ما زالت تحمل بعض القيم والمعاني غير الموجودة في باقي الجامعات. وقال، إن الجامعة الأمريكية على سبيل المثال اضطرت إلى نقل الكثير من مقراتها إلى رام الله لأنها محكومة للمناطقية والجماعات، خاصة أنه لم تعد هناك حالة وطنية حقيقية، في ظل وجود تيار يتبع لأشخاص وقرى ومراكز قوى يتحكم بالجامعة، يستند إلى التعصبية والجهوية، ولو لم يكن ذلك حقيقيا لما شهدنا رئيس مجلس طلبة يقتل شريكا له من نفس التيار.

وأضاف خلال لقاء له عبر برنامج المسار الذي يبث عبر شبكة قُدس، أن "هناك حالة استقواء على إدارات الجامعات، وقبل فترة قام أحد الطلبة خلال المحاضرة بضرب زميل له وشتمه دون اتخاذ أي إجراء ضده لأن الطالب المعتدي استقوى بمجموعته التي حالت دون معاقبته".

ويرى عساف، أن عدم وجود رادع أو عقوبة، أمر يشجع على العنف والخطأ، خاصة وأن إدارات الجامعات أصبحت رهينة للأجهزة الأمنية. مشددا على ضرورة وجود معالجة للحالة الوطنية بشكل عام، خاصة وأنه لم يعد لباقي الجامعات صوت بسبب الملاحقة الأمنية التي يرى عساف فيها قضية انعكست على الحالة التي وصلنا لها في الجامعات بالضفة.

وأكد، أن "ما نراه في الشارع نراه في الجامعات، وهناك تهديدات كانت تصل إلى أكاديميين من قبل طلبة محسوبين على تيار سياسي معين، وقريبين من الأجهزة الأمنية، وأرى أن المستوى التعليمي في فلسطين في حالة هبوط كبير".

وأشار، إلى أن الأجهزة الأمنية تحاول فرض تدخلاتها في الجامعات، "لذلك لا توجد مواجهة سوى التضحية برفع الصوت عاليا والمطالبة بتجديد الشرعيات وإجراء الانتخابات والاحتكام لسيادة القانون".

ويرى حسن أيوب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، أنه تاريخيا كانت الجامعات تشهد مشاجرات وخلافات، وأحيانا على نطاق واسع، ولكن الفرق أن الشجارات تاريخيا كانت تحدث بين الكتل والطلبة، حيث كانت طبيعتها مختلفة عن ما جرى في الجامعات مؤخرا من أعمال عنف ذات طابع جهوي ومناطقي لها عمق شخصي يتداخل فيها منطق الاستقواء مع البعد المتعلق بالفصائل ومرجعية الحركة الطلابية.

وقال أيوب في لقاء مع برنامج المسار الذي يبث عبر شبكة قُدس، إن ما يحدث في الجامعات اليوم يعكس ما يعتمر المجتمع الفلسطيني من أزمات متراكبة ومركبة ومعقدة، والجامعات انعكاس مكثف للأزمات الاجتماعية نظرا للالتقاء آلاف الطلبة من مختلف المناطق والتوجهات والآراء في مكان واحد يوميا.

وأضاف: هذا يجعل الأزمات التي تجتاح المجتمع أكثر كثافة عندما تحضر في الجامعات، فنحن نعيش أزمة سياسية تنعكس على مستويات كبيرة من الإحباط وانعدام الأمل واليقين بمسألة التحرر الوطني، ونعيش أزمة في ظل غياب سلطة القانون، وهيمنة كبيرة جدا للنزاعات الفردية المرتبطة بالاستهلاك واقتصاد السوق وحالات التمايز والفرز الاجتماعي للوظائف والمنافع والأفضلية بطريقة لا تعكس الدرجة الدنيا من العدالة الاجتماعية والمنطق.

وأردف: نعيش حالة من الاستخفاف الذي تمارسه الجهات الرسمية بشأن الرأي العام، ولذلك من غير المستغرب في ظل أنه لم تعد لدينا مرجعية أن نصل لهذه المرحلة، وهناك عجز واضح في مسائل إنفاذ القانون، ولم يعد لدينا الصمغ اللاصق الذي يمسك المجتمع والإحساس الجماعي بالهدف والمصير، وفي ظل غياب وجود مرجع، نحن نعيش هذه الحالة العامة التي تثير قلق المجتمع الفلسطيني على نطاق واسع. 

وأكد، أن "النظام التعليمي لدينا كله يعيش حالة من انعدام الوزن، لا تقف فيها المؤسسات التعليمية على مسافة واحدة من القوى السياسية ومن مراكز القوى الموجودة في السلطنة، فهناك جهات معينة مسموح لها الدخول للمدارس وعمل حملات توعية ودعاية وأخرى غير مسموح لها". قائلا: إدارات الجامعات ينبغي لها الوقوف على مسافة واحدة من جميع الكتل الطلابية، وأن تتمسك بالقوة بهذا الهامش، بوجود تقاليد للحياة الأكاديمية والمعرفية إلى جانب وجود مزيج  من القيم الثقافية القائمة على التنوع والتعدد وشرعية وجود الاختلاف وتبادل الآراء وبالذات مسألة الحرية في العمل الطلابي بشقيه السياسي والنقابي. 

وأشار، إلى أن ما يحدث في المجتمع هو انعكاس للواقع في ما يتعلق بالشق السياسي الداخلي والإحباط المترتب عليه، "فبعد هبة أيار تشكلت فرصة بارقة لواقع القضية الفلسطينية وفرصة كبرى للملمة الوضع الداخلي والعودة إلى القيم والهدف الجماعي التي من شأنها تحييد كل هذه القيم المشوهة التي دخلت إلى المجتمع الفلسطيني والتي تتجسد في وجود طرف واحد مهيمن تماما على كل مقدرات السلطة.

وبحسب أيوب، فإن مسألة الفرز الموجودة في المجتمع، في وجود من يستطيع أن يتمتع بكل أشكال الحياة من رفاهية وغيرها وهذا مرتبط بموضوع الخصخصة وتوزيع الدخل في المجتمع، وهذا الفرز خطير ويعمق حالة الاستقطاب الموجودة في المجتمع الفلسطيني، فنحن نعيش أزمة كبرى على مستوى "ما الذي يمكن أن يشكل النموذج للشباب الفلسطيني"، فشباب الجامعات تاريخيا كانوا يحركون القاطرة التي تجر وراءها كل الحركة الوطنية الفلسطينية، ولا يجوز أن يكون هناك قبول لممارسة العنف بأشكاله المختلفة،. مشيرا إلى أن الجامعات أصبحت تستخدم كتجمعات كبرى لابتزاز وفتح الأبواب لتدخلات من خارجها.

وقال الإعلامي المختص في الشأن القانوني ماجد العاروري، إن المجتمعات كمنظومة تحكمها مجموعة من القيم، وكل هذه عوامل تؤثر على السلوك، وهذا هو مكمن الاختلاف بين المرحلة الحالية والمرحلة السابقة في الجامعات الفلسطينية.

وأضاف في لقاء مع برنامج المسار الذي يبث عبر شبكة قُدس، أن "هذه المنظومة ضربت من عمقها على مدار سنوات، خاصة في ظل ظروف بعد الطلبة عن الحياة الجامعية جراء حالة الطوارئ القائمة، حيث تمثل لهم الجامعة مكانا أكاديميا فقط، بعدما كانت سابقا ملتقى للتبادل الثقافي.

ويرى العاروري، أن هذه منظومة التعليم في فلسطين تعرضت لضربة واسعة جدا ناتجة عن السياسات الرسمية التي اتبعت خلال السنوات الماضية، وأحدثت حالة من الانهيار في كل المنظومة القيمية الموجودة وهو ما انعكس على القدرة والأداء.

وأشار، إلى أن "الوضع الحالي لا يختلف عن جو تنهار فيه كل القيم ولا يوجد هنالك من يستطيع أن يضبط هذه القيم، فنحن نتحدث عن العلاقات والحوار والقبول بالرأي الآخر والقيم المرتبطة بدرجة كبيرة بفكرة المواطنة المبنية على فكرة الحقوق والواجبات، وما دامت المنظومة التي نعيش فيها على المستوى السياسي قد فقدت مفهومها، وأصبح الناس يشعرون أنهم مجرد أفراد يعيشون داخل حيز مغلق".

وأردف: في ظل هذه الحالة، أصبحت الناس تحاول حل صراعاتها بالطريقة البدائية المباشرة في ظل فقدان مفهوم المواطنة، وهذه مسألة غاية في الخطورة.

وأكد الباحث في الشأن القانوني العاروري، أن هناك مسؤولية تقع على عاتق الجامعات، بسبب عدم التعامل بجدية في السابق مع الخلافات التي كانت تحدث داخلها، بسبب خشية إدارات الجامعات من اتخاذ إجراءات عقابية ضد الطلبة، بسبب عدم وجود بيئة مجتمعية داعمة تشجع على حرية الرأي والاختلاف والحوار والتعبير والنقد، "ولكن إذا وصلت الأمور حد العنف فهذا أمر خطير ونقيض مطلق لحرية التعليم".

وأشار، إلى وجود متغيرات لا يستطيع أي أحد أن يناقشها بشدة، حيث إن هناك أحداث تم التعامل معها بمنتهى البساطة، وبعضها كان يتعلق بإغلاق الحرم الجامعي بالسلاسل الحديدية، وكان الأجدر أن تثور المجتمعات قبل إدارة الجامعات وخلق حالة من التربية على الحوار وحرية الرأي والتعبير، وفي حال وصلت إلى العنف يجب اتخاذ إجراءات صارمة.

واعتبر، أن "ما يجري في الجامعات يدق ناقوس الخطر لكل النظام التعليمي في مناطق السلطة الفلسطينية، ويجب الوقوف بجدية حول ما يجري". 

وبحسب العاروري، فإنه يجب إجراء تقصي حقائق بالأساس لما يجري داخل المدارس، بسبب وجود سيطرة أمنية حقيقية للنظام السياسي القائم على النظام التعليمي، وهو ما أفرز الطلبة الموجودين اليوم بهذه التنشئة، فالنظام التعليمي في المدارس انعكس على التعليم في الجامعات.

وشدد على ضرورة الاهتمام بإنفاذ القانون وليس السيطرة الأمنية على اتجاهات تفكير وثقافات الناس.




 

 

#تعليم #عنف #جامعات